السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

في محكيات السفر والكائن الجوّال

في محكيات السفر والكائن الجوّال
27 يوليو 2007 06:07
صدر مؤخراً العدد الجديد (87) من مجلة فكر ونقد، وهي مجلة ثقافية شهرية يصدرها الدكتور محمد عابد الجابري، ويتولى سكرتير تحريرها عبد السلام بنعبد العالي· ضم هذا العدد ملفاً عن الأدب الرحلاتي، قدم له الباحث المغربي إسماعيل علوي بقوله: الرحلة قديمة قدم الإنسان إلى حد أننا يمكن أن نعرف الكائن البشري بأنه كائن جوال Homo Viator، فقد عاش حياة التنقل والترحال، ولكنه ما أن عرف معنى الاستقرار، حتى استهوته من جديد غواية التطواف والتجوال، فأذعن طواعية وأحيانا قسراً لشهوة التحرُّك من مكان إلى آخر بدوافع مختلفة؛ معلنة، خفية، دينية، استكشافية، علمية، ترفيهية، استعمارية، إلخ ·· كما اختلفت وسائل السفر وتباينت· وبغض النظر عن الدوافع والنتائج والوسائل، أصبحت محكيات السفر تراثاً إنسانياً خالداً بالنظر إلى الدور الذي تقوم به في التقريب بين حضارات الشعوب والأمم، ووصفها والتعريف بعاداتها وتقاليديها، ولذلك كان من الطبيعي أن يهتم الباحثون بفن الرحلة، ويتطلعون إلى دراسة العلوم الإنسانية الأخرى لما تزخر به من براعة في وصف المشاهدات ودقة في تسجيل الروايات· أما الباحث المغربي الدكتور عبد النبي ذاكر فيقول في بعض سطور شهادته التي افتتح بها الملف: بداية الطريق طرق وترقب وتعرف، ونهايتها تمثيل وتمثل· والطريق بقدر ما تعبرها بقدمك وإقدامك، تعبر بك إلى ملاقي المعاني والرموز والدلالات· الطريق توصلك إن كنت من المتعجلين في السير ، أو من الذين يلوون أعناقهم نحو المعاني المطروحة في الطريق إلى تخوم الحكم المغرض والمطروق ، وان كنت من المتأملين المتريثين حدائق الألفة والائتلاف ، وفراديس الاختلاف والمعنى الخصيب بالتطلعات الأنسية والكوسموبوليتية · إن تتبع مسالك الفضاء الخارجي وجغرافيات البرّاني، استكشاف لمعالم الفضاء وجغرافية الروح الراحلة· وهذا يفيد أن الطريق توهم بأن الرحلة سير خارجي في الظاهر، بينما هي في العمق سير داخلي، وسفر في منعطفات النفس وأعطاف الوجدان، سفر يستبطن مكنونات الذات ودهاليزها السرية · وبهذا المعنى يكون الطريق هو المسار نحو ''الأنا'' حين يستهويها المسير نحو الغير أو الآخر· في بداية الطريق أكون واحداً، وعند نهايتها أصير متعدداً ومتكاملاً· إنها مسلك باتجاه مضاعفة الذات واستكمال فجواتها الأونطولوجية· الطريق مفتاح جدلية الباطن والخارج، الأنا والآخر، الأنا والغير، الهنا والهناك، ولولا الطريق لما تم التمكن من لمس المفارقة بين تجربة الداخل وتجربة الخارج، بين السكون والحركة، بين الثبات والتحول، بين الإقامة أو الظعن والسفر، بين رتابة الزمن وتقلبات الأحوال وأحوال التقلبات· لكن هل طريق الذهاب هي طريق الإياب مهما تماثلت أو اختلفت؟ إنها ليست كذلك بحكم أن طريق الذهاب أشد إشراقا وتوهجا من طريق العودة التي تخبو جذوتها الدلالية بحكم كسل العين اللماحة وقد أنهكتها واستنزفتها شراهة العبور الأول، فعوضتها بأشواق معانقة الحبي الأول: البلد المنطلق أو بداية الطريق سدرة المنتهى وملقى عصا التسيار· من بين الدراسات الأخرى التي تطالعنا في ملف هذا العدد نقرأ: ''في خطاب أدب الرحلة لمحمد حاتمي''· و''أثر الرحالين في التقدم العلمي الحضاري'' لمحمد ماكامان· و''الماء في الرحلات الحجية المغربية بين الحقيقة والرمز''، وهي الدراسة التي يرى فيها كاتبها الأستاذ سليمان القرشي أن اختيار طريق الحج وتتبعها، تبعا لخصائص جغرافيا المسار الذي غلبت عليه الصبغة الصحراوية والمجال القاحل، مما أضفى على الماء قيمة خاصة في كل الرحلات الحجية التي انطلقت من المغرب في اتجاه أرض القبلة ومنبع النور لري الظمأ الروحي وإطفاء لوعة الشوق والحنين التي أذكاها البعاد وأجج جذوتها ما بين المشرق والمغرب من حواجز وحوائل· يعد الماء، في أدبيات الرحلة، مقابلاً للحياة، وركنا ركينا من أركان النجاح في الرحلة الحجية التي اكتنز قاموسها بمقابلات الماء ومرادفاته ومختلف متعلقاته، فتنفس في أحضانها شعرا ومثلاً، وتجلى في تجليات الرمز والإشارة والعبارة· إلى جانب ذلك، اشتمل الملف على دراسات أخرى مثل: ''أشكال الكتابة الرحلية بالمغرب ومكوناتها المعرفية'' للمهدي محمد السعيدي، و''دائرة الخيال في مصر ابن بطوطة'' لعبد النبي ذاكر، كذلك ''رحالة السفير محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي'' لمحمد بوكيوط·
المصدر: المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©