الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل يتحول الكفاح الفلسطيني إلى منهج غاندي؟!

هل يتحول الكفاح الفلسطيني إلى منهج غاندي؟!
24 يوليو 2007 05:15
تظل عناصر (كتائب شهداء الأقصى) وجميع المنظمات العسكرية، في الضفة الغربية -وهم الذين تنعتهم إسرائيل بالمطاردين- أكثر الناس تعرضاً للهجمات الإسرائيلية التي لا تكاد تنقطع عن مدن وقرى ومخيمات الأرض المحتلة لملاحقة هؤلاء، الذين صنفوا على أنهم إرهابيون، في محاولة لتصفيتهم أو اعتقالهم والزج بهم في غياهب السجون· كل يوم تقريباً يسقط منهم شهداء، وتهدم بنايات كبيرة لاذ أحدهم بها ورفض الاستسلام للجيش الإسرائيلي الذي يلاحقه، مما يؤدي إلى أضرار كبيرة تلحق بالسكان، وحين تقدم عناصر (كتائب شهداء الأقصى) أرواحهم، أو يقبض عليهم، ويحكمون بالسجن فترات طويلة أقلها المؤبد، فإن الآلاف من الأسر الفلسطينية يتم تشريدها، حيث يفقد بعض الأطفال آباءهم، أو تفقد الأمهات فلذات الأكباد· ورغم كل الهمجية الإسرائيلية التي مورست ضد الذين استشهدوا في كتائب الأقصى، أو من هم مشاريع شهادة، إلا أنهم لم يرفعوا راية الاستسلام مطلقاً، وبقوا مركز جذب واستقطاب لمزيد من الشباب الفلسطيني، وحين يسقط قائد منهم سواء في جنين أو نابلس أو بيت لحم يحل محله قائد جديد· عرفات قائد كتائب الأقصى كان ياسرعرفات ثورياً وسياسياً في آن معاً، ومنذ العام 1974 حين خاطب الأمم المتحدة بشعار (غصن الزيتون وبندقية الثائر)، وهو يحارب على جبهتين لذا فإنه اتخذ قراراً بفرز (كتاب شهداء الأقصى) من القوى الأمنية التي قيل وقتها إنه عهد لمروان البرغوثي قيادتها، وهو أمر مشكوك فيه، حيث حكم البرغوثي بالسجن خمس مؤبدات، وذلك لإيهام الجمهور الإسرائيلي بتحقيق نصر نوعي على الانتفاضة، باعتبار أن الإعلام الإسرائيلي سوق البرغوثي كحالة رمزية للانتفاضة، ويعرفه الشارع الإسرائيلي، أما المناضلون الذين يمتشقون السلاح فهؤلاء قد يستشهدون أو يعتقلون ولا يعرف بهم أحد، ثم أن الاعتقال ليس مقياس النضال، فالإسرائيليون لديهم وجهة نظر وهناك مستويات سياسية وأخرى عسكرية في هذا الصدد· زكريا الزبيدي قائد الكتائب في جنين، وهو الذي استشهد نائبه قبل أسبوعين، وجميع قادة الكتائب وافقوا على الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي الأخير بتسليم السلاح، مقابل وقف المطاردة من قبل قوات الاحتلال، وأظهر الزبيدي روحاً انضباطية قتالية عالية، وفهماً سياسياً واعياً، حين صرح أن الهدف من وراء التصدي للاحتلال وبكافة الوسائل هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف· لقد وجد المناضلون في كتائب الأقصى وغيرها في نهاية المطاف أنفسهم ملاحقين مطاردين، فيما الانتفاضة ذاتها ببعدها الشعبي والمدني الجماهيري قد خمدت تماماً، بل أنه أصبح من البديهي والجائز في الشريعة الإسرائيلية أن تقتل وتنهب وتدمر البيوت والمدن العريقة بحثاً عن مطلوبين، وكأن الشعب الفلسطيني برمته، وقضيته العادلة اختزلا في بضع مطاردين، أما بعض المنظرين والمسؤولين فهم غائبون تماماً عن المشهد اليومي للناس العاديين، وما يجري داخل الأسر الفلسطينية من عذابات وجوع ويتم وفراق للأحبة· بكل بساطة الانتفاضة ولدت معسكرة بسبب الوضع اللوجستي على الأرض، وإذا كان من الجائز حسب الوضع اللوجستي أن تكون الانتفاضة الأولى مدنية وذات مضمون شعبي، وأن تكون بالحجارة، فإن الوضع اللوجستي في ظل السلطة الفلسطينية، ومع إطلاق النار على المصلين في الأقصى، واجتياح إسرائيل للمدن، ومحاصرة عرفات، وغير ذلك من الأعمال الإرهابية جعل المقاومة بالسلاح أمراً حتميا· أسلوب غاندي أما وقد أصبحت نار الانتفاضة تحت الرماد الآن، وبدأت اللعبة السياسية مع الإسرائيليين تأخذ طابعاً مكشوفاً، فلا بد من سحب الأوراق والذرائع من أيديهم، والتعامل معهم بذكاء· وكان سمو الأمير خالد الفيصل قد نصح الفلسطينيين في مؤتمر البحر الميت بإتباع أسلوب جديد شبيه بأسلوب