الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أساطير الطفولة

أساطير الطفولة
27 يوليو 2007 06:04
تختلف أساطير الطفولة عن أساطير الوعي الاجتماعي للدور الوظيفي في الحياة، أياً كان نوع ولغة وثقافة وديانة هذا الدور، وهي أساطير تعكس الكيفية التي يكتسب بها الطفل اللغة، أو بالأحرى كيف تتعاظم لغته على لغة الكبار، والكثير منا يحكي قصصاً ونوادر عن أطفاله وتصرفاتهم، تمتلئ بالمفارقات، وبهدمها لمنطق اللغة المستقرة في قاموس الوظيفة الرسمية للقوانين الاجتماعية· يذهب شخص كبير للسوق ليتسوق، وعند اقترابه مصادفة من الجوافة، وبرؤيته لها، واشتمامه رائحتها، يصاب بحالة إغماء واعية، يستكمل باقي مشترياته المفترضة، ويرجع إلى البيت، يلتبسه خدر ما، ويظل طيلة اليوم غريباً على ذاته، لقد استدعت ''الجوافة'' أسطورة من أساطير طفولته· بعد انتهاء السنة الدراسية وفي إجازة الصيف، ينطلق الأطفال من الارتباطات التعليمية المنهكة بغية تأهيلهم للمستقبل، وبشروط الظروف التي يَخْبُرها الكبار، حيث إن الدنيا لا ترحم، ومن الضروري ألا يتركوا الطفل برياً، حتى لا يكون في العرف الاجتماعي فقيراً أو تحت خط الفقر· فالدراسة؛ للغرف المغلقة، في البيت، في المدرسة، في الوقت وأهمية استغلاله، في النماذج التي تقود الطموح للوصول إلى الأفضل، أما الإجازة فللشارع، والنوم، للمغامرة، للرحلات، للوعود التي وُعد بها الطفل· يتواعد الأطفال لعمل أشياء كثيرة، وهنا هذه المرة، في هذه الحالة، تواعدوا للذهاب إلى أطراف المدينة، حيث الريف، الفلاح، الفلاحة، والفلاحين الصغار، الحقول، الترع وجنياتها، الحمار، البقرة، الجاموسة، أبو قردان، القطن، البرسيم، وحسب خيال كل منهم ورغبته ليرى ما يرى، طالت القائمة· للطبيعة حتى ولو كان صناعيا سحرها، ومنذ أول لحظة للدخول على مشارف تلك القرية، ينتاب الجميع فرح عابث، لا هوية له، وتغزوهم الروائح المنفلتة من أي معنى للسُلطة، عالم خارج الغرف والأوامر، وحتى خارج حرية اللعب في شوارع المدينة· تسعى الروح دائماً إلى سحب نفسها من الروابط العقلية الموظفة· رحلة مدتها ثلاث ساعات، تؤسس لأساطير غامضة، وفي الترعة يغرق أحدهم، ويسبب للجميع ذعراً غير مفهوم، إنه الموت يعلن عن حضوره واستمتاعه معهم، في رحلتهم، وقبل ذلك تمر كثير من الأحداث، يشغلهم روث الحيوانات، يدوسون في الحقول بين الزرع، يختبرون قطف الثمار، وقلع الأعواد من جذورها، يرون طيوراً جديدة لأول مرة، يسمعون عالماً من الأصوات المتآلفة والوحشية ربما، تمازج صوتي بين طقطقة الجاف وتماوج الطري، وكل ما حولهم، والشمس لها معنى آخر هنا· يتفتتون كمجموعة، فكل منهم ينشغل بشيء مختلف عن الآخر، يصعد صاحبنا إلى شجرة جوافة، يقطف ويرمي لهم، ويأكل، يذهبون عنه، يظل جالساً وسط ثمار الشجرة، لقد احتلته الحرية، ينزل، يتمدد تحتها فينام سهواً، يستيقظ على حركة في بطنه، يوقن باستسلام أن روحه تخرج، سيموت هنا، لم يشعر بالخوف، لكن حركة خروج الروح ناعمة وغريبة، ويصعد إحساسه بها من الأسفل عند ساق إحدى رجليه، حتى تصل إلى بطنه، وتخرج من بطنه ليراها أمامه، إنها ''سحلية'' وليست روحه· الأساطير الأولى التي تطلعنا على اكتشاف ذواتنا، هي التي تحمينا من كل أنواع السُلطات، وهي المكون اللغوي للاختلاف عن الآخرين والتفرد أحياناً، فليست حبة ''جوافة'' في السوق، كمثلها على ''الشجرة''· eachpattern@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©