الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"اللاجئون الموريتانيون" في السنغال ومالي.. جدل ساخن وجرح نازف

"اللاجئون الموريتانيون" في السنغال ومالي.. جدل ساخن وجرح نازف
27 يوليو 2007 06:15
يبدو أن الرئيس الموريتاني الجديد سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله قد رمى بقنبلة موقوتة في الساحة السياسية الموريتانية من خلال خطابه الأول من القصر الرمادي بنواكشوط الذي كرسه لأهم التزاماته الانتخابية وأكثرها حساسية وخطورة، ألا وهو ''ملف المبعدين'' الموريتانيين إلى السنغال ومالي على خلفية أحداث ابريل المأساوية التي نشبت بين الجارتين موريتانيا والسنغال سنة 1989م، تلك الأحداث التي طردت السنغال بموجبها ما يقارب 500 ألف مواطن موريتاني كلهم يعملون في مجال التجارة، حيث قدرت ممتلكاتهم التي نهبت في السنغال بعشرات الملايين من الدولارات، وتعرض الكثير منهم للقتل والتعذيب في موجة شغب عامة هناك، كما طردت موريتانيا الرعايا السنغاليين على أراضيها وشملت حملة الأبعاد عشرات الآلاف من الموريتانيين الزنوج ادعت السلطات الموريتانية وقتها أنها اشتبهت في مواطنتهم، لكن بعضهم يرى أنها عمليات إبعاد ونهب متعمدة من طرف نظام ولد الطايع حينها· تداعيات هذا الملف الحساس ظلت جرحا إنسانيا نازفا على مدى ثماني عشرة سنة، كما استطاعت الجمعيات المعنية به أن تقض مضجع الرئيس السابق ولد الطايع عندما تمكنت في السنوات الماضية من أن تصل بقضيتها إلى أروقة ودهاليز الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية، ليجد النظام الموريتاني نفسه متصدرا لقائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان في العالم، مما اضطره للعمل على تسوية أوضاع اللاجئين بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين في إطار مشروع عرف ''بمشروع الدمج السريع'' لكن تلك الجهود ظلت دون مستوى تطلعات اللاجئين مما جعل بعضهم يعود أدراجه· ويرجع بعض المراقبين للشأن الموريتاني إقدام الرئيس السابق ولد الطايع -الذي حكم موريتانيا أكثر من 20 سنة- على علاقات مثيرة للجدل مع إسرائيل إلى رغبته في تكميم أفواه هؤلاء المناهضين له بعد أن وجدوا الآذان الصاغية في مراكز القوى الغربية، لدرجة أن بعض كبار مسؤوليه من وزراء وضباط ساميين صدرت بحقهم مذكرات توقيف في أوروبا وبلدان أخرى في العالم، فكان التطبيع مع إسرائيل حسب وصفه - قيل وقتها إنها أميركية- أفضل علاج لذلك الصداع المؤرق، فلم يتردد لحظة في ابتلاع حبة ''الفاليوم'' تلك، ليخلد لنوم عميق لم يشوشه سوى انزعاج الفرنسيين أو صخب الشارعين الموريتاني والعربي اللذين لا يقيم لهما الرجل كبير اهتمام· وكان رئيس المجلس العسكري العقيد اعل ولد محمد فال الذي عمل مع ولد الطايع طيلة حكمه مديرا للأمن الوطني ليطيح به قبل سنين ويسلم السلطة للرئيس المنتخب الحالي نهاية ابريل الماضي، قد قال لـ''الاتحاد'' في حوار سابق إن ملف المبعدين قد تمت تسويته ولم يبق منه سوى ملفات لدى بعض المتاجرين بالملف في المحافل الدولية، مؤكدا أن الدولة الموريتانية تفتح حدودها لكل مواطن يحمل الهