السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكافحة التمرد وتجاهل التجربة البريطانية

24 يوليو 2007 05:14
حتى لو كان المرء من أشد المعارضين للحرب في العراق فإن عليه أن يقر بأن بريطانيا قامت بكل ما يتوجب عليها لإنجاح التواجد العسكري الأنجلو أميركي في العراق وفرض الاستقرار في البلاد· لكن المشكلة الأساسية برزت عندما فشلت الولايات المتحدة في الاستفادة من المهارات البريطانية المشهودة في مجال مكافحة التمرد· فمع بداية الحرب في العراق عام 2003 لم يكن بمقدور بريطانيا مواكبة القدرة العسكرية الأميركية الهائلة، لكنها تفخر في المقابل بسجل مشرف في مكافحة التمرد والتصدي للمسلحين· ومع الأسف لم تعرف ''البنتاجون'' كيف تستفيد من الخبرة البريطانية وتوظيف باعها الطويل في إخماد حركات التمرد التي اضطرت إلى مجابهتها طيلة تاريخها الإمبريالي المديد· ففي الحرب العالمية الأولى قام ''لورانس العرب'' بقيادة بدو الجزيرة العربية ونجح في تقويض سلطة الأتراك· أما في الحرب العالمية الثانية فقد تمكن الجنرال ''أوردي ونيجايت''، إلى جانب قواته، من طرد اليابانيين من أدغال شمال بورما· وحتى بعد 1945 واصلت بريطانيا مسيرتها الناجحة في أماكن مختلفة بفلسطين ومالايا وكينيا وقبرص وعدن وعمان وشمال أيرلندا· ويعتبر نموذج مالايا الأكثر نجاحاً، إذ بعد ثلاث سنوات على طرد القوات اليابانية من بورما، غاص الجيش البريطاني في الأدغال بحثاً عن التمرد الشيوعي· وقد علق عن تلك المرحلة الجنرال الإنجليزي الذي واجه التمرد ''سير جيرالد تيمبر'' قائلاً ''لا يكمن الحل في ضخ المزيد من الجنود في الأدغال، بل في كسب قلوب وعقول الناس''· وفي الأخير استطاعت القوات البريطانية عزل المتمردين عن الأهالي وأنهكت قواهم من خلال الحملات العسكرية المتتالية، ومراقبة رجال الشرطة، وما أن حل عام 1954 حتى قضي على التمرد تماماً وعمَّ النظام والاستقرار· ولا يعني ذلك أن الحاجة إلى خوض حروب غير تقليدية قد مرت على الأميركيين من دون تدبر، فقد أشرف الجنرال ''ديفيد بيتراوس''، قائد القوات الأميركية في العراق، على إصدار كتاب موجه للجيش بعنوان ''دليل ميداني لمكافحة التمرد''· وفي هذا الإطار أيضا اعترف المقدم ''جون ناجل'' بأن الجيش الأميركي لم يكن مستعداً لخوض حرب غير تقليدية عندما اندلع التمرد في صيف ·2003 فهو لم يكن مهيأ لمواجهة ''التكتيكات التي استخدمها المتمردون ومازالوا مثل زرع العبوات الناسفة على جنبات الطرق وغيرها''، مضيفاً أنه لم يتم التركيز على ضرورة حماية السكان المدنيين· وخلافاً لذلك كان البريطانيون على علم بكيفية التعامل مع التمرد، والنتيجة أنهم نجحوا في إدارة البصرة ولم يواجهوا مشاكل كبيرة· فقد راحوا يتواصلون مع الزعماء الدينيين، وشيوخ القبائل ويسيرون في الدوريات بقبعات خفيفة دون ارتداء الخوذ، أو النظارات الشمسية المثيرة للخوف، كما عملوا على جمع معلومات وافية عن الميلشيات الشيعية التي تدعمها إيران· وفي مقابل ذلك سلك الجنود الأميركيون طريقاً مختلفاً، حيث كانوا يتخفون وراء العربات المدرعة ولا يظهرون إلا وهم يلتفتون خلفهم واليد على الزناد· وبينما ركز البريطانيون على كسب قلوب وعقول المدنيين من خلال التواصل معهم والاختلاط بهم، ظل الأميركيون متمترسين وراء دروعهم متشبثين بمنطق القتال وإطلاق النار كوسيلة وحيدة للتعامل مع التمرد· وربما كان يتعين على القوات البريطانية تقديم المشورة وإسداء النصيحة لزملائهم الأميركيين الذين غرقوا في لجة التمرد علهم يستفيدون من الخبرة البريطانية في هذا المجال· لكن بريطانيا ظلت مترددة لأنها لم تكن في يوم من الأيام قادرة على التأثير على المسؤولين الأميركيين ودفعهم إلى تغيير مسارهم في التعامل مع التمرد حتى بعدما تبين فشل التكتيكات الأميركية في إخماد فتيله· مراسل سابق لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور في البنتاجون ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©