غاندي، وهو المظاهرات، والاعتصامات والإضرابات وغير ذلك من أشكال النضال السلمي، وقد أصاب الأمير كبد الحقيقة، والفلسطينيون لهم تجربة طويلة في هذا المجال، بل إنهم سبقوا غاندي في ذلك، ومنذ العام 36 وقبله كان الفلسطينيون يخوضون كافة أشكال المقاومة السلمية وغيرها للمطالبة بحقوقهم زمن الانتداب البريطاني، وهم الذين قاموا بأطول إضراب في التاريخ، بمعنى أن المطلوب الآن هو القيام بانتفاضة شعبية عارمة في وجه المحتل الإسرائيلي، دون أن تبقى القضية برمتها محصورة على بضع عشرات من المطاردين، أو المنظرين على الفضائيات· القضاء على السلطة مصادر فلسطينية موثوقة ذكرت لـ(الاتحاد) أن إسرائيل تهدف من وراء حملاتها العسكرية المتواصلة إلى تحقيق أهداف سياسية يقف على رأسها القضاء على ما تبقى من السلطة الفلسطينية، وتقسيم الشعب الفلسطيني، وهو ما حدث في غزة فعلاً، وإظهار الفلسطينيين أمام العالم أنهم مجموعة من الإرهابيين، لا يستحقون دولة مستقلة، وبالتالي شرعنة الإجراءات الأحادية الجانب في الضفة الغربية، وتكريس الواقع الاحتلالي للقدس، والأغوار، والاستيطان والجدار· وأضافت تلك المصادر المقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن العديد من القيادات الفلسطينية بدت تدرك أن قضية الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة ما هي إلا وهم وأضغاث أحلام، ومصطلح سياسي مفرغ من مضمونه، لأن الوقائع على الأرض تثبت أن إسرائيل لا تريد السلام، وماضية في تمزيق الضفة الغربية، وترسيم الحدود من جانب واحد، وإقامة الجدار وتهويد القدس، والأغوار· الأحلام الرومانسية وزيارة سيرايفو وذكرت تلك المصادر أن القيادات الفتحاوية التي كانت تناضل في سبيل قيام هذه الدولة العتيدة، -وهو برنامجها السياسي الذي تبنته حركة فتح منذ العام 1988 في مؤتمر الجزائر- تخلت عن أحلامها الرومانسية في هذه المرحلة، لذا أوفدت السلطة بعض القيادات العسكرية والسياسية الفتحاوية للقيام بزيارة ميدانية إلى البوسنة والهيرسك وسيرايفيو للاستفادة من تجربتهم في بقاء الإنسان فوق أرضه، وذلك من أجل منع ترانسفير فلسطيني جديد، وتنحية هذه الملهاة التي اسمها (الدولة الفلسطينية) جانباً· إن حركة (فتح) تهدف إلى المحافظة على العنصر الفلسطيني في الضفة الغربية، لأن التكاثر العددي الفلسطيني هو الذي يخيف إسرائيل، ويمنعها من تنفيذ مخططاتها بتفريغ الأرض من سكانها، أما الإبقاء على بضع بنادق في يد بعض الأفراد مهما بلغت درجة البطولة والشجاعة لديهم فقد ثبت بالملموس أنه لا يفعل شيئاً على الأرض، إضافة إلى ما تمثله هذه الظاهرة التي تجاوزت في بعض الحالات المقاومة إلى ما يمكن تسميته فوضى السلاح من امتعاض شديد من قبل الأهالي، حيث رفض التجار في مدينة نابلس مؤخراً الاستجابة لنداء من قبل هذه التنظيمات المسلحة بالإضراب لأنه جاء بقرارات مزاجية، ولما يمثله ذلك من إضرار بالحركة الاقتصادية، لذا فإن القرار بالإضراب أو عدمه ينبغي أن يكون في يد القيادة السياسية بمعنى أن تزج القيادات والحكومة الفلسطينية في اتخاذ قرار المواجهة مع إسرائيل، وتكون في مربع الشعب، وتلتحم مع عطاءاته وتضحياته ونضالاته في معركة سياسية حقيقية، كي تكون السلطة الوطنية الفلسطينية معبرة عن تطلعات الشعب ومشروعه الوطني في الحرية وإقامة الدولة المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف· 100 عام من النضال إن تسليم كتائب الشهداء الأقصى وغيرها من المجموعات سلاحها هو يوم ميلاد جديد للنضال الفلسطيني بأرقى صوره وأشكاله، ذلك أن المصلحة الوطنية الفلسطينية هي معيار التحرك، وليس التغني بالشعارات، إذ تعددت أشكال النضال في تاريخ القضية الفلسطينية بدءاً من الإضراب الشهير الذي استمر ستة أشهر، مروراً بثورة عزالدين القسام، والحسيني، والشقيري وثورتهم المعاصرة، والانتفاضتين الأولى والثانية، وما زال النضال مستمراً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©