الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب على انبعاثات الفحم!

27 فبراير 2017 22:45
لقد نشأتُ في منطقة اسمها مستمد من الفحم وهي «مقاطعة كربون» بولاية بنسلفانيا التي اكتُشف فيها فحم الإنثراسيت الغني بالطاقة في نهاية العقد الأول من القرن الثامن عشر. وفي بداية العقد الأول من القرن العشرين وظفت منطقة شرق بنسلفانيا أكثر من 180 ألف عامل مناجم. وبحلول العقد الثامن من القرن العشرين حين تركتُ «مقاطعة كربون» للالتحاق بالجامعة لم يتبق من هؤلاء إلا ألفا عامل فقط. وعلى مدار عقود ارتبطت عائلتي بمسار الصناعة. وجدي لأمي وجدي لأبي عملا في مناجم فحم «الإنثراسيت». وقد توفي والد والدي بمرض سحار عمال مناجم الفحم أو الرئة السوداء قبل أن أولد. ووالد والدتي عاش حتى فُصل من عمله وعلم نفسه كيفية إصلاح أجهزة التلفزيون والراديو قبل أن يحصل أخيراً على وظيفة أخرى. وكان غالباً ما ينام في كرسي لأنه كان يجد صعوبة في التنفس إذا نام في سرير، لأنه كان مصاباً أيضاً بمرض الرئة السوداء. وقد واجهنا تحديات اقتصادية ولكن وظيفة والدي كضابط شرطة في الولاية حققت لنا استقراراً كبيراً. إلا أن معاناة جيراننا أثرت فيّ بشدة. إنني أعرف القلق العميق المتولد من سنوات شاهد فيها السكان مدنهم وقد قل عدد سكانها وتبخرت فرص العمل فيها. لقد كنت من الأشخاص الذين غادروا المكان كي أتابع شغفي بالعلم. وحالفني الحظ، وأصبحت أول امرأة ترأس قسماً علمياً في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وأول امرأة تتولى مهاما فضائية في إدارة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا». إنني أعلم معاناة الناس الذين يرتبط مصيرهم بسعر طن الفحم، باعتباري ابنة منطقة لإنتاج الفحم. ولكن كعالمة، أعرف أنه لا يمكننا التنصل من قوانين الفيزياء، فحين يحترق الفحم فإن ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث منه هو أكثر مما ينبعث من أي وقود أحفوري آخر. وإذا واصلنا ضخ هذا الغاز في الغلاف الجوي، فستواصل درجة حرارة الأرض ارتفاعها، مما يفرض مخاطر مدمرة على الأجيال الحالية والمستقبلية. ولا مفر من هذه الحقائق تماماً كما أنه لا مفر من الانصياع لتأثير الجاذبية إذا فقدت توازنك عند حافة جبل! والسعي للحصول على طاقة نظيفة لا مفر منه أيضاً. وفي المدى الطويل، سيخلق الانتقال فرص عمل أكثر مما يدمر. ولكن هذا لا يطمئن الأسر التي انهارت مصادر أرزاقها ومجتمعاتها مع انهيار الطلب على الفحم. إننا مدينون بقوة اقتصادنا الحديث لأشخاص مثل أجدادي ممن قاموا بنوع خطير وصعب من العمل. ومن حسن الحظ أن هناك وسائل يمكننا بها إعلان الحرب الآن على انبعاثات الكربون دون إعلان الحرب على التجمعات السكانية المعتمدة على إنتاج الفحم. ويلزم هنا، أولًا: يجب تطوير تكنولوجيا استخلاص الكربون من محطات توليد الطاقة قبل وصوله إلى الغلاف الجوي وتخزينه تحت الأرض. وعملياً، يجب أن يصحب التقدم في كفاءة استخلاص الكربون تقلص كبير في تكلفة تطبيق التكنولوجيا وفهم التأثيرات البيئية للتخزين. وليست هناك مشكلات عصية على الحل بفضل الابتكارات العلمية والتكنولوجية التي تستطيع الآن أن تغير مجريات المباراة. ثانياً: يجب العثور على استخدامات أخرى للفحم غير الاحتراق وإنتاج الصلب. ففي عام 2015 استُخدم 91% من الفحم في إنتاج الكهرباء. ولكن باحثين يستكشفون إمكانيات استخدام الفحم على نطاق أوسع كمادة لإنتاج ألياف الكربون والبطاريات والإلكترونيات، بل ولوحات توليد الطاقة الشمسية. وهذه المجالات واعدة، ولكن حتى لو أصبح استخلاص الكربون أكثر عملية واستطعنا توسيع استخدامات للفحم، فلن تعود صناعة الفحم إلى سابق مجدها أبداً. وعلى المستوى العالمي، تتقلص حصة سوق الفحم بسبب حزمة من العوامل منها رخص الغاز الطبيعي والتكلفة التي تتقلص سريعاً لطاقة الشمس والرياح. ولهذا يتعين علينا أيضاً أن نلتزم بمساعدة العمال والشرائح السكانية التي تتضرر حين تقلص مناجم الفحم والمحطات التي تعمل فيها، أو تغلق نشاطها. وقد اقترح بعض صناع القرار السياسي وباحثون ونشطاء مجموعة من الحلول على مستوى الولايات، وعلى المستوى الاتحادي، لدعم التنمية الاقتصادية ومساعدة عمال إنتاج الفحم على الانتقال إلى وظائف في صناعات أخرى، والحفاظ على الإعانات الاجتماعية لعمال الفحم المتقاعدين. وتحظى قضية مساعدة مناطق إنتاج الفحم بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ولكن نجاح مثل هذه الاستراتيجيات، قد يتطلب بطلاً مثل الرئيس دونالد ترامب، الذي يحظى بدعم واسع في مناطق إنتاج الفحم، ويمكنه أن يهدئ مخاوف مناطق إنتاج الفحم. وفي نهاية المطاف، سينتهي، ويتعين أن ينتهي حرق الفحم ومصادر الوقود الأحفوري الأخرى للحصول على الطاقة. ولكن الأمر يتعلق بحكمتنا في إنهاء هذا بطريقة منظمة تعالج أضرار تجمعات إنتاج الفحم، وبسرعة، بما يكفي لمنع أسوأ التأثيرات لتغير المناخ. وقراراتنا بهذا الصدد ترسم مستقبلنا جميعاً وليس مستقبل مناطق إنتاج الفحم فقط. * نائبة رئيس أبحاث معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ورئيسة «مجلس العلم القومي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©