الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا تدخل عالمك الخاص

لا تدخل عالمك الخاص
4 فبراير 2011 19:07
أخطأ أحد المدافعين حين أحرز هدفاً في مرمى فريقه في الدقائق الأخيرة من المباراة. وهذا قد يحدث في أحسن المنتخبات، وبأقدام أفضل اللاعبين، لكن اللاعب نفسه أحرز هدفاً ثانياً في مرمى فريقه في المباراة التالية، فما هو السبب يا ترى؟ بحكم وقوعي المؤسف في موقف مشابه، فإنني أعرف السبب، ففي أحد الأيام كنا نلعب مباراة مصيرية مع أولاد الطرف الآخر من «الفريج»، وكنت ألعب مدافعاً، وفي إحدى الهجمات، طارت الكرة أمام وجهي، ومن دون وعي أمسكت بها وسط ذهول الجميع وغضب أصدقائي، واحتسبت ضربة جزاء. وبعد دقائق ومن دون وعي أيضاً، أمسكت الكرة بيدي من جديد، فأخذ الجميع يضحك وأنا لا أعرف ماذا حصل. الغريب أنني لعبت الكرة سنوات طويلة، ولم أمسك الكرة بيدي إلا مرتين، وفي مباراة واحدة. وفي أحد الأيام، سلّمني شقيقي سيارة كان قد استأجرها، وكنت حديث العهد بالقيادة، ورحت أتجوّل بالسيارة ومعي أحد الأصدقاء، ثم توقفنا أمام كافتيريا ونزلنا وأكلنا وشربنا، وفوجئت بأنني نسيت مفتاح السيارة في داخلها والأبواب مقفلة. اتصلت بشقيقي الذي انهال عليّ بكل ما يخطر على باله من شتائم، ثم ذهب إلى محل الإيجار وعاد بمفتاح إضافي، ثم صعدت السيارة مع صديقي وأخذنا نتجوّل من جديد، ثم قررنا التوقف والنزول، وبعد عودتنا فوجئت بالمفتاح في السيارة المقفولة. حين اتصلت بشقيقي أخذ يضحك، إذ يبدو أنه بدّد كل غضبه في المرة الأولى، ولم يعرف كيف يعبّر عن غضبه في المرة الثانية. وبرغم أنني أقود السيارة منذ سنوات طويلة، فإنني لم أنس المفتاح في داخلها إلا ثلاث مرات، مرتين كانتا في يوم واحد. السبب في تكرار الخطأ نفسه وبالصورة نفسها مرتين متتاليتين، هو الخروج من الواقع والدخول في العالم الخاص نظراً لفداحة الخطأ الأول، فبعد أن نسيت المفتاح في المرة الأولى وتلقيت شتائم متنوعة من شقيقي، رحت أحدّث نفسي قائلاً: «يجب أن أنتبه إلى هذه النقطة. لا بد أن أخرج المفتاح وأضعه في جيبي ثم أغلق السيارة. لا يمكن أن تفتح باب سيارة ومفتاحها في الداخل. صحيح أنك غبي، لكن نسيان المفتاح في السيارة دليل على شدة الغباء. أما «الحمورية» الحقيقية فهي أن تنسى المفتاح مرة ثانية. تخيّل أنك نسيت المفتاح للمرة الثانية»، وكنت في هذه الأثناء أغلق باب السيارة والمفتاح في الداخل. وفجأة سمعت صديقي يصرخ: المفتاح. فعدت إلى أرض الواقع وفوجئت بالمفتاح في داخل السيارة. الأمر نفسه حدث مع الكرة، فبعد المرة الأولى رحت أحدّث نفسي وانسلخت من الواقع ودخلت في عالمي الخاص: «لست أنت الذي يمسك بالكرة بتلك الطريقة الغبية. من المعيب أن يفعل ذلك لاعب مخضرم معروف بالبأس الشديد في الذود عن حياض مرماه. المدافع يا غبي لا يمكن أن يمسك الكرة بيده، فإذا رأيت الكرة تطير أمامك فلا تمسكها هكذا»، وأمسكت الكرة لأريي نفسي الخطأ الذي يجب أن أتجنّبه، لكن صافرة الحكم وهتاف الجميع أعاداني إلى أرض الملعب، ورأيت نفسي وأنا أمسك الكرة بيدي. ومن المؤكد أن المدافع المذكور حين سجّل الهدف الأول، أخذ يلوم نفسه ويحاسبها على ذلك، وبقي يفكر ثلاثة أيام، وحين بدأت المباراة الثانية كان اللاعب غائباً عن الوعي ويعيش في عالمه الخاص: «لاعب منتخب يسجّل هدفاً في مرمى بلاده؟ ماذا سأقول للجمهور؟ ماذا سأقول للشعب؟ كيف سأبرر هذا الهدف غداً لعيالي وأحفادي؟ هل يمكن أن يتغاضى الناس عن ذلك الخطأ الفادح الذي وقعت فيه؟». وفي اللحظات التي سبقت تسجيله الهدف الثاني، كان قد فقد تركيزه نهائياً ويعيش في عالمه الخاص: «اليوم قدمت مباراة جيدة وسيغفر لي الجمهور ذلك الخطأ. بصراحة كان خطأً فظيعاً. في المرات القادمة يجب أن أركّز أكثر. ليس من المعقول أن يسجّل مدافع هدفاً في مرماه بهذه الطريقة»، ثم قام بتمثيل تسجيله الهدف ليقول لنفسه إنه يجب ألا يقع في هذا الخطأ مرة ثانية، لكن تمثيله في عالمه الخاص لم يكن إلا هدفاً في مرمى فريقه في العالم الحقيقي. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©