الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية··· وصفة لتفادي الفشل

عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية··· وصفة لتفادي الفشل
25 يوليو 2007 05:57
مازلت أتذكر جيداً الأسابيع القليلة التي سبقت أول مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط· وقتها، حافظ وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، الذي كان قد قام قبل ذلك بزيارات مكوكية لحل مشكلة التمثيل الفلسطيني، على مكان مؤتمر 1992 طي الكتمان· وعندما أعلن أن المكان هو مدريد، انتاب الكثيرَ منا -نحن الفلسطينيين- شعور بالابتهاج والسرور بخصوص المحادثات المقبلة· تذكرت هذا الأمر بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش الاثنين الماضي ودعا فيه إلى مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط ترأسه وزيرةُ الخارجية كوندوليزا رايس· غير أنني، والكثير من الفلسطينيين، أكثر تشككاً وتشاؤماً اليوم نظراً لتراجع أهمية المؤتمرات بسبب فشلها في تحقيق النتائج· إن الفلسطينيين تضرروا -أكثر مما استفادوا- من المظاهر الزائفة للدولة التي أتاحتها عملية أوسلو للسلام والمصافحة المشهورة في البيت الأبيض عام ·1993 فقد حصل الفلسطينيون على رئيس منتخَب وحكومة لم يُكفل لوزرائها ومشرِّعيها حق التنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وجوازات سفر تُدخل أرقامها في الحاسبات الإسرائيلية؛ ونظام بريدي وشرطة مسلحة تسليحاً خفيفاً -ولكن من دون سيادة حقيقية على الأرض أو تواصل جغرافي بين غزة والضفة الغربية· كما أُرغم الفلسطينيون على تحمل المئات من نقاط التفتيش في الضفة الغربية، وجدار ارتفاعه ثمانية أمتار يتوغل في أراضينا، وسيطرة إسرائيلية على الحدود· وبالمقابل، ارتاحت إسرائيل من عبء حراسة المناطق المأهولة من قبل الفلسطينيين، ولم تعد مطالَبة بدفع الرواتب للموظفين أو دعم السكان الواقعين تحت الاحتلال اقتصاديا، مثلما ينص على ذلك القانون الدولي· وقد وعد الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيون وغيرهم من زعماء العالم بتقويم وتصحيح هذه الاختلالات، وتعزيز السيادة الفلسطينية· غير أن ذلك لم يحدث بسبب تراجع إسرائيل عن واجباتها والتزاماتها، وازدياد أنشطتها الاستيطانية، إضافة إلى الأعمال التي قام بها الإسلاميون ممن ليست لديهم مصلحة كبيرة في عملية أوسلو أو حتى فكرة حل الدولتين· وفي غياب مخطط محكم وفعال يقود إلى الاستقلال عن الاحتلال الإسرائيلي، والقدرة على حكم دولة متواصلة جغرافيا وذات سيادة، تقوت المعارضة والعصيان في أوساط الفلسطينيين؛ وبات بعض منهم يرغب في محو حل الدولتين، بعد الكم الهائل من المستوطنات التي رأوها وهي تنتشر عبر الضفة الغربية، والتركيز بدلا من ذلك على دولة واحدة بقوميتين· وبعد أربعين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس، مايزال على الفلسطينيين أن يجدوا صيغة للتحرر· فقد جربوا العنف العابر للحدود (أواخر الستينيات)، والدبلوماسية العربية والدولية (السبعينيات والثمانينيات)، والانتفاضة الأولى (1987)، والمفاوضات السرية في أوسلو (1993)، والهجمات الانتحارية (طيلة التسعينيات وانتهت بالانتفاضة الثانية)، والهجمات العابرة للحدود بواسطة القذائف (2006 وهذا العام)، والمبادرات العربية الإقليمية (2000 وهذا العام)، والمبادرات الدولية ومبعوثي السلام (منذ 1967) -غير أن لا شيء من ذلك نجح· الواقع أن الغرف قد تضيق بمحاضر المؤتمرات، ومبادرات السلام، والخطابات المنمقة والطنانة، والاتفاقات الأممية الرامية إلى حـــل النزاع؛ غير أن الحقيقـــة هـــي أن الأراضي الفلسطينية ما زالت تحت الاحتلال العسكري الأجنبي، في تحد لقرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي ينص على أنه من غير المقبول احتلال أرض بالقوة· ولذلك، فإن لتشكك المتشككين ما يبرره· أما إذا كانت ثمة رغبة حقيقية في تجاوز حالة انعدام الثقة بسبب تجارب الفشل السابقة، فسيتعين على بوش أن ينفق رأسمال سياسي مهما، بعدما كانت فكرة استعمال طابع مكتب الرئيس، في الأيام الأولى من إدارته ضرباً من ضروب اللعنات نظراً لفشل محاولات بيل كلينتون في رعاية اتفاق سلام· غير أن تأثيراً من هذا المستوى الرفيع مهم وضروري اليوم· والواقع أنه صدرت عن بوش إشارة إيجابية في هذا الصدد؛ حيث استهل خطابه ليوم الاثنين بالقول إن ''العراق ليس المسألة المركزية الوحيدة في الشرق الأوسط''· ويبدو أنه قبل أخيراً بنصيحة ''رايس'' و''مجموعة دراسة العراق''· ولكن على بوش وغربيين آخرين أن يفهموا مع ذلك أن الفوز بعقول وقلوب العرب والمسلمين لا يمكن أن يتأتى عبر إنشاء قناة فضائية عربية أو تهنئة المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان؛ وإنما يتطلب حلاً عادلاً للنزاع الفلسطيني· واليوم، لم يعد بإمكاننا السماح بمقاربة تقوم على التدرج مثلما بدأت العملية في مدريد· ففي الماضي، طالما شكلت المخططات التي تستعمل التحسن هدفاً للمتطرفين الذين يبحثون عن تواريخ وأماكن لاغتنامها وإزاحة عملية السلام عن سكتها· ولنتأمل ما فعله مواطن إسرائيلي متشدد بإسحاق رابين في ·1995 ومن جانبهم، نفذ المتطرفون الفلسطينيون هجمات انتحارية وغيرها من الأعمال الفظيعة عشية الانتخابات الإسرائيلية وعمليات إعادة نشـــر القوات، ليضمنـــوا بذلك تقريبا التخلي عن مخططـــات الانسحاب الإسرائيلي· وعليه، فإن ما نحتاجه اليوم، مثلما تشير إلى ذلك مبادرةُ السلام العربية وعدد من مبادرات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، هو وضع نهائي متفق عليه - شيء ما من قبيل حدود 1976- وعملية لتطبيق الشروط التي ستوافق عليها جميع الأطراف· ما عدا ذلك، فإن المؤتمرات المقبلة ستستمر في حصد الفشل· مدير الإعلام الحديث بجامعة القدس في رام الله· ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©