الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

النظام متعدد الأطراف في اتفاقيات التجارة الخيار الأفضل للاقتصادات الصغيرة

النظام متعدد الأطراف في اتفاقيات التجارة الخيار الأفضل للاقتصادات الصغيرة
2 يناير 2009 02:12
أخذت الاتفاقيات الثنائية لتحرير التجارة البينية تزداد انتشاراً على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة، لاسيما في ظل الركود المخيم على جولة الدوحة لمحادثات التجارة العالمية متعددة الأطراف، منذ يوليو ·2006 وأشارت دراسة صادرة حديثا عن مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان ''اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية في منطقة آسيا- المحيط الهادئ: إشكالياتها ونتائجها'' للمؤلف هريبرت ديتر وترجمة عدنان عباس علي إلى أن عددا من الدول العربية وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية، مصر والأردن والمغرب، كما سلكت دول خليجية الاتجاه نفسه، فأبرمت كل من مملكة البحرين وسلطنة عمان اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ودخلت دولة الإمارات العربية المتحدة في مفاوضات مع الولايات المتحدة في هذا السبيل، إلا أنها ما تزال تواجه عقبات تحول دون توصل الطرفين إلى اتفاقية· وأكد ديتر على أهمية التعرف إلى مناحي النفع والقصور الكامنة في الاتفاقيات الثنائية، وتسليط الضوء على المضار التي تنجم عنها، ولاسيما للدول ذات القوة التفاوضية الأكثر ضعفاً والاقتصادات الأصغر حجماً· وأوضح أن هذه الدراسة تثبت، من خلال المناقشة العملية والتفصيلية للاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الولايات المتحدة وعدد من دول آسيا- المحيط الهادئ (أستراليا وسنغافورة وتايلند)، أن النظام المتعدد الأطراف المعمول به ضمن منظمة التجارة العالمية (WTO)، يشكل الخيار الأفضل للدول ذات القوة التفاوضية الأضعف والاقتصادات الأصغر· وخلصت الدراسة إلى أن التنامي المتزايد في إبرام الاتفاقيات الثنائية يسهم في تقويض أركان النظام المتعدد الأطراف، وأن النظام المتعدد الأطراف يظل - رغم كل ما فيه من عيوب ومناحي قصور - الحل الأفضل بالنسبة إلى مشكلة الضوابط المُنظِّمة للتجارة الدولية· وارجع تناول الدراسة لاتفاقيات التجارة الحرة الثنائية في إقليم آسيا- المحيط الهادئ إلى أن هذا الإقليم شهد تحولاً ملموساً في السياسات التجارية في نهاية القرن العشرين، فقد اتجه أغلب بلدان الإقليم صوب الترتيبات التجارية الثنائية· ومع أن مناطق أخرى من العالم قد اتجهت صوب عقد الاتفاقيات الثنائية، إلا أن منطقة آسيا- المحيط الهادئ فاقت كل مناطق العالم، من حيث الإعلاء من شأن الاتفاقيات الثنائية· التحول في الاستراتيجيات وأكد ديتر أن الأزمة التي عصفت بأسواق المال الآسيوية، عامي 1997 و،1998 كانت بالنسبة إلى إقليم آسيا- المحيط الهادئ نقطة تحول· فمنذ ذلك الحين طرأ تغير بيِّن على الاستراتيجيات المنتهجة لتنظيم العلاقات الاقتصادية الخارجية؛ أي على وجه التحديد، تنظيم العلاقات الخارجية في مجال التجارة بالسلع وفي القطاع المالي أيضاً· فقبل عام ،1997 كان التركيز منصباً على المنظمات الدولية، أي صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، أما في الوقت الراهن، فإن المرء يرصد مسارين أولهما الترتيبات الإقليمية في القطاع المالي، وإبرام الاتفاقيات الثنائية في المجال التجاري· إلا أن التغير في المجال التجاري أكثر وضوحاً من التغير في القطاع المالي، حيث ما يزال التغير هنا ضعيفاً نسبياً، فالاتفاقيات التجارية الثنائية يزداد عددها بنحو سريع جداً في شرق آسيا، فالصين، على سبيل المثال، أبرمت - أو هي تتفاوض لإبرام - اتفاقيات لتحرير التجارة مع 25 بلداً، علماً بأنه لم يكن لديها أي اتفاقية من هذا القبيل قبل ثلاث سنوات، بحسب الدراسة· وأشار ديتر الى أن التكامل الإقليمي التقليدي، أي إقامة مناطق التجارة الحرة والاتحادات الجمركية التي يشارك فيها أكثر من دولتين، يتراجع بنحو بيِّن· ففي دول منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا- المحيط الهــــــــادئ، المعـــــــروف اختصــــــاراً بـ ''أبيك''، على وجه الخصوص، لم يعد هناك ذلك النشاط الذي كان معهوداً في الحقبة المبكرة من تسعينيات القرن العشرين، وينطبق الأمر ذاته على منطقة رابطة دول جنوب شرقي آسيا، المعروفة اختصاراً بـ''آسيان''· ففي الوقت الراهن لم يعد هنا أيضاً، ذلك النشاط الذي عرفته المنطقة قبل اندلاع الأزمة في أسواق المال الآسيوية· كما تنجم عن الموجة السائدة حالياً في مجال إبرام اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية، وغير ذلك من اتفاقيات تجارية تفضيلية، نتائج لا يستهان بها بالنسبة إلى منظمة التجارة العالمية، ففي عام ،2005 كان حجم التجارة المحقَّق في إطار الاتفاقيات التفضيلية قد فاق أول مرة، حجم التجارة المحقق في إطار شرط الدولة الأوْلى بالرعاية، أي في إطار المادة الأولى من الاتفاقية العامة للتعرفات والتجارة الجات · وذكر أنه في الوقت الراهن، توجد أكثر من 300 اتفاقية لتحرير التجارة الخارجية وبضعة اتحادات جمركية، إما نافذة المفعول فعلاً أو هي في طور المفاوضات· وطوال بضع سنين مضت، لم يكن لمنطقة آسيا- المحيط الهادئ أي دور يذكر في هذا المجال، فبلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية كانت تعد من المؤيدين المتشددين للنظام المتعدد الأطراف، بيد أن الحال تغيرت بنحو جذري، فما دامت هناك دوافع مختلفة تحتم إبرام الاتفاقيات الثنائية، ومادام بعض البلدان ترى في هذه الاتفاقيات وسيلة جيدة لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية في الإقليم، لذا لا يريد أي بلد في إقليم آسيا- المحيط الهادئ التخلي عن متابعة الركب ومسايرة التوجه العام السائد حالياً· وأكد أنه كلما كان عدد البلدان الموقعة على اتفاقيات ثنائية أكبر، كانت المنافع أقل· وبهذا المعنى فإن الرواد يحصلون على منافع ما لم تقتفِ خطاهم دولٌ أخرى وتُبرم اتفاقيات ثنائية مشابهة· وبهذا المعنى، ستظل الاتفاقيات الثنائية الخاصة بتحرير التجارة في تزايد مطرد، وستتضاءل منافعها بتزايد عددها· وأشار الى ان عدداً من الباحثين والاقتصاديين أكدوا أن الاتفاقيات الثنائية تنطوي على عدد من المحاسن· فأولاً، تسرّع اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية عملية التحرير المتعددة الأطراف، لأنها تمنح الدول إمكانية العثور على شركاء تتسق أوضاعهم وأوضاع البلد المعني اتساقاً يجعل من المستطاع الاتفاق معهم على تحرير التجارة تحريراً شاملاً وسريعاً· وقال ديتر: بحسب وجهة نظر هؤلاء، يؤدي النجاح في عملية تحرير التجارة إلى حفز الجهود لتحرير التجارة على مستوى متعدد الأطراف· وثانياً، يمكن أن تمثل اتفاقية التجارة الحرة الثنائية، في الجهود السياسية الداخلية، الحجة التي يحتج بها المرء لتمرير عمليات الإصلاح، فالمقاومة الداخلية التي تواجهها عمليات الإصلاح ستكون أقل صلابة حينما يتم إظهار الضغط الخارجي الذي يمارسه شريك في اتفاقية بينية لتحرير التجارة، بمظهر ضغط لابد من الرضوخ له والوفاء بما تم الاتفاق عليه· وثالثاً، لأن من مسلمات الأمور أن تسهيلات الدخول إلى الأسواق تجعل المشروعات في وضع تنافسي أفضل· واضاف أن هذه المحاسن المزعومة لا وجود ولو لأي منها على أرض الواقع، فالقول إن اتفاقيات التجارة الحرة تنطوي على قوة قادرة على دفع منظمة التجارة العالمية إلى أن تتطور نحو الأمام، زعم لا يؤيده الواقع، ولم يتضح للعيان حتى هذه اللحظة· وقال إن الأمر الأكثر صواباً هو أن جولة الدوحة باءت بالإخفاق، بسبب عدم اتخاذ الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية موقفاً حازماً، فأنَّى للدول أن تتخذ الموقف الحازم لإنجاح جولة الدوحة وخيار الاتفاقيات الثنائية موجود أمام ناظريها· وبين من خلال الدراسة أن اتخاذ الترتيبات الثنائية حجةً لتمرير عمليات إصلاح لا يوافق عليها المجتمع القائم على أسس النظام الديمقراطي، أمر ينطوي على استراتيجية محفوفة بمختلف المخاطر· أما التسويغ الثالث، فإن في وسع المرء أن يعترض عليه بيسر، فالاتفاقيات