السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماذا يحدث في غزة .. بعد شهر من سيطرة حماس

ماذا يحدث في غزة .. بعد شهر من سيطرة حماس
20 يوليو 2007 23:09
''كل شيء تغير هنا، هدوء قاتل، رعب ويأس، موت يطل برائحته من أماكن عدة··''· هكذا بعيون حزينة تتحدث نائلة الموظفة في إحدى وزارات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة عن الوضع في القطاع بعد شهر من انقلاب حركة ''حماس'' وسيطرتها على غزة التي يسكن فيها نحو مليون ونصف فلسطيني· نائلة -التي لا تنتمي لحركات سياسية- تعكس حالة من الأسى والإحباط التي انتشرت في غزة طوال الفترة الماضية، بسبب رؤية الأشقاء يقتلون بعضهم بعضا بالطرق ''العراقية'' خلال الاقتتال الداخلي، وانتهى الأمر بسيطرة ''حماس'' على القطاع· ربما يصدم البعض رأي نائلة فيما يحدث - ولكن في النهاية هذا رأيها فهي تقول '' نحن مسخ، ليس لنا ملامح، ومصممون على إقناع العالم بالعكس، لقد صدمنا بالمسخ الذي رأيناه فينا، عرفنا حالنا واكتشفنا كيف نحن بشعون، فنحن لم نقبل بحالنا فكيف العالم يمكن أن يقبلنا ''!! إن حالة نائلة تعبر عن صدمة رؤية الدماء والجثث تتناثر في شوارع غزة بسبب الاقتتال الداخلي· وتقول سامية التي تعمل صحفية ''هذه أول مرة أشعر بالخوف، الدبابات الإسرائيلية كانت تجتاح القطاع من جانب بيتنا الصغير، ولم أكن اشعر بالخوف، ولكن عندما بدأ الاقتتال الداخل عرفت للمرة الأولى معنى الخوف· ومنظر سميح المدهون وهو يسحل وفضائية الأقصى الحماسوية تعرضه بكل فخر، ليس حزناً على المدهون، ولكن لأني اكتشفت إلى أي حد تصل الهمجية''· لا يمكن إنكار أن ''حماس'' وقوتها التنفيذية- منذ سيطرتها على القطاع - قضت تباعاً كل قلاع ترويج المخدرات وبيعها، و أزالت عدداً من تعديات المواطنين على الأراضي والممتلكات الحكومية، وأخرى تعود لمواطنين آخرين أخذوها منهم بالاستقواء عليهم بعائلاتهم أو بتنظيماتهم أو بانتمائهم إلى الأجهزة الأمنية· في الوقت نفسه نشرت ''حماس'' عناصرها على مفارق الطرق لتنظيم حركة المرور في الشوارع· مسلسل دموي في غزة أيضاً نجد للمرة الأولى اليوم منذ سنوات شواطئ البحر مزدحمة· فكافة سكان غزة يشعرون بالأمان للمرة الأولى منذ بدء الاقتتال الداخلي· وكما يقول أحمد (موظف) إنه أصبح يشعر عندما يخرج صباحاً إلى وزارته أنه سيعود سالماً إلى أبنائه بعد شهور قضاها صار فيها الخروج من المنزل مغامرة محفوفة بالمخاطر· ولكن المشهد في غزة له وجه آخر، فحركة سكان المدينة المزدحمة تكاد تختفي تماماً بعد صلاة العشاء مساءً، حيث تخلو الشوارع من المارة أو السيارات بشكل شبه كلي· ويعتري الخوف وجوه الفلسطينيين وهم يطالعون بيانات ''القوة التنفيذية''، داعين الله أن لا تشملهم ''القائمة السوداء'' ·· أي قائمة المطلوبين من حركة ''فتح'' أو الموالين لها· لم تكن قصة سميح المدهون الأخيرة في مسلسل تصفية القوة التنفيذية التابعة لحكومة حماس (المُقالة) لخصومها من أبناء حركة'' فتح''، رغم إعلانها العفو العام عن أعضاء '' فتح'' في قطاع غزة بعد أسبوع من حسم معركة غزة· منذ ذلك الحين، فإن ما لا يقل عن تسعة من الموالين لحركة ''فتح'' قتلوا، وفقا لتقرير صادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان ، واعتقل نحو 20 آخرين، بعضهم تعرض للضرب، فيما يبقى مصير المحتجزين متروكا بيد قادة حماس الميدانيين، رغم وعودها بعدم إيذاء منافسيهم من حركة '' فتح''· وامتلأت قائمة المتحدث باسم القوة التنفيذية إسلام شهوان بأسماء الموالين لـ''فتح'' المطلوبين التي لا يعرفها غيره، وردد أكثر من مرة ''سيتم قتلهم لضلوعهم في قتل نشطاء من حماس، ولن ينالوا محاكمات إذا تم القبض عليهم''·· جثث مشوهة وممزقة بفعل الرصاص تكشف لنا عن بعض من تلك الأسماء المطلوبة، أدهم مصطفى، سلامة بربخ، طارق عصفور، شوهت أجسامهم بالرصاص وأثار التعذيب كشاهد علي جرم الثأر· ومن بين أولئك الذين قتلوا ادهم مصطفى (19 عاما) مسؤول امن أموال لـ''فتح'' أمسكت به ''حماس'' في