الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فرنسا تعيش في الأناضول رغم الخلافات السياسية

فرنسا تعيش في الأناضول رغم الخلافات السياسية
22 يوليو 2007 02:18
ما إن أعلنت استكهولم فوز '' أورهان باموك '' بجائزة نوبل في الآداب حرص الرئيس الفرنسي جاك شيراك على تقديم تهئنته للاديب التركي الكبير على حد وصفه، ولم ينس شيراك أن يشير إلى بعض عناوين أعمال باموك والتي كانت لها وقع بالغ الإثارة عندما قرأها، وعلى صعيد الحياة الثقافية، سارعت دور النشر الفرسية بعرض مؤلفات الكاتب التركي لتحتل واجهات بيع الكتب في المكتبات العامة في باريس والمدن الكبرى على السواء· المثير أن الشعب الفرنسي في نفس التوقيت بدا إجمالا صفا واحدا لشحذ الجمعية الوطنية الفرنسية ''البرلمان'' لاستكمال مواقفها بإقرار قانون يعاقب كل من ينكر مذابح الارمن، الأمر الذي شكل صدمة عنيفة للشعب التركي، حتى باموك نفسه والذي سبق وأقر بمسؤولية الإمبراطورية العثمانية عن المذابح التي طالت الأرمن إلا أنه انتقد فرنسا فكيف لها أن تصادر حق الآخرين في رفض ما يسمونه إبادة الأرمن· لكن باموك يتوقف عند هذا الحد لا يبرحه خطوة واحدة، فالسياسة شيء، والثقافة عالم آخر، وهذا عائد إلى نشأة باموك في أسرة أرستقراطية عاشت الثقافة الفرنسية وتحدثت لغتها ككبار القوم بالمدينة التاريخية وقضية المقاطعة ليست مطروحة أصلا وها هو يحل ضيفاً على فرنسا ومهرجانها السينمائي العتيد ''كان'' في دورته الستين· لكن ماذا عن مجمل قطاعات الشعب التركي ؟ قبل أقل من عقد ومع إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية لقانون يحمل الأتراك العثمانيين مسؤولية إبادة الأرمن أبان الحرب العالمية الأولى، بدت البلاد وكأنها على فوهة بركان· ورغم أن الأزمة كانت متوقعة لكن الغضب اشتعل وتطايرت العقول المصدومة في فرنسا الصديقة وبدأ الحديث عن ثورة لمقاطعة كل ما هو فرنسي: جمع غفير يندد أمام القنصلية الفرنسية في أسطنبول وجمعيات أهليه تطوعت بجمع توقيعات المواطنين الرافضين للمزاعم الفرنسية وانبرى حكام الأقاليم خصوصا في العاصمة أنقرة بالدعوة إلى إلغاء الأسماء الفرنسية لعدد من شوارع العاصمة كشارع باريس وشارع ديجول· بالتزامن ألغيت صفقات أسلحة مهمة وتم تعميم بيان على القادة والجنرالات والضباط بمقاطعة الحفلات البروتوكولية التي تدعو لها السفارة الفرنسية بأنقرة وإلغاء زيارة لمسؤول عسكري فرنسي كان موعدها معد سلفا· وعلى مستوى الرمز وفي إطار الغضب قام بولنت إجاويد رئيس الوزراء آنذاك بإجراء ثأري معنوي بتخليه عن سيارته الخاصة الفرنسية الصنع والتي كان يستخدمها لسنوات طويلة مستعيضا عنها بسيارة أخرى· وحمد البعض في سره بأن الإجراء معنوي فلو حذا الناس حذوه لتراكمت مئات السيارات التي تحمل علامات فرنسية ومعها تغلق عشرات المصانع الفرنسية وليتشرد المئات من العمال !! وبالتوازي ظهرت دعوات طالبت بمقاطعة الثقافة الفرنسية وإغلاق المراكز والمعاهد مع توصية بإلغاء تعليم اللغة الفرنسية، والحق لم يخرج الأمر عن الدعوة بيد أن التنفيذ لم يحدث أبدا !! ففي شارع الاستقلال والذي يعتبر واحدا من أهم شوارع مدينة أسطنبول وفيه يقع المركز الثقافي الفرنسي· في البداية، بات المترددون في حيرة من أمرهم، يدخلون أو لا يدخلون، أنهم في النهاية مواطنون ولابد أن تمسهم القضية· ولكن ماذا عساهم يفعلون ؟؟ هل يتوقفون عن تعلم اللغة وماذا عن الذين أجادوها وصارت مورد رزقهم الوحيد؟ والباحثون الذين أصبحت اللغة الفرنسية محور نشاطهم العلمي هل مطلوب منهم البحث في فروع أخرى لا تكون لها علاقة بماضيهم العلمي الذي صار مغضوبا عليه ؟ من هنا بدأت علامات الاستفهام تظهر معلنة عن نفسها بوضوح ودون حساسية وجميعها تتمحور حول صيغة واحدة: هل يمكن مقاطعة الثقافة الفرنسية ؟ وصناع القرار، وفي استقبالاتهم الرسمية، كيف سيتعاملون مع الضيوف الذين يتحدثون الفرنسية ؟ وفي مجال الأغاني، وجد عشاق الروائي الشهير الراحل عزيز نسين، الذي عرف بإنتاجه الغزير في أدب السخرية الفرصة سانحة أمامهم لينقضوا في سخرية لاذعة متسائلين: ماذا ستفعل المطربة '' آجدا بكار '' ( بتعطيش حرف الـ ج ) والتي لديها إصرار عجيب على مقاومة الزمن !! فهذه المطربة حياتها كلها محصورة في كل ما هو فرنسي مفتونة بالأغاني الفرنسية تأخذ الألحان وتضع كلمات عليها وفي حفلاتها لابد وان تغني أغنية كاملة باللغة الفرنسية !! ولكن الأكثر إثارة ما حدث في يوم كانت أصوات المقاطعة فيه على أشدها· ويبدو أن القائمين على شبكات التليفزيون نسوا، أو تناسوا، أن يعيدوا النظر في بعض برامج ذلك اليوم ففي إحدى القنوات كان يعرض فيلما مأخوذا عن رائعة فيكتور هوجو ''أحدب نوتردام''· وفي أخرى كان يعرض لكلود ليلوش تحفته السينمائية رجل وامرأة للفرنسيين آنوك ايميه وجان لوي ترتيتيان· وفي ثالثة أنساب صوت الكندية الساحرة سيلين ديون في أغنية بكلمات فرنسية !! ولن تتوقف الإثارة عند هذا الحد ففي إحدى البرامج الجماهيرية دار حوار بالتليفون والمذيعة تستمع لمواطنة تطلب سماع أغنية ما، وفي النهاية تحي المذيعة المواطنة بخليط تركي فرنسي Merci Cok Merci ، وترد المواطنة بتحية أكبر (Ben Cok Cok Merci أنا متشكرة جدا جدا) على غرار Merci Beaucoup بالفرنسية · والحق والأنصاف تلك هي تحية أبناء الطبقات الراقية Upper Classes وتحية المتطلعين نحوهم في أسطنبول وأنقرة وأزمير والمعروفين في اللغة التركية باسم السوسيتيه Sosyete . فدائما وأبدا يقولون لك : شوك مرسي !!! وها هو ساركوزى ساكن اللاليزيه الجديد، يعيد رفض قبول أنقرة في الاتحاد الأوروبي، الساسة من جانبهم احتدوا، الميديا بجميع أنواعها لا تخفي حسرتها من المواقف الفرنسية غير الصديقة بل المعادية لكل ما هو تركي· ورغم ذلك يبقى هناك الجديد فلا أحد في الأناضول يطالب بالمقاطعة فهذا زمن يبدو أنه ولى ولن يعود، فالقنوات التليفزيونية التي تشرف عليها الحكومة، لا تكتفي بعرض منتخبات من السينما الفرنسية، بل بترك الأفلام بلغتها الأصلية دون دبلجه وكأنها تريد أن يستمتع ابن الأناضول بلغة فولتير، وبودلير العظيم· وفي نفس الوقت يحق للمواطنين الاحتجاج والغضب ، لكن عليهم ألا ينسوا : Cok Merci
المصدر: أسطنبول
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©