السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صير بونعير··· هُولُو ويَامال وميراث من الشغف الأزرق

صير بونعير··· هُولُو ويَامال وميراث من الشغف الأزرق
22 يوليو 2007 04:36
كانوا بحارة يشرعون صدورهم السمراء لتلهو بعنف وهدأة الريح، لا يملون غزل الشباك للإيقاع بفضة الأسماك لتزيين موائد أحبابهم، هم أهل الإمارات الذين لم يُنسهم الذهب الأسود وتطاول أدغال الاسمنت الموصولة بشبكة عالقة بالفضاء، أن البحر كل حياتهم، ذلك الماء الساحر الذي ما زال يحلو له أن يتمدد مثل غطاء بارد في أمسيات الصيف، أو يتسلل إلى ذاكراتهم ولو عبر رسالة سرية مدسوسة في الرذاذ، أو شربة ماء تذكرهم بملوحته وعنفه وسحره وغوايته أيضا· مسارات خريطة المرجان في جزيرة ''صير بونعير'' لا يزال شباب الإمارات يقيمون كرنفال الإبحار الذي يوقد في صدورهم هواء تنفسه الآباء والأجداد، في امتداد بحري عميق اتصل بلا انقطاع بمسار الرحلة في خريطة المرجان التي حفظوها عن ظهر قلب· كانوا رجالا ينظرون للأمواج نظرة خاطفة فيعرفون مكامن الدرّ والأصداف الثملة ببريق اللؤلؤ، تماما مثل صقور برِّيتهم التي تذهب لمحطاتها التالية دون دليل وهي تحلق على ارتفاع شاهق يتسامى كخمسين جبل· هم سكان هذا المزيج المثير من الماء والرمل، يلحق بهم شغف أبنائهم الذين يذهبون اليوم في زيارات مفاجئة لجزرهم وسواحلهم كي لا ينهار جبل الذكرى على خيمة البيت، يعبرون الخضم بمركب عصري يختلف عن لون سفن أجدادهم في بهاء الهيئة، يسمونه رخاء اليخت في نزهة تختصر الوقت ليومين، لهما في وقع نفوسهم وقع الحركة المركزة، لتذكرهم برحلة غوصٍ كانت تستغرق ثلاثة أشهر في بلّور الخليج وزرقة السماء العتيقة· وعندما يصلون كان المكان يقترح بهجته وسحره وعطره وألعابه الصغيرة أيضا· نشيد الهُولُو واليَامال يذهبون لمهرجان ''القُفّاَلْ'' ولا يستذكرونه أو يحاكونه فحسب، ومن هناك، من أقصى الزرقة الصافية، سيعودون بدرس يتصل دوما بواقعٍ أسطوريّ كلما حان الحديث مع أجدادهم وآبائهم وأرواحهم عن جيرة البحر، ذلك الساحر الهادئ الذي طالما اعتقدوا أنهم امتلكوه وروضوا وحشيته وتناقضاته، فيما يملكهم هو بقسوته ولطفه الناعم الذي يدسّهُ في وَقَار اللؤلؤة تلك الجوهرة البيضاء التي قيل أنها تعادل رسم حرف الهاء المربوطة في كلمة ''آه'' والحزن الباذخ في نشيد ''الهُولُو واليَامال''، وقيل إنها دموع البحر الصافية التي ذرفها حزنا على غدره بأحبابه الذين أمنوا جانبه وصادقوه أكثر من أبنائهم ونسائهم، وقيل إنها هداياه النفيسة، أيضا لإغراء ضحايا جدد من بحّارةٍ أشدّاء يأتونه طوعا كلما دخل الطرفان في هدنةٍ مؤقتة، ونسيا آلام الماضي لينخرطا في لعبة المدّ والجزر من جديد، ولكن أحد الهائمين بسحر البحر ذهب به جموح الخيال أكثر قليلا، فقال إن اللؤلؤة قطرة مطر سقطت عن قصد في موسم عطش المحار في غمار البحار فتحوَّلت إلى جنين ساحر، وبعضهم اعتقد أنه اقترب من ينابيع المنطق عندما قال إن حبّة رمل دخلت بدافع الفضول لترى الدنيا بعيون محارة في مخمل الأعماق، ولمَّا كانت المحّارة ملكةً لا تملكُ يدين تدفع بهما الدخيل الغريب؛ انخرطت في بكائها الأسطوري بدموعٍ حريريةٍ غَلَّفَت بها الوحش الصغير يوماً بعد يوم كي تَنْعَمَ بنعومةٍ لم يختبر طعمها أحدٌ من قبل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©