اليوم الأخير من القتال بعدما أعلنت العفو العام، قال التقرير الطبي إنه تعرض لسبع طلقات على الأقل، وظهر شريط فيديو لجثة مصطفى أن عينه اليسرى مفقوءة إضافة إلى قطعة كبيرة من لحمه تحت ذراعه اليمنى· وفي حالة أخرى من حالات التعذيب على يد ''حماس'' نجد طارق عصفور الذي فصلت ساقه، وأشار التقرير الطبي عن حالته إلى أن الساقين ظهرت عليهما علامات ثقوب من مسامير دقت في ساقيه، وكان قد قبض على عصفور الموالي لحركة ''فتح'' من قرية عبسان في 29 يونيو الماضي، واقتيد إلى منزل مهجور من قبل عناصر تابعة للقوة التنفيذية، وضرب وعلق من ساقيه· وفي إفادته لأحد مراكز حقوق الإنسان في غزة، قال إن مسلحين من حماس امسكوا به، وان محققي حماس ضربوه بعصا كبيرة ثم بمطرقة على مفاصله في الوقت الذي كانوا يطرحون عليه أسئلة حول مشاركته في القتال وحول المكان الذي أخفى فيه أسلحته وحول مكان تواجد شقيقه، وهو قيادي بارز في ''فتح''، ثم سحبوا ساقي إلى أعلى واخبروني أنهم سيضعون مسامير في ساقي، وبعد أن دقوا ساقه بعشرة مسامير اعترف بمكان الأسلحة· ولم ينج سلامة بربخ من بلدة خان يونس من مصيره المأسوي، فقد أمسك به مسلحون من حماس، وأطلقوا النار على ساقيه، ثم قتل بوابل من الرصاص، وطعنت جثته· في الوقت نفسه اعتقلت القوة التنفيذية حوالي عشرين ناشطا من ''فتح''، واعترف الناطق باسم التنفيذية شهوان بأن عملية الاعتقال لناشطي ''فتح'' في خان يونس جاءت على خلفية شكوى مقدمة من حركة ''فتح الياسر'' التي يتزعمها خالد أبو هلال، اتهمت فيها عناصر وكوادر من ''فتح'' بالتهجم والاعتداء على مقرهم في خان يونس· وذلك على نقيض ما تشيعه ''حماس'' والحكومة المقالة، حول إنها أعادت الهدوء إلى قطاع غزة، فإن ''القوة التنفيذية'' تقوم بحملات مداهمة وترهيب متواصل على عناصر ''فتح'' وغيرهم· وأطلقت التنفيذية الأسبوع قبل الماضي النار على مسيرة جماهيرية نظمتها الفصائل الفلسطينية ضد ما حدث في قطاع غزة مؤخرا من قبل ''حماس''، ورفضها للانفصال بين غزة والضفة الغربية الأمر الذي أدى إلى إصابة عدد من المواطنين، واعترف شهوان الناطق باسم القوة بقيام التنفيذية بإطلاق النار على المسيرة· لم تكن حركة فتح المستهدف الوحيد لـ''حماس'' في غزة، فالمسألة تتعدى الثأر التاريخي بين الحركتين، لتشمل الثأر من المجتمع الفلسطيني العلماني، حيث أعلن أحد الناطقين باسم الحركة في بيان له عقب استيلائها على مؤسسات السلطة الفلسطينية في منتصف يونيو الماضي ''أن حماس لم تنتصر على فتح بل انتصرت على العلمانية، وعلينا أن نجتز كل أشكال العلمانية في غزة والعلمانيين الزنادقة''، فشهدت غزة هجوما متلاحقا من قوات حماس الأمنية ضد عدد من الأماكن والمحال والشخصيات والموظفين· وجاءت الحملة الأمنية ضد مؤسسات السلطة الوطنية وموظفيها وضد عائلات في مناطق عدة، كان أبرز تلك الأحداث الاعتداء على جامعة الأزهر التي تعتبر معقلا للعلمانيين في غزة التي لا ترفع الرايات الخضراء· وسبق الاعتداء تهديد رئيس الجامعة بإنزال رايات حركة ''فتح'' المرفوعة على بعض المواقع في الجامعة، كما منعت التنفيذية بعض موظفي وزارة التربية والتعليم من الدخول إلى مقر الوزارة تحت تهديد السلاح· لم يقتصر الأمر على منع أو تهديد الموظفين في مجال التربية والتعليم، فحركة ''حماس'' تعمل على تشويه مناهج التعليم الفلسطيني بحجة أنها لا تتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية· في النهاية، فإن الصورة في غزة هي تعبير عن حالة من فوران الحمى في الجسد الفلسطيني، فـ''حماس'' تقود القطاع إلى الهاوية بينما حكومة رام الله تعيش في عالم آخر بحثاً عن حلول سلمية لا يشارك فيها أبناء غزة الذين اختطفتهم ''فتح'' ثم أسرتهم ''حماس''ـ وكأن مصيرهم هو الدوران في ساقية جافة، فإلى متى تترك غزة لمصيرها؟· سؤال لن يجيب عنه سوى الفلسطينيين في الشهور المقبلة، لأن الجميع يبدوا أنهم غسلوا أيديهم من دماء أبنائها حتى إشعار آخر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©