السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوات "الناتو" ومعضلة الأمن في الجنوب الأفغاني

الناتو
24 يوليو 2007 05:12
تواجه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها خطر تكرار ذات الأخطاء العراقية في أفغانستان· فالملاحظ أن هيلاري كلينتون وزميلها باراك أوباما وغيرهما، بمن فيهم بعض ''الجمهوريين''، يصرون على تنفيذ خطة الانسحاب العسكري من العراق، في مقابل نشر مزيد من القوات في الجنوب الأفغاني· وفي الحقيقة فإن قتامة تقرير ''تقدير الاستخبارات القومية'' الصادر خلال الأسبوع الماضي، حول حصاد الفشل الذي حققناه في حربنا على تنظيم ''القاعدة''، كان لها بالغ الأثر في ارتفاع المزيد والمزيد من هذه الأصوات المتشائمة· غير أنه لا يزال على دعاة استراتيجية الانسحاب هؤلاء أن يعيدوا النظر تارة أخرى إلى دعوتهم هذه· ذلك أن تدخلنا في أفغانستان لم يسفر عن نتائج أفضل بكثير من تلك التي حققناها في العراق، إلا نتيجة لتواضع تطلعات وطموحات قوات التحالف الدولي المرابطة هناك تحت القيادة الأميركية، مع تخفيف وطأة الوجود العسكري، وترك الشأن الأفغاني لإدارة أهله وإشرافهم المباشر عليه· لكن ومع ذلك، فقد شهد الوضع الأفغاني انتكاسات لاحقة، بسبب عزم حركة ''طالبان'' وإصرار مقاتليها على المقاومة وعدم الاستسلام· على أن الوضع لا يزال أفضل نسبياً من العراق، بالنظر إلى تاريخ النزاعات والحروب الطويلة التي شهدتها أفغانستان طوال العقود الأخيرة الماضية· فقد تمت إزالة معسكرات التدريب الخاصة بالإرهابيين هناك، أو دفعت إلى مناطق نائية على الأقل، في الخط الحدودي الفاصل بين باكستان وأفغانستان، بينما تضاعفت الثروة الوطنية تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية، مصحوبة بالزيادة السكانية الكبيرة التي حدثت، إذ ارتفعت إلى ما يقارب أربعة أمثال ما كانت عليه في عام ،2001 أي ما يزيد على المليون بقليل في العام المذكور، إلى نحو 4 ملايين نسمة في العام الحالي· ولا يمر أسبوع واحد على أفغانستان اليوم، إلا وينهض فيها مبنى أو محل تجاري جديد· أما أجر العمالة غير الماهرة، فقد وصل فيها إلى حوالي 4 دولارات يومياً، وهو أربعة أمثال ما عليه أجر العمالة ذاتها في كل من باكستان وأوزبكستان المجاورتين· وفي الوقت الذي يهاجر فيه اللاجئون العراقيون بالملايين والآلاف، فقد حدثت عودة طوعية لملايين المهاجرين الأفغان، إلى ديارهم· وإلى ذلك تتسم المناطق والمحافظات الداخلية في أواسط أفغانستان، بقدر كبير من الأمان والاستقرار· على أن كل ذلك لا ينفي حقيقة الاضطرابات والقلاقل التي تشهدها المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد، حيث يتكرر وقوع هجمات حركة ''طالبان'' على القرى والنقاط العسكرية المنتشرة هناك، قبيل انسحابها إلى معاقلها الآمنة الواقعة على الخط الحدودي الفاصل بين تلك الأجزاء وباكستان· ليس ذلك فحسب، بل إن القوات النظامية لمحافظة ''هلمند'' نفسها، متورطة في ممارسات الاختطاف والقتل والنصب على المواطنين· وليس أدل على ذلك من اعتقال 35 من أفراد شرطة المحافظة هذا الشهر، وبدء التحقيق معهم في اتهامات تتعلق بسرقة السيارات· كما يعرف عن هذه المحافظة وحدها، إنتاجها لما يعادل نسبة 50 في المئة من الهيرويين الذي تستهلكه القارة الأوروبية· ولكل هذه الأسباب مجتمعة، فليس مستغرباً أن تسود مشاعر السخط والغضب في أوساط سكان هذه المناطق والمحافظات، لغياب أدنى شعور بأن تغييراً ما قد حدث في حياتهم نحو الأفضل· ومن جانبه حاول حلف ''الناتو'' حل المشكلات التي تواجهها هذه المناطق من أفغانستان، عن طريق نشر المزيد من قواته فيها· غير أن النتيجة الوحيدة لتلك المحاولات، هي زيادة الأوضاع تفاقماً· وكانت بريطانيا قد سعت في عام 2005 إلى تحسين نوعية الحكم وكذلك الوضع الأمني وسيادة القانون، فضلاً عن تحقيق النمو الاقتصادي لمحافظة هلمند· وفي ذلك الوقت كانت الهجمات التي تشنها قوات ''طالبان'' على المحافظة، ضئيلة ومتفرقة جداً· يذكر أن بريطانيا نشرت العام الماضي حوالي 4 آلاف جندي من جنودها، إلى جانب نشر المزيد من المستشارين المدنيين كي يحلوا محل بضع مئات من الجنود الدوليين، الذين رابطوا في المحافظة منذ سقوط حكومة ''طالبان'' عام ·2001 بيد أن تلك الجهود البريطانية باءت بالفشل الذريع· فعلى رغم وجود نحو 7 آلاف من الجنود البريطانيين في المحافظة حالياً، فإنها غدت أكثر فساداً بينما صارت الشوارع العامة أقل أمناً وسلامة للمواطنين، في مقابل اتساع نطاق زراعة وتجارة المخدرات فيها، مصحوباً ومعززاً بالمزيد من انجراف البنية التحتية القانونية المقيدة لها· والأسوأ من ذلك كله، أن الوجود العسكري الأجنبي في المحافظة، شكل دافعاً رئيسياً لتكثيف حركة طالبان لهجماتها المضادة· وقد مرت القوات الهولندية المنتشرة في محافظة أروزجان، وكذلك القوات الكندية في محافظة قندهار، بتجارب وصعوبات مشابهة· ولذلك فإن الواجب أن نتخذ من الفشل الذي منيت به قوات حلف ''الناتو'' في المناطق الجنوبية والشرقية من أفغانستان، مؤشراً للحذر من مغبة نشر المزيد من القوات الأجنبية في المناطق ذاتها، خاصة وأن هذا الفشل يعود إلى عدة عوامل وأسباب جوهرية بنيوية كامنة في طبيعة المناطق نفسها· منها على سبيل المثال، عدم التزام المسؤولين الحكوميين المحليين، بجهود بناء الدولة في هذا الشطر من البلاد، بينما يرتبط الكثيرون منهم بروابط قوية بزراعة وتجارة المخدرات· ولذلك فإنهم ليسوا أصحاب مصلحة أصيلة في بناء جهاز الدولة وما يرتبط بها من بنية تحتية قانونية، تتعارض وذلك النشاط غير المشروع· وعلى رغم قبح العذر والتبرير، فإنه يلزم الاعتراف بحقيقة أن عائدات تجارة المخدرات، تعادل ما يزيد على 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الأفغاني، بينما لا تتوفر بدائل أخرى لمزارعي هذه المخدرات حتى الآن· والأهم من ذلك كله، غياب أي من العوامل التي أدت تاريخياً إلى نجاح الحملات العسكرية الخاصة بمكافحة المخدرات في الحرب الدائرة حالياِ ضد قوات طالبان· ففي مالايا البريطانية على سبيل المثال، كان النجاح الذي تحقق هناك خلال عقد خمسينيات القرن الماضي، نتيجة للتدخل الإمبريالي المباشر في شؤون الحكم، ولبناء نظام حكم محلي قوي ومتعاون، مصحوباً بنشر أعداد كبيرة من الجنود، فضلاً عن التعاون والدعم اللذين حظيت بهما كل تلك الجهود، من قبل قطاعات وشرائح واسعة من المواطنين أنفسهم· وإلى ذلك كله فقد أسهمت في النجاح ذاته، المعرفة التفصيلية الدقيقة بثقافة المنطقة وسياساتها ومزاج أهلها، فضلاً عن الحزم الذي صاحبها في خفر الحدود وحراستها· بقي القول أخيراً إنه ما من عامل واحد من هــذه العوامــل، يتوفر الآن في أفغانستان· وعليه فإن نشر المزيد من القوات الأجنبية في الجنوب الأفغاني، لن يزيد الطين إلا بلة، ونار التمرد إلا اشتعالاً· مؤلف كتاب الأماكن البينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©