السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوبا والحظر الأميركي

28 مارس 2016 23:48
أدركت المكان للوهلة الأولى، بأسقفه العالية، ونوافذه العملاقة التي يتدفق منها الضوء الطبيعي، وأرضياته الرخام، ونباتاته المخضرة، وعرفت منذ البداية أنه متحف الثورة. ومما شهدته على التلفاز الأسبوع الماضي أثناء بث زيارة الرئيس أوباما، لم يكد يتغير منزل الشقيقان «كاسترو» خلال الأعوام الـ 14 الماضية منذ أن كنت هناك بصفتي كاتباً صحافياً، في إطار وفد مصغر رافق السيناتور «أرلين سبيكتر». وكانت رحلة 2002 الثانية لـ «سبيكتر»، الذي كان التقى «فيدل كاسترو» في 1999 أثناء بحث حول مذكراته «الشغف للحقيقة». وأراد السيناتور، مهندس «نظرية الرصاصة الواحدة» حول سر الطلق الناري الذي استقر في حنجرة «جون كيندي»، معرفة وجهة نظر الديكتاتور الكوبي، الذي يعتقد كثيرون أنه لعب دوراً في اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق. ومثلما ذكرت في صحيفة «ديلي نيوز»، أخبرني «فيدل»: «إن الولايات المتحدة حولتني إلى شيطان، ولكن الناس يرغبون في التحدث إلى الشيطان». وعلى مدار سبع ساعات، كان «فيدل» يرغب في خوض كافة الموضوعات، وعندما اكتظت الرحلة بحوار موضوعي، لم يخلُ الوقت الذين قضيناه في هافانا من التناقضات والمفاجآت. وفي البداية، كانت في ردهة فندق «جولدن تيوليب» الذي نزلنا فيه شجرة عيد الميلاد، وقدم «الكوكا» وعرض قناة «سي إن إن» على التلفاز. ولم يكن ذلك بمخيلتنا عن الشيوعية. بيد أن قبضة الدولة القوية بدت أكثر وضوحاً عندما سلمني مضيفونا الكوبيون، الذين صوروا المناقشات كاملة بالفيديو، شريطاً شبه فارغ. وسافرنا إلى هافانا، من دون موعد مؤكد للقاء «فيدل»، وجاءت تلك الدعوة تحمل تفاصيل قليلة. وفي الساعة المحددة، وصلت سيارة أقلتنا إلى مكتب «كاسترو» ومنزله. وبعد المرور عبر جهاز فحص المعادن، حيانا «فيدل» ومن معه. وكان يرتدي زيه العسكري، ومهذبا لحيته التي تميزه، ولكنه كان أكثر تأنقاً مما توقعت. واستعان بمترجم لكنه بدا مساعداً أكثر منه لغوياً. وتجمعنا حول مائدة مؤتمرات لإجراء المحادثات الرسمية، وكان الحديث ودياً لكن محدداً. واستخدم «سبيكتر» بعض الأسئلة الاستجوابية، التي تعلمها كمدعٍ عام في مقاطعة أميركية، ومثلما أظهر بعد ذلك كرئيس للجنة القضائية في مجلس الشيوخ، لكن «فيدل» كان خصماً جديراً بالتقدير. وسأل «سبيكتر»: «كم تبقى من الوقت على الانتخابات المقبلة لديكم؟ أعني أمام مرشح آخر؟». فأجاب «فيدل» على استحياء: «عن أي نوع من الانتخابات تتحدث؟». فأجاب «سبيكتر» بأنه ذلك النوع الذي خاضه كمدعٍ عام في المقاطعة، حيث يبدأ المرشحون حملات انتخابية، ويكون للمواطنين حرية الاختيار، وأخبر «سبيكتر» «فيدل»: «ذلك النوع الذي ينبغي أن تترشح له». ورد «فيدل»: «تعني الانتخابات التي خضتها في فلوريدا»، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية عام 2000. وخلال الأسبوع الماضي، عزف أوباما، الذي وقف إلى جانب شقيق «فيدل» الأصغر «راؤول»، على الوتر ذاته الذي عزف عليه «سبيكتر» من قبل، قائلاً: «إن الولايات المتحدة تؤمن بالديمقراطية، ونعتقد أن حرية التعبير والتجمهر والأديان ليست فقط قيماً أميركية وإنما قيم عالمية». ولا تزال حقوق الإنسان نقطة خلاف بين أميركا وكوبا، وقبل 14 عاماً، كان «فيدل» منزعجاً من لقاء «سبيكتر» بمنشقين قبل أن يلتقيه. وعندما واجه «سبيكتر» «فيدل» بالموضوع، أجابه قائلاً: «ما هو تعريفك لحقوق الإنسان؟ هل هناك دليل على وجود تعذيب في كوبا؟ ليست لدينا أموالاً كثيرة، ولكن سنعطيكم كل ما نملك إذا أثبتم لنا أن هناك شخصاً تعرض للتعذيب هنا خلال الـ 43 عاماً الماضية. ولا يوجد أشخاص مفقودون في كوبا». وخلال الأسبوع الماضي، استخدم «راؤول» رؤوس الأقلام ذاتها! وعندما سأله «جيم أكوستا» من «سي إن إن» عن السجناء السياسيين، أجاب «راؤول» قائلاً: «حسناً، أعطني قائمة بالسجناء السياسيين، وسأطلق سراحهم مباشرة.. فقط أعطني قائمة بأسمائهم». وأضاف: «أي سجناء سياسيين؟»، أخبرني عن اسم أو أسماء، أو متى تم سجنهم، بعد انتهاء هذا الاجتماع، وإذا كان لدينا هؤلاء السجناء، فسيتم الإفراج عنهم الليلة. وعندما طلب مني «سبيكتر» أن أوجه أسئلتي إلى «كاسترو»، بعد أربعة أشهر على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، طلبت منه أن يدين أسامة بن لادن، ولكنه اعترض قائلاً: «إنه لم يكن متيقناً من المسؤول عن الهجوم». والأسبوع الماضي، طمأن أوباما الشعب الكوبي بأن الحظر سينتهي، لكنه أشار إلى أنه نظراً لأن الكونجرس هو من فرضه، فإنه سيستغل سلطاته التنفيذية. وقال الرئيس الأميركي: «ما فعلناه طوال نصف القرن الماضي لم يخدم مصالحنا أو مصالح الشعب الكوبي». وقد كتبت شيئاً مماثلاً في عام 2002 في صحيفة «ديلي نيوز»: «رغم مرور أكثر من أربع عقود على تلك الجهود، فشل الحظر فشلا ذريعاً في إقصاء فيدل كاسترو». وعلى النقيض، لم ينجح الحظر سوى في منح القادة الكوبيين مبرراً لإضعاف الاقتصاد، وربما نوشك في النهاية على مشاهدة كيف سيبلي الشقيقان «كاسترو» من دون هذه الحجة! *كاتب أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©