التفضيلية تجيز الدخول إلى الأسواق بنحو محدود دائماً وأبداً· ومن هنا، فإن الترتيبات الإقليمية أو العالمية الرامية إلى تسهيل الدخول إلى الأسواق الأجنبية أفضل من الترتيبات الثنائية حقاً· وأوضح ديتر أن تصاعد الاتجاه في منطقة آسيا- المحيط الهادئ صوب إبرام اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة، لا يمكن المرء أن يحيط بمغزاه، ولاسيما عندما يأخذ النتائج الاقتصادية التي تنجم عن هذه الاتفاقيات في النظر، ففي أغلب الحالات لا تحرر هذه الاتفاقيات التفضيلية التجارة البينية، بنحو شامل، أضف إلى هذا أنها تتطلب من المنتجين بذل جهود بيروقراطية كبيرة، وتقوض أركان النظام التجاري المتعدد الأطراف· ولكن - رغم كل مناحي القصور هذه - يلاحظ أن مجموعة من الدول تسير في هذا الاتجاه· وأكد أن الحالات التي تم تناولها في هذه الدراسة تقدم مجموعة من الأسباب، فبالنسبة إلى الدوافع التي كانت تقف خلف إبرام الاتفاقية الأسترالية- الأميركية للتجارة الحرة عام ،2004 فإن الأمر البيِّن هو أن الحكومة الأسترالية كانت تمنّي نفسها في أن تكون هذه الاتفاقية وسيلة لتقوية الروابط بالولايات المتحدة، وأن تساعدها هذه الروابط الوثيقة - بحسب مزاعمها - على الفوز في انتخابات عام ·2004 وحاولت القيادة السياسية في سنغافورة، وهي قيادة مغرمة بمسايرة المستجدات العصرية، أن تجعل البلد يتميز عن بلدان المنطقة الأخرى، من حيث إنها كانت أول اقتصاد في الإقليم يفلح في إبرام اتفاقية ثنائية· وكان أصحاب الشأن قد تجاهلوا هنا الأحكام العامة التي تتماشى ونظام التجارة الحرة· ومع أن تايلند حذت حذو الاتجاه العام، إلا أنها أحجمت في اتفاقيتها الثنائية مع اليابان عن منح ترتيبات تفضيلية كثيرة· ويشير أغلب الدلائل إلى أن تايلند لن توافق على تحرير القطاع المالي في المفاوضات التي تجريها حالياً مع الولايات المتحدة، بحسب الدراسة· وأكد ديتر أن اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية يمكن أن تفرز نتائج سلبية على القوة التنافسية التي تتمتع بها المشروعات في إقليم معين، فالمشروعات مجبرة على تخصيص موارد لا يستهان بها لتوثيق المنشأ، ولابد هنا من تأكيد أن هذا التوثيق قد ينشأ عنه ما يسمى أثر تحول التجارة في تخفيض الرفاهية في مجمل منطقة آسيا- المحيط الهادئ، بسبب عدم السماح بتراكم المحتوى الإقليمي في السلع المصدَّرة· وبينت الدراسة أن الأعباء البيروقراطية المرتبطة بتقديم المستندات التفصيلية الخاصة بالمنشأ تسبب للمنتجين تكاليف إضافية، والتركيز على هذه الاتفاقيات التفضيلية الثنائية عموماً، يعوق المشروعات من التوسع في خلق روابط إقليمية في مجال الإنتاج، ومن احتفاظها بقدرتها على المنافسة في السوق العالمية· وذكر ان الدراسة ركزت على البحث في النتائج الاقتصادية الناجمة عن الاتفاقيات التفضيلية الثنائية، ولأنها لم تتوصل إلى دوافع معقولة لإبرام هذه الاتفاقيات كان لابد لنا من التساؤل عن الأسباب التي تشجع دولاً كثيرة على المضي قدماً في هذا الدرب· وقد تكون المسائل الخاصة بالأمن القومي هي التي شجعت على إبرام هذه الاتفاقية أو تلك (الاتفاقية الأسترالية- الأميركية على سبيل المثال)، إلا أن هذه المسائل لا تلعب أي دور في الاتفاقيات الأخرى (اتفاقية كوريا الجنوبية- المكسيك على سبيل المثال لا الحصر)، بحسب الدراسة· وخلص ديتر إلى أن الحالات العامة لا تشير إلى وجود علاقة متينة بين التحالفات الناشئة عن متطلبات الأمن القومي، والاتفاقيات التفضيلية الثنائية· كما يكمن الدافع الجوهري في فزع الحكومات من أن تُقصى بلدانها من الدخول إلى أسواق معينة، فضمان الدخول إلى الأسواق المختلفة عامل يُفسر، جزئياً على أدنى تقدير، التوجهات الراهنة صوب إبرام الاتفاقيات الثنائية· وربما يتأتى الفزع المخيم على الحكومات من اعتقادها بأن الاقتصاد العالمي يشهد حالياً حالات من اختلال التوازن لا يمكن احتمالها في الأمد الطويل، ولابد من علاجها إن عاجلاً أو آجلاً، وفقاً للدراسة·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©