الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجيش الإسرائيلي يبحث عن حرب جديدة

الجيش الإسرائيلي يبحث عن حرب جديدة
24 يوليو 2007 05:16
مناورات متلاحقة وفي مدّة قياسيّة· آخرها مناورة في مرتفعات الجولان قامت بها كل كتائب لواء جولاني في الأسبوع الأول من الشهر الجاري واستخدمت فيها الأسلحة المتطوّرة على اختلافها، والهدف، حسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ''افيحاي ادرعي''، هو استخلاص العبر من حرب لبنان·· البعض يرى أن هذا الجيش الذي كان يوصف بالجيش الذي لا يُقهر تحوّل إلى ظاهرة فرويدية، فهل تكون المعالجة بحرب أخرى؟ رغم أن مسؤولين إسرائيليين قالوا إنه تمّ توجيه رسائل تهدئة إلى سوريا، فإنّ الارتجاج الأيديولوجي والاستراتيجي في الدولة العبرية يجعل كل الاحتمالات واردة· تقرير لمعهد جافي للدراسات الاستراتيجية يسأل: ماذا يفعل الجيش الإسرائيلي إذا لم يقاتل؟ ثم يعود ويسأل إذا كان أي جيش في العالم هو انعكاس أو امتداد، للشعب، فأي شعب في إسرائيل؟! كان الجنرال الفرنسي ''جورج بوي''، وهو خبير استراتيجي بارز، يقول إن الجيش الإسرائيلي الذي تشكل، أساساً، من مجموعات صهيونية خاضت حرب العصابات (الهاجانا، شتيرن···)، كان ''تاريخياً'' أشبه ما يكون بالجيوش التي ترعرعت داخل القبائل البدائية: التعطش للدم، والرغبة الهيستيرية في الاجتياح، ودائماً تحت مظلة ميتافيزيقية غامضة، لكنها على مستوى عال من الحيوية و''بث الضجيج في النفوس''· ''بوي'' قال أيضاً إن ظروفاً مثالية أعطيت لتلك القبيلة العسكرية· صحيح أن الرئيس ''دوايت ايزنهاور'' أرغم رئيس الوزراء الإسرائيلي ''دافيد بن جوريون'' على سحب قواته من شبه جزيرة سيناء عام 1956 (وبكى موشي دايان) بعدما كانت حرب السويس الشهيرة التي شارك فيها رئيس الوزراء البريطاني ''انتوني ايدن''، ورئيس الوزراء الفرنسي ''غي موليه''، لكن الصحيح أن الغرب فتح كل الأبواب أمام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية· وإذا كان ''غي موليه'' قد بنى المفاعل النووي في ديمونا الذي كان وراء إنتاج ''القنبلة اليهودية'' فإنّ المساعدات التكنولوجية الأميركية والأوروبية على السواء جعلت الدولة العبرية تحقق نصراً ''أسطوريا'' في يونيو ·1967 موت الانتصار لكن ''بوي'' لاحظ في ذلك الحين، كما في السنوات اللاحقة، أنّ الجيش الإسرائيلي الذي كان يمتلك الكثير من الخيال -دائماً بسبب التعبئة الايديولوجية المكثفة- لا يستطيع أن يستوعب ذلك الانتصار على المدى البعيد، حتى ولو كانت القوة العربيّة، لسبب أو لآخر، في حال تدهور منهجي·· لاحظ الجنرال الفرنسي أنّ حكومة ''مناحيم بيجن'' لم تتخلّ عن شبه جزيرة سيناء إلا لكونها عبارة عن صحراء شاسعة تبدّد القوّة الإسرائيلية بإمكاناتها الديموغرافية المحدودة· وإذا كانت مرتفعات الجولان هي النقيض تماماً بسبب تميّزها الجيو - ستراتيجي، وأيضاً بسبب غناها بمساقط المياه وبالأراضي الخصبة، فإنها كانت بمثابة هديّة ذهبيّة لإسرائيل كونها شبه خالية من السكان· وهذا ما حمل ''بيجن''، وفي العام نفسه الذي شهد تفكيك آخر مستوطنة في سيناء، على استصدار تشريع من الكنيست يضمّ المرتفعات إلى أرض إسرائيل (14 ديسمبر 1981)· ولكن بعد 40 عاماً من حرب الأيام الستة، ماذا استطاع الجيش الإسرائيلي أن يفعل في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ قبل موته أخيراً، قال ''زئيف شيف''، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة ''هاآرتس'': ''غالباً ما تموت الانتصارات الجميلة هكذا''· حدث ذلك الشيء المروع في جنوب لبنان عامي 2000 و·2006 قال ''شيف'': ''كان جنودنا يقاتلون من دون خيال''، لا بل انه أضاف: ''قد لا يكون التعبير دقيقاً، لكن الآخرين يقولون إننا قُهرنا''· ليسوا الهنود الحمر ماذا يحدث للقبيلة البدائية عندما يحصل ذلك؟ إنها تغرق في الوحول، أو في الدماء· هل يمكن لتل أبيب أن تتحمّل حرباً يبدو أنها مفتوحة إلى الأبد؟ لا أحد من الجنرالات يستطيع أن يتكلم بشفافية· الكولونيل السابق ''موشي افرايم'' الذي انتقل إلى كندا للإقامة هناك ''بعدما اكتشفت أنّ العرب ليسوا الهنود الحمر''، يعلن عن ذهوله لأن ''ايهود اولمرت'' يعتبر أن الوضع الذي قام بين الضفة الغربية وقطاع غزة هو، استراتيجياً، لمصلحة إسرائيل، حتى أنّ ''افيجدور ليبرمان''، وزيره للشؤون الاستراتيجية والذي طالما دعا إلى ترحيل الفلسطينيين بالشاحنات ثم إلقائهم في البحر الميت، استعاد تلك الأسطورة التركية التي تتحدث عن ذئبين راحا يأكلان بعضهما البعض حتى اختفيا· يقول ''افرايم'' انه إذا كان هناك من ذئاب، فهو ذئب واحد ويزداد ضراوة، ليضيف إن الفلسطيني، وأي عربي آخر، لم يعد يلوذ بالفرار لمجرد ''أن يطلق جنودنا تلك الصيحات الغريبة''· الفلسطينيون، والعرب بوجه عام، هم الذين يطلقون الآن الصيحات الغريبة فيدبّ الهلع في قلوب الجنود الإسرائيليين الذين يعمل رئيس الأركان ''جابي اشكنازي'' بنفخهم بكل الوسائل· والذين كتبوا تعليقاً على التقرير الأول للجنة فينوجراد قالوا إن من العبث النفخ اليومي في الملابس المرقطة· سلسلة من المناورات المتلاحقة· حتى الآن لم تشهد إسرائيل مثل ذلك· المطلوب إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية وبعدما اتضح أنها وصلت إلى حدّ مثير من الهلهلة· وهذا ما كشفه التقرير، وكذلك آراء العسكريين، دون أن يكون ذلك معزولاً عن الخلل الذي تعيشه إسرائيل على كافة المستويات، حتى أن السفير السابق في باريس ''ايلي برنافي'' يشير إلى أن التعبئة الأيديولوجية باتت كاريكاتيرية إلى حد بعيد· المجتمع الإسرائيلي على تماس مع الثقافات الحديثة، ومن الصعب ''أن نزرع فيه ثقافة السلحفاة''· الازدواجية أخذت مداها بين الارتباط الملتبس بالماضي اللاهوتي بكل هشاشته، وبين مستلزمات التفاعل مع ديناميات الحداثة، دون أن تستطيع المؤسسة أن تحل محل الرجال، فالماكنة الإسرائيلية هي غير الماكنة الأميركية والنتيجة هو ذاك الارتجاج الايديولوجي والسوسيولوجي على السواء·· فلسفياً، يقول ''جان دانييل''، إنّ إسرائيل تشعر الآن أنها بحاجة إلى حرب، لكن هذه، في نظرة، ظاهرة فرويدية مدمّرة، أن تكون دولة ما محكومة بمنطق الحرب فقط من أجل أن تستمر رغم أنها تتمتع بكل اسباب التفوّق· جولاني·· لواء جولاني، وهو لواء النخبة، أنهى للتوّ مناورة في مرتفعات الجولان· كان الاسم لسنوات مضت يثير الهلع· هؤلاء هم ''جنود يهوه'' كما وصفهم رئيس الأركان السابق، والراحل، رفاييل ايتان، ولكن في حرب لبنان كان اداؤهم مثيراً للسخرية فعلاً، ومنذ الصدمة الأولى، وهو ما اتضح، بشكل أساسي، في مدينة بنت جبيل التي دخل إليها جنود من النخبة ليفاجأوا، بعد حين، بكمين قضى عليهم جميعاً، وكان على رئيس الأركان السابق ''دان حالوتس'' أن يقول ان بنت جبيل مدينة كبيرة، مع ان مرشده الروحي ''آرييل شارون'' لم يتردد في القول عام ،1973 وبعد ثغرة الدفرسوار، انه لو أعطي الأوامر لمضى إلى أي عاصمة عربية· سقط الخيال، بل وسقطت الخيلاء أيضاً! كان لافتاً انه خلال مناورات النقب استهدفت ''قرى سورية''، الآن، وفي الجولان اتخذت المناورة شكلاً آخر، كما لو أننا أمام حرب مدن رغم أنّ كل شيء كان يجري في العراء· هل يريد الإسرائيليون الوصول إلى دمشق؟ معلقون في إذاعة الجيش،وفي حمّى التعليقات على تقرير فينوجراد، قالوا إنّ المؤسسة تعاني من حالة مرضية، المسألة لا تتعلق بالترهل فحسب، وإنما بالبنية السيكولوجية نفسها· النموذج الفولاذي تآكل· الفلسطينيون يموتون، لكنهم يموتون وقوفاً: ''لم يعد هناك رصاص في الظهر''، كما قال فلسطيني من نابلس بعد دخول الإسرائيليين إليها أخيراً·· لا مبرّر الآن البتة للحرب، لكن الإسرائيليين يكثرون من الحديث عنها، ومن المناورات التي تشارك فيها أسلحة متطورة· هل من أجل استعادة المعنويات في معارك وهمية، أم لأن الجيش بات بحاجة إلى استعادة صفة ''الذي لا يُقهر''· ولكن ألم يقل ''شارون'' لـ''اوريانا نافالاتشي'' في صيف عام 1982: ''الجنرالات يعلمون اننا إذا قُهرنا مرّة فلسوف نُقهر إلى الأبد''؟ ''أورينت برس'' منطق البازار رغم أن التعليمات صارمة بوقف التجريح بالجيش، فإن ''يوئيل ماركوس'' سأل: ''أليست إهانة للجيش حين يعين حاييم رامون نائباً لرئيس الحكومة'' عقب فضيحة القبلة للجندية الإسرائيلية خلال الحرب على لبنان؟· ''ماركوس'' يتوقف عند ''منطق البازار'' الذي يحكم الآن الطبقة السياسية في إسرائيل، إذ إن عملية ''شدّ الوجه'' التي قام بها ''إيهود أولمرت'' لحكومته تعني- في نظره - شيئاً واحداً: ''إننا ننحدر''· أين تستقر إسرائيل أخيراً ؟ قد تجد العلاج بالحرب·
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©