الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الباحثات عن الحرية خلف البرقع الأزرق

الباحثات عن الحرية خلف البرقع الأزرق
26 يوليو 2007 03:09
دهشت عندما تلقيت دعوة من أحد أصدقائي الأفغان لحضور صالون ثقافي وسياسي، ولم تكن دهشتي قاصرة على وجود صالونات ثقافية في أفغانستان بقدر ما كانت حول شخصية المستضيف· فقد تلقيت الدعوة لحضور صالون في منزل السيدة شكرية باركزي الكائن في حي وزير أكبر خان في العاصمة الأفغانية كابول· مر بذهني شريط صور عن صالونات ثقافية أدارتها نساء في شرقنا الأوسط، وربما كان أشهرهم صالون مي زيادة والذي كان رواده من قامات العقاد وجيله، أما عن صالون ثقافي وسياسي في أفغانستان، فقد كان الأمر مستبعدا، أما والصالون تديره إمرأة في منزلها فقد اعتقدت أن الأمر مستحيل· امرأة في زمن ''طالبان'' السيدة شكرية باركزي أحد الوجوه المعروفة في المشهد الأفغاني، فهي عضوة منتخبة عن ولاية كابول في مجلس الشعب الأفغاني، كما أنها تنحدر من عرقية البشتون· وهي من القليلات اللاتي لم يهربن أثناء حكم حركة ''طالبان''، بل ظلت تمارس نشاطاً اجتماعياً، وبادرت بتأسيس أول صحيفة نسائية أفغانية بعد سقوط حكومة ''طالبان''، وهي صحيفة ''آينه زن''، أو ''مرآة المرأة''· دخلت منزل السيدة شكرية في تمام السابعة مساء بصحبة صديقي، وفوجئت أن زوج السيدة شكرية غير موجود في المنزل وأنها تستقبل ضيوفها بنفسها· دار خادم السيدة بأكواب الشاي الأخضر الأفغاني وسط عبارات الترحيب والتعريف، ولاحظت أن طفلة صغيرة لا تتجاوز الخمس سنوات تلعب في ركن الصالون، فقامت السيدة شكرية باستدعاء المربية لاصطحاب الطفلة إلى غرفتها· تجرأت وسألت عن علامات استفهام تحوم بذهني حول مصادر تمويل الصحيفة الأسبوعية وماذا كانت السيدة شكرية تفعل أثناء حكم ''طالبان''، فكانت تجيب عن أسئلتي بابتسامة هادئة وأوضحت أنها قامت شخصيا بتمويل الأعداد الأولى من الجريدة بالاشتراك مع شخصيات أفغانية أخرى معروفة، ثم أنها قبلت ببعض المساعدات العينية (كأجهزة حاسب وغيرها) من منظمات نسائية وحقوقية دولية شريطة عدم تدخلهم في الخط التحريري للصحيفة· أما عن دورها الاجتماعي أثناء ''طالبان'' فإن السيدة شكرية كانت تقوم بتعليم النساء والبنات في منزلها، ولأنها منحدرة من عرقية البشتون (نفس عرقية ''طالبان'') ومن إحدى كبرى القبائل، فيمكن القول إنها كانت في منعة من ''طالبان''، ولم يجرؤ أحد على توقيفها عدا بعض المضايقات ممن أسمتهم ''صغاراً'' في الحركة· لا أخفي اعجابي بنموذج كشكرية باركزي، والتي كانت عكس شخصية نسائية أخرى معروفة في المشهد الأفغاني هي الدكتورة مسعودة جلال، والتي رشحت نفسها لرئاسة أفغانستان ضد الرئيس حامد كرزاي في مشهد مسرحي كان مفضوحا للغاية، خاصة بعد توليها وزارة شؤون المرأة في حكومة كرزاي بعد الانتخابات· أدركت الدكتورة مسعودة جلال مبكرا ولخبرتها في العمل مع الأمم المتحدة أن المجتمع الدولي سيبحث حتما عن وجه نسائي يتم ابرازه كدليل على تحرر المرأة بعد حقبة ''طالبان'' ولعبت مسعودة على هذا الوتر واستطاعت الانضمام إلى المجلس الأعلى الأفغاني لمناقشة الدستور، لكن بروزها الحقيقي في الساحة الأفغانية كان عندما أعلنت أنها سترشح نفسها في أول انتخابات رئاسية أفغانية عام 2004 ولكن بات واضحا للعيان تلقي السيدة مسعودة دعما مباشرا من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، كما أن الدكتورة مسعودة التي كانت تهاجم كرزاي وحكومته بضراوة من قبل، تم اعلان اسمها كوزيرة لشؤون المرأة بعد نجاح كرزاي مباشرة في الانتخابات، واحتلت أحد أفخم مكاتب الوزارات· بنات الطبقة الوسطى ·· حكاية الهروب لا يمكن حصر المرأة الأفغانية بين نموذجي شكرية ومسعودة، فكلتاهما نالتا حظا من التعليم فيما حرمت منه غالبية النساء في أفغانستان، لكن السيدتين تمثلان شريحة من النساء الأفغانيات اختفت تقريبا من أفغانستان بسبب سنوات القتال الداخلي· تميزت كابول عن باقي أنحاء البلاد بوجود طبقة من المتعلمين والمثقفين الأفغان لكنهم فضلوا الهجرة للخارج منذ نهاية الستينات، وقد فتحت السفارات الغربية أبوابها أمام تلك الطبقة التي قرأت المستقبل الأفغاني منذ صعود التيار الإسلامي المتشدد· تكونت تلك الطبقة من الأفغان الذين تلقوا تعليما في ظل حكومة الملك ظاهر شاه اليسارية والتي كانت تدعو إلى تعليم المرأة وانخراطها في المجتمع، وظهرت المرأة الأفغانية في الدوائر الحكومية، وبات شائعا مظهر المرأة بحجاب بسيط على شعرها (مثل حجاب بناظير بوتو) تستقل وسائل المواصلات وتسير في شوارع كابل خلال حقبة السبعينات· لكن تلك الطبقة التي تكونت حديثا تخوفت من المتشددين، ولأن معظم أفراد هذه الطبقة من الكفاءات العلمية أو رجال الأعمال فقد فضلوا الهجرة إلى الخارج، ومن النادر الآن أن تجد في العاصمة كابول أحد سكانها الأصليين، فقد فرت غالبيتهم العظمى، وتركوا ديارهم ومحالهم، ولأن المجاهدين الأفغان تشكلوا من الريف والمناطق البعيدة فبمجرد دخولهم إلى كابول بعد سقوط الحكومة الشيوعية قاموا بالاستيلاء على المنازل الخالية وزوروا أوراق ملكية جديدة واستقدموا عائلاتهم، فظهر البرقع الأفغاني الأزرق في العاصمة، واشتهر كرمز للمرأة في عهد ''طالبان''· والحقيقة أن هذا البرقع لم يكن سائدا في العاصمة، بل فقط في الأقاليم وأتى به سكان الريف الذين اغتصبوا منازل العاصمة· من حرية الريف إلى سجن المدينة تستيقظ نساء البيت في الريف الأفغاني قبيل أذان الفجر وتقوم المرأة بإعداد الحطب والنار ثم جلب الماء من البئر وتسخينه حتى يستطيع الرجل الوضوء والذهاب إلى المسجد للصلاة ويعود ليجد الشاي الأخضر جاهزا للفطور· يسبق الرجل زوجته إلى الحقل، وتتبعه هي بعد ساعة تقريبا بزوادة من الطعام البسيط ويتشاركان العمل في الحقل إلى الساعة العاشرة حينها تصطحب المرأة الدواب إلى المنزل وتقوم بإعداد الغذاء للرجل الذي يعود بعد صلاة الظهر· ويستريح الرجل إلى وقت العصر في الوقت الذي تقوم فيه المرأة بترتيب المنزل واطعام الدواب وأعمال منزلية أخرى· المدهش أن المرأة أثناء روتينها اليومي لا ترتدي البرقع الأزرق، وتسير إلى الحقل بمفردها جيئة وذهابا بدونه، وتكتفي أن تسحب طرف حجابها لتغطي النصف الأسفل من الوجه عند مرور الرجال على الطريق، أو حتى تشيح فقط بوجهها إلى الطرف الآخر، لكن البرقع يستعمل فقط في المناسبات كأن تخرج النسوة لزيارة بعضهن لأية مناسبة أو حتى للنميمة· ولأن المرأة الريفية حضرت إلى كابول فلا يوجد هنا حقل أو غيره، وبعقليتها الريفية البسيطة ارتدت البرقع الأزرق (الذي هو زي المناسبات) في روحها ومجيئها، كما أن الرجل الريفي أصر على أن ترتدي زوجته هذا الزي ليخفيها تماما، فلازال هناك بقايا من الشيوعيين ''الكفرة''، فضلا عن الشباب الرقيع· هكذا خسرت المرأة الأفغانية بانتقالها من الريف إلى المدينة، ويعد هذا بارزا جدا في المنزل، فالمرأة في الريف تكتسب احتراما طاغيا عندما تصبح جدة، ويحق لها أن تسير بوجهها عاريا، وأن تستقبل الرجال وتبت في مسائل الخلاف على الأرض أو حتى المنازعات بين العائلات، المرأة في الريف دورها قوي من خلف الستار إلى أن تصبح جدة أو أكبر نساء البيت عمرا وهنا تخرج من خلف حجابها وتدخن الشيشة وتصير كلمتها أمرا لا يناقش من جميع أفراد العائلة· لكنها في كابول تتعرقل أثناء سيرها في البرقع الأزرق الطويل، رغم ذلك فإن تطور الحياة لا يقف، وحب المرأة للتزين قديم منذ أن رأت وجهها على صفحة المياه، وهكذا صارت هناك موضات للبرقع، وصرت تميز البنت من المرأة من طريقة لبسها للبرقع، فالشابات صرن يقصرن البرقع من الأمام لتظهر البناطيل الجينز من تحته دلالة على المكانة الاجتماعية وليتميزن عن القرويات· كما أن نسبة لا بأس بها قامت برفعه نهائيا واستعادت الحاجب البسيط القديم، وليس لهذا علاقة بتحرر المرأة من عدمه أو بسقوط حكومة ''طالبان'' بل له علاقة بطبقة المرأة الاجتماعية ومستوى تعليمها· حمل التاريخ الأفغاني صفحات موشاة بالذهب لنساء أشهرهن ملالي ميوند التي أبت أن يتقهقر الجنود الأفغان أمام الانجليز في معركة عام 1880 فثبتت في الصفوف الأمامية أثناء هروب الرجال ونادت تتسفز النخوة والكرامة إلى أن خجل الرجال منها وتحمسوا وعادوا وانتصروا على الجيش البريطاني، أما واقع المرأة الأفغانية اليوم فعين نسائية مهاجرة إلى الغرب تنظر بشفقة إلى بنات عمومتها اللاتي بقين في الداخل ليتعثرن في خيمة زرقاء طويلة ناظرين بين شباكها الثقيلة إلى طريق موحل إن خرجن منه دون اصابات الطريق فمن يضمن هجمات الانتحاريين؟· حياة خلف الرجل تستيقظ نساء البيت في الريف الأفغاني قبيل أذان الفجر وتعد الحطب والنار وتجلب الماء من البئر وتسخنه حتى يستطيع الرجل الوضوء والذهاب إلى المسجد للصلاة ويعود ليجد الشاي الأخضر جاهزا للفطور· يسبق الرجل زوجته إلى الحقل، وتتبعه هي بعد ساعة تقريبا بزوادة من الطعام البسيط ويتشاركان العمل في الحقل إلى الساعة العاشرة حينها تصطحب المرأة الدواب إلى المنزل وتقوم باعداد الغذاء للرجل الذي يعود بعد صلاة الظهر· ويستريح الرجل إلى وقت العصر في الوقت الذي تقوم فيه المرأة بترتيب المنزل واطعام الدواب وأعمال منزلية أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©