الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأفريقيــون يختنقـون من المســاعدات العينية

الأفريقيــون يختنقـون من المســاعدات العينية
20 يوليو 2007 01:04
قد يختنق الافريقيون من كمّية المساعدات التي تنهال على رؤوسهم عقب كل مؤتمر أو قمّة أو لقاء عالمي مخصّص لبحث أوضاع الدول النامية وكيفيّة مد يد العون لها، بحيث نسمع في كل مرّة أن كمّية من المال أو شحنة من المواد العينيّة والطبّية في طريقها إليهم·· ولكن السؤال هو: كيف سيتقاسم جميع سكان القارة السمراء ذات الكثافة السكانية العالية هذه المساعدات؟ وهل هذه المساعدات الرسمية أو الخاصة كفيلة بأن تكسر ثالوث المجاعة والفقر والمرض الذي يغرز أظفاره في الدول الإفريقية منذ عقود؟·· أحدهم يقول: ''لم أسمع في حياتي قط عن رجل أصبح ثرياً لأنه يحمل بيده وعاء للاستجداء!''، ولعلنا هنا نتذكّر القول الذي يقول بعدم إعطاء الفقير سمكة يومياً بل إعطائه صنارة وتعليمه الصيد عوضاً من ذلك·· فما الذي تحتاج له أفريقيا اليوم: مساعدات إضافية، أم استثمارات مكثفة لتعزيز النشاط الاقتصادي وتوفير فرص العمل والنهوض بالوضعين الاجتماعي والصحي؟ 'إفريقيا هي المكان الأفقر على سطح الأرض''، هكذا تقول الصورة القاتمة التي طُبعت في أذهان دول العالم المتقدم، حيث لا تذكر كلمة إفريقيا إلا وذكر معها الجفاف والحروب الأهلية والأمراض الخطيرة أو المجاعة· وعلى مرارة هذه الصورة وسوداويتها، إلا أنها لا تختلف كثيراً عن الواقع الذي تشير إليه الإحصاءات والتقارير الدولية عن المعاناة المستمرّة للشعوب الإفريقية التي تسير بأقدام حافية على ثروات دفينة، وهي تشدّ أحزمة البؤس على بطونها الخاوية· اليوم، تحاول بعض الشخصيات والجهات الغربية مد يد العون للقارة الإفريقية، ولكن الآراء حول هذه المساعدات تنقسم إلى قسمين، الأول يقول بالاكتفاء باستقطاب المعونات والمساعدات للإفريقيين، والثاني يشير إلى ضرورة حشد الاستثمارات وضخّ الرساميل لتعزيز سائر البنى والقطاعات في هذه القارة البائسة، أما الرأي الثالث فيؤكد أن المشاريع الاستثمارية بحاجة إلى وقت طويل لتؤتي ثمارها وانه لا بد من المساعدات المادية الفورية وفي أسرع وقت ريثما تنضج المشاريع الأخرى· ''بونو''·· عرّاب افريقيا الجدير ذكره، أن المساعدات الفاعلة لإفريقيا معظمها يصدر عن جهات خاصة وغير دولية، على الرغم من أن كل مجهود خاص يحتاج إلى راعٍ دولي أو إلى دعم مكثف من حكومة الدولة الإفريقية المعنية كي يحقق نتائجه المرجوّة· من بين أبرز الشخصيات الشهيرة المنخرطة في ''مساعدة إفريقيا''، يظهر اسم مغني الروك ''بونو'' والرجل الأكثر ثراء في العالم ''بيل غايتس'' والرئيس الأمريكي السابق ''بيل كلينتون'' ومجموعة من الجمعيات الخاصة والمموّلة من أكثر من جهة، علماً بأن كل من هؤلاء الأشخاص يعمل لتقديم المساعدة في نطاق مختلف عن الآخر· فمطرب الروك المميّز وقائد فرقة (U2)، ''بونو''، لا يترك مناسبة إلا ويتحدّث عن قضايا يعتبرها أساسية في إفريقيا: كالمجاعة، والفقر، والإيدز، والسل، وهو يخوض سلسلة لقاءات على مستوى عالمي لتعزيز المساعدات المقدمة إلى القارة السمراء، ومن بين الشخصيات التي التقاها: الرئيس الأمريكي الحالي ''جورج بوش''، والسابق ''بيل كلينتون''، المستشارة الألمانية ''انجيلا ميركل''، والبابا ''بنديكتوس السادس عشر'' وغيرهم الكثير· ''بونو'' الذي حقق ثروة بملايين الدولارات من خلال اغنياته، لم يكتفِ بكونه مغنياً بل أراد أن يكون له دور أكبر في الحياة، ولربما يطمح في أن يُلقَّب بـ''عرّاب افريقيا''، فهو يتنقل من مكان إلى آخر ليحرّض الدول الغنية على التبرّع بـ0,7 في المائة من دخلها القومي لافريقيا أسوة بالسويد الذي نجح في إقناعها إضافة إلى هولندا واللوكمسبورغ· على مرّ السنوات الخمسين الماضية، قدمت الدول الصناعية أكثر من 2,3 تريليون دولار للدول الإفريقية الفقيرة، ومع ذلك فإن الفقر ما زال مستوطناً في مختلف أنحاء إفريقيا، وكذلك المجاعة والأمراض الخطرة· وبعض المحللين رأوا أن هذه المساعدات المادية التي توزع عينياً بدون أن توظف في أي قطاع إنتاجي لم تكن سوى زيادة في ''مأساة'' افريقيا· في أول عقدين بعد حصولهم على الاستقلال، أتضح للإفريقيين أن حكوماتهم عاجزة عن تأمين الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها وقد تجلى ذلك من خلال تدهور البنى التحتية وحال المستشفيات والجامعات وشبكات الإنتاج الصناعية· وقد استمر الوضع على ما هو عليه مع فارق جديد هو أن البلدان الإفريقية أتخمت بالديون العامة التي انهالت عليها من جهات دولية عدة ظناً منها ان ذلك يساعدها في بدء مسيرتها بعد الاستقلال· اتجاه جديد للمساعدة اليوم، يظهر اتجاه جديد لمساعدة إفريقيا وهو بمعظمه من جهات خاصة، ويعبّر ''بونو'' عن هذا الاتجاه بالقول: ''لدى جيلنا فرصة نادرة لتغيير التاريخ، لدينا المال، المعرفة ونعرف الأشخاص الأنسب لمساعدة إفريقيا· نستطيع أن نحقق مآربنا، خصوصاً مع وجود أشخاص مثل ''بيل جايتس'' وغيره من الأبطال''· وهنا لم يذكر ''بونو'' اسم ''بيل جايتس'' من عدم، فهذا الرجل الذي يمتلك ثروة كبرى يخصص سنوياً ما مقداره 1,5 مليار دولار سنوياً لإجراء البحوث اللازمة لمساعدة الدول الإفريقية في القطاع الصحي وتوفير الحلول الناجعة للأمراض التي تفتك بهذه القارة· وقد دعا 275 عالماً من أبرز العلماء في العالم ليدخلوا في منافسة حول تطوير أبرز الأدوية وابتكار أفضل المنتجات لمواجهة تحدّيات المستقبل ولحلّ القضايا المتأزمة سواء على الصعد الصحية والزراعية والصناعية في الدول النامية وعلى رأسها الدول الإفريقية· يحاول ''جايتس''عن طريق الإنفاق على البحوث العلمية أن يتوصّل إلى أفضل الطرق للتخفيف من معاناة الأفارقة ولا يستند فقط على إعطاء المساعدات العينية والمادية التي لا تصلح إلا لفترة قصيرة من الزمن· وللمثال، فإنّ مؤسسة ''بيل جايتس'' تمنح عدداً كبيراً من العلماء التمويل اللازم لإجراء بحوثاتهم، ومن بين هؤلاء العالِم الألماني ''ستيفن كاب'' الذي يعمل حالياً لتطوير طريقة علمية للتخلص من المالاريا عبر مكافحته وهو في كبد الإنسان· وقد فشل ''كاب'' في الحصول على التمويل لبحثه من جهات حكومية أو رسمية وكاد مشروعه يذهب هباء لولا تدخل ''جايتس'' وإعطائه 13,5 مليون دولار لإجراء أبحاثه والتأكد من نتائجها والتي في حال أثبتت نجاحها ستساهم في التخلص من أفتك الأمراض وأكثرها انتشاراً في إفريقيا· إلى ذلك، فقد أسس ''غايتس'' ما يسمّى بـ''قرى الالفية'' التي تستقبل مرضى الإيدز وتمنحهم العلاج وتحرص على سلامتهم الصحية، كما تستقبل الأشخاص الذين ثبت أنهم يحملون فيروس Gd`HIV h كل مَن يرغب بالمجيء إلى القرية للسكن ولأخذ العلاج، كما أن المؤسسة فتحت غمار الإنتاج في القرى حيث استحدثت المزارع وبرامج التعليم وأسّست بنكاً لحفظ الحبوب وهي تحقق تقدماً مطرداً يترجم في زيادة عدد سكانها وفي تحسّن مستواهم المعيشي، أما المرضى فهناك تقارير دورية تشير إلى تحسّن وضعهم الصحي تدريجاً· الدعم الحكومي ضروري القضية الأبرز لا تقتصر على المساعدات التي تقدمها الجهات الخاصة، فلحكومات الدول الإفريقية دور هام سواء لجهة تأمين الكهرباء والبنى التحتية ووسائل الاتصال وأبسط الخدمات الموجودة في المجتمعات الأخرى خارج إفريقيا، كما ان من واجب هذه الحكومات أن ترعى الجهات المسؤولة عن المساعدات وأن تؤمّن لها المساندة الملائمة لكي تكسب ثقة مواطنيها· فضلاً عن أن هذه الجهات الخاصة تحتاج إلى دعم من الدول الكبرى الذي يظهر من خلال مسامحة الدول الإفريقية ببعض الديون المترتبة عليها لنادي باريس شرط أن تستثمر قيمة هذه الديون المالية بمشاريع تعليمية وصحية وغيرها في مصلحة الشعوب الإفريقية المختلفة· في المحصلة، لا بد من الإشارة إلى أن إفريقيا تحتاج فعلاً إلى المساعدة، ولكن هذه المساعدة لا يجب أن تقتصر على ناحية واحدة مع غضّ النظر عن الضرورات الملحّة الأخرى، لأن ذلك لن يجدي نفعاً وسيبدو كما لو أن أحدهم يحاول إضافة مياه الشفة إلى مياه البحر لتحليتها!
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©