الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب شرق آسيا ··· وانحسار موجة التحول الديمقراطي

جنوب شرق آسيا ··· وانحسار موجة التحول الديمقراطي
22 يوليو 2007 02:25
حتى وقت قريب جداً، كان من الصعب على المرء أن يلحظ أي مظهر لمعارضة شعبية قوية للانقلاب العسكري الذي شهدته تايلاند منذ حوالي العام تقريباً، مع العلم أنه الأول من نوعه، على امتداد الخمس عشرة سنة الماضية· وقد نتج عنه فرض قوانين الطوارئ والقوانين العرفية على العاصمة بانكوك للمرة الأولى، خلال المدة المذكورة نفسها· وبذلك فقدت تايلاند أهم سمة مميزة لها في منطقة جنوب شرق آسيا· فبعد أن كانت هذه المنطقة بشقيها الجنوبي والشمالي، منارة للإصلاح والتحول الديمقراطي ذات يوم، إذا بها تستشعر الآن الخطر المحدق بها، إثر الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرالات في تايلاند· فما هي إلا أشهر معدودات أعقبت استيلاء العسكر على السلطة في بانكوك، حتى تحرك الجنرالات للانقضاض على السلطة في كل من بنجلاديش وفيجي· وفي غضون ذلك، اتخذت حكومات كل من ماليزيا وسنغافورة وسريلانكا وكمبوديا وباكستان، من الإجراءات والخطوات ما يعرقل مسار الإصلاح والتحول الديمقراطي الفعلي· والأسوأ من كل هذا بالنسبة لليبراليين الآسيويين، حصول الجنرالات والقوات العسكرية بشكل عام خلال الآونة الأخيرة، على دعم أولي من قبل الطبقة الوسطى الإقليمية، بعد أن ضاقت هذه الطبقة ذرعاً بممارسات الفساد وعجز القادة الديمقراطيين المنتخبين، فشرعت تتطلع إلى ما تصفه بـ''ديكتاتور مستنير'' عليه يضطلع بمهمة ''تنظيف'' سياسات بلادهم، التي دنستها أيادي الديمقراطيين الملوثة بالفساد· وضمن ذلك نذكر أن الشباب عبروا عن تأييدهم للانقلاب العسكري بإلقائهم باقات الزهور على الطابور العسكري للجنود المدججين بالسلاح والبنادق، أثناء مسيرتهم العسكرية التي استولوا بها على السلطة في بانكوك، صيف العام الماضي· أما في بنجلاديش، فقد أبدى عدد من كتاب الأعمدة والمحللين وصناع الرأي العام، ترحيبهم بالحملة التي تشنها القوات النظامية على ممارسات الفساد· وفي بانكوك نفسها، فقد كان من رأي المعلق الصحفي ''كافي شونجتافورن''، أن الانقلاب العسكري الذي شهدته بلاده، كان ''شراً لا بد منه'' على حد تعليقه للصحفيين، إثر وقوع الانقلاب مباشرة· وقبل خمس سنوات فحسب، كانت القارة الآسيوية دليلاً ناصعاً على صحة قناعة إدارة بوش بأن من شأن نشر الديمقراطية والترويج لها على النطاق العالمي، أن يؤدي إلى بروز مجتمعات حرة ومستقلة· ففي أعقاب الأزمة المالية التي شهدتها القارة بين الأعوام 1997-،1998 تمكن المتظاهرون في إندونيسيا من الإطاحة بنظام الجنرال سوهارتو، بينما تصاعدت احتجاجات شبيهة ضد الطابع الشمولي لحكومة مهاتير محمد· وسرت موجة التحول الليبرالي نفسها إلى كل من تيمور الشرقية وكمبوديا، اللتين خرجتا للتو من سنوات عدة من الحروب الأهلية، وانخرطتا في إجراء سلسلة من الانتخابات العامة· وبفضل تأثير تلك الموجة، تجرأت بورما نفسها على مغازلة التيار الإصلاحي، إثر إطلاق السلطات العسكرية، لقائدة المعارضة هناك، ''أونج سان سوكي''، من إقامتها الجبرية المنزلية· وبالقدر ذاته، فقد صاغت دول مثل تايلاند وبنجلاديش من التشريعات الدستورية، ما يكفل حق الرقابة على الجهاز التنفيذي، وضمان توازن الأداء الحكومي· وفي مدن مزدهرة ونابضة بالحياة مثل العاصمة بانكوك، حيث أسفر النمو الاقتصادي السريع، عن تطاول الأبراج الشاهقة التي تناطح السحاب، وانتشار المحال والأسواق التجارية الباهرة التي تخطف الأنظار، فقد بدت فكرة الانقلاب العسكري فيها، قديمة وبالية بلى تلك الهواتف العتيقة ذات القرص الدائري· غير أن تلك النصوص الدستورية التي استهدفت حفز الإصلاح السياسي في الأساس في الدول المذكورة، لم تجد كثيراً في خفض ممارسات الفساد، والحد من قوة نفوذ العائلات والشركات ذات السطوة الملحوظة على شؤون الحكم في الدول المعنية· وكما حدثني ''هاري روج''، المحامي الفلبيني المختص بقضايا حقوق الإنسان، فليس من أمر يمكن قضاؤه في بلاده، من دون أن يدفع المرء رشوة ما للمسؤولين· وبالنتيجة فلا شيء يتغير البتة· ولعل المشكلة الرئيسية التي تواجهها المنطقة، أنه وعلى رغم كثرة الحديث عن الديمقراطية والليبرالية والإصلاح السياسي، وعلى رغم إجراء الانتخابات العامة وسن التشريعات والقوانين الداعمة للديمقراطية، نجد أن ممارسة الكثير من القادة السياسيين الآسيويين تتناقض وتلك المبادئ النظرية، جملة وتفصيلاً في واقع الأمر· والسبب هو عجز هؤلاء القادة عن استيعاب المبدأ الرئيسي للنظام السياسي الحر، وترجمته إلى ممارسة عملية· وتتطلب هذه الترجمة أن يقر هؤلاء القادة بالهزيمة الانتخابية وأن يحترموها، مع البقاء مكانهم كمعارضين نزيهين للحكومة الشرعية المنتخبة ديمقراطياً· ولكن الذي يحدث هو عكس ذلك تماماً، إذ كثيراً ما يلجأ المنهزمون الآسيويون إما لتعبئة الشارع العام وإلهابه بالمظاهرات والاحتجاجات الشعبية، ضد حكومة لا تروقهم، أو أن يعمدوا إلى الانقلاب عليها عسكرياً، عبر استخدام نفوذهم السياسي على القوات النظامية· ففي العاصمة الفلبينية مانيلا، على سبيل المثال، كانت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، قد أطاحت بنظام الرئيس جوزيف استرادا في عام ،2001 لتنصب بدلاً منه نائبته جلوريا أرويو، رئيسة للبلاد· وما هي إلا ثلاث سنوات أخرى، وكادت المظاهرات الشعبية نفسها، أن تعصف بحكومتها· وكان هؤلاء المتظاهرون قد تمظهروا بمظهر قادة الحركات الديمقراطية العريقة في البلاد، مطلقين على أنفسهم لقب ''السلطة الشعبية ،''2 في مسعى منهم لاستدعاء تلك الاحتجاجات الشعبية التي أرغمت الدكتاتور فيردناند ماركوس على الاستقالة من منصبه في عام ·1986 لكن وحتى لا نخطئ التقدير والحساب، فالواقع أن الحركات والاحتجاجات الشعبية الأخيرة، إنما هي مدفوعة برغبة الهيمنة على السلطة وتركيزها بيد قوى سياسية معينة، بدلاً من كونها حركة ديمقراطية ترمي إلى إقرار حق الاقتراع الانتخابي الشرعي· وبالنتيجة، فإنه يمكن أن نخلص إجمالاً إلى أن انحسار المد الديمقراطي في القارة الآسيوية، قد صادف وقت شهدت فيه توازنات القوة العالمية، تحولات هائلة بسبب الحرب التي تشنها إدارة بوش على الإرهاب· وكما نرى، فإن الحرب على كل من أفغانستان والعراق، لم تحفزا موجة التحول الديمقراطي ونشر قيم الحرية على نطاق العالم بأسره، كما كان يتوقع لهما· وفوق ذلك، فإن علينا أن نضع في الاعتبار، نزعة الهيمنة الإقليمية الطاغية على القيادة الصينية في بكين· باحث زائر بمؤسسة كارنيجي الوقفية للسلام العالمي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©