نينا ريتشي·· إلهامٌ مغمسٌ بالعطر والجنون

في وصفةٍ سريعة للنجاح، قال يوهان بارك في أحد كتبه، ''يمشي النجاح على طرفي الموهبة والمثابرة''، هكذا بكل بساطة·· لكن قِصرَ هذه المعادلة لا يعني أن النجاح بالمتناول أبداً، إذ أن الساحة مليئة بالموهوبين والمثابرين أيضاً، مما يعني أنه يستلزم عوامل أخرى للتميز مثل الإخلاص أو التجريب·· أو الجنون أحياناً!· الأزياء، التصميم، الموضة والتجميل، هذه المجالات وشبيهاتها تعد أرضاً خصبةً للإبداع، ولكنها زلقة جداً فيما يتعلق بالعائد المادي!· المئات من الأسماء والشركات المختصة، تظهر فجأة في كل مكان ونسمع باسمها بشكلٍ مجاني ودون مناسبة، ثم·· تختفي تماماً في غضون شهر!· ولعل اسم شركة ريتشي كان نصب عين تلك الشركات حينما استثمرت أموالها في التجميل·· هنيئاً لهم الفكرة ولكن لعلهم نسوا أن يقرأوا جيداً من يقف وراء هذا النجاح، ذلك الكائن المدهش والمسمى نينا ريتشي · ''فلنحاول أن ندعم ذلك الجمال المختبئ خلف كل هذا القبح الظاهر في العالم''· تقدم هذه العبارة التي قالتها نينا ريتشي شخصيتها على أكمل وجه وتساعدنا في رسم ملامحها· بذائقة فنية عالية، قادتها إلى مجال تصميم والابتكار، ولدت السيدة نينا ريتشي في يناير عام ،1883 وبدأت رحلة تحقيق حلمها بموهبتها والمثابرة والإصرارٍ المجنون، وبمشاركة ابنها روبرت الذي أورثته كل حبها للجمال والعطور، وأنشأته على التعلق بكل ما هو جميل· أسست شركة ''نينا رتشي'' عام ،1932 في مبنى صغير بباريس لم يلبث أن أصبح بعد سنوات قليلة مكوناً من أحد عشر طابقاً يعمل فيه أكثر من 450 موظفاً· وبفراسةٍ فائقة كانت السيدة نينا موقنة من نجاحها فكرست كل وقتها وجهدها تماماً لمشروعها، بل وثقافتها أيضاً· كانت تستطيع تمييز شخصيات عميلاتها وإبرازها من خلال تصميمات مبتكرة، جعلت لها بصمتها الواضحة والفريدة، فقد سعت لإبراز أنوثة السيدات من خلال تصميماتها الناعمة، مخالفة صرعات الموضة في ذلك الوقت والتي كانت تميل إلى محاكاة ملابس الرجل بعد مرور العالم بحروب طاحنة غيرت مزاج الجمال نحو عالم ذكوري فجّ آنذاك· في الثلاثين من نوفمبر لعام ،1970 توفيت السيدة نينا ريتشي عن عمرٍ يناهز السابعة والثمانين عاماً، متكئة على نبوءة نجاحها والجينات الوراثية التي أورثتها ابنها روبرت في إكمال مسيرتها النبيلة والجميلة، والذي واصل بالفعل المسيرة الناجحة ليترك الدار عند وفاته ـ منذ سنوات قليلة ـ على قمة دور أزياء العالم· ''العطر يجب أن يكون ضرباً من الفن'' جملة لروبرت ريتشي الملهم ولكن العطر ضرباً من العرفان والذكرى أيضاً!، فقد ابتكر روبرت عطراً أسماه "nina" عرفاناً وإحياءً لذكرى والدته، ليحدث هزةً في الأوساط الجمالية في العالم ويغير ذهنية التعاطي مع زجاجة العطر حتى يومنا هذا· بثقةٍ عميقة، وبأسلوب عمل فيه كثير من التكافل الاجتماعي والنبل الإخلاقي كانت السيدة نينا تعلم ما سيقدر لدارها من نجاح باهر، وإن لم تشهد اكتماله في حياتها، وهذا ما حدث فعلاً· هل سننصف السيدة ''نينا ريتشي'' إن وسمناها بالناجحة فقط···أعتقد أنها أكثر من ذلك بكثير·