الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلات جاليفر العربي

رحلات جاليفر العربي
4 فبراير 2011 19:08
(1) السفن القديمة تفتك بها الجرذان التي تعيش بداخلها، وتأكل من خيرات بحارتها، إذ لا تستطيع تلك الجرذان العيش دون أن تقرض أرضية السفينة، ولو على سبيل التسلية، وما إن يتسرب الماء إلى جوف السفينة، دون أن يتنبه له البحارة، حتى تشرع السفينة في الغرق ويختل التوازن ... الغريب أن أول من يهرب من تلك السفينة ويستشعر الخطر، هي الجرذان ذاتها التي أدت إلى تلك المصيبة، لا بل إن أصحاب السفينة يدركون أنهم في خطر، فقط، حينما يرون الجرذان، وهي تهرب من سفينتهم على أول غصن شجرة طاف في البحر. وهذا ما حصل أيضاً في سد مأرب قبل ستة قرون من انتشار الإسلام، حيث إن الفساد الإداري، أدى إلى أن تقرض الجرذان أصول سد مأرب، حتى انهار على ساكنيه وأغرق كل من حوله. ابحثوا عن الجرذان الهاربة .. وسوف تعرفون ماذا يحصل الآن في العالم العربي.!! (2) قررت دائرة الجمارك بسابق إنذار ومن دون ترصد إعفاء قصار القامة من الضرائب والرسوم الجمركية المترتبة على السيارات الخاصة التي يستخدمونها، لكن الجمارك اشترطت للحصول على هذا الإعفاء أن يكون الشخص سليم الأطراف العليا وظيفياً، بما لا يشكل خطراً على الصحة العامة. كما اشترطت أن لا يقل الطول عن 131 سم للذكور و121 للإناث. في الواقع تفصلني 38 سم ملعونة من الحصول على هذا الإعفاء، لكني اعتقد أن الكثير من المسؤولين العرب يستحقون هذا الإعفاء عن جدارة. لا يدرك الكبار كما هم صغار أمام شعوبهم، ولا يدركون أن الهراوة لن تحميهم إلى الأبد، لا بل إنها ذاتها قد تكون السبب في إسقاطهم أرضاً ملطخين بالعار وبدماء الشعوب التي تضحي من أجل حريتها. لا أعرف إذا ما كانت دائرة الجمارك تنوي أيضاً منح مثل هذا الحسم لطوال القامة، لكن لن تطالني هذا الحسومات والنغنغات أيضاً، لأنه تفصلني 38 سم أخرى عن طوال القامة. لكني هنا مهتم بالدرس الذي لا أزال أتذكره من رائعة (سويف) التي تحدث فيها عن بلاد الأقزام وبلاد العمالقة...(رحلات جاليفر)، وهو بالمناسبة كاتب ساخر، أذكر بعض التفاصيل من هذه الرواية التي قرأتها قبل 30 عاماً، لكني حفرت في دماغي منذ ذاك الوقت عبارة وردت فيها تقول: - الأقزام في بلاد العمالقة .. عمالقة في بلاد الأقزام!! (3) قبل أقل من مائة عام، كان البدوي الأردني ينشد قائلاً: الحمد لله تمدنّا وكل واحد منا شرا طاسة وإذا عرفنا أن (طنجرة) أو قدراً واحداً كان يكفي مجموعة من العائلات، فقد رأى جدّي الأعرابي، أن شراء كل خربوش (خيمة متواضعة) لطنجرة تخصه هو قمة التقدم والتحضر آنذاك. نشأت الإمارة الأردنية، ثم تحولت إلى مملكة، ومنذ ذلك الوقت، ودائرة الضروريات تتسع عند الإنسان الأردني، من الطاسة حتى بيت الطين، وانتقل من (العيش) والبرغل إلى الرز العادي والأميركي ثم رز بسمتي وضحكتي ودمعتي ثم بيت الحجر، ثم دخلت موضة الطاولات والكراسي، وخبز الكماج، والراديو والتلفزيون الأرضي، ثم الدش والهش والنش .. وهكذا. حالياً، لم يعد النت من الكماليات بل من الضروريات، وكذلك السيارة في بلد تفتقد إلى المواصلات الوطنية المنظمة، وقبل عشر سنوات فقط، كان الهاتف النقال من الكماليات، أما الآن فقد تحول إلى قائمة الضروريات المفرطة .. بعد عقد أو عقدين ربما ستصبح ملكية طائرة الهليوكبتر من الضروريات لكل أسرة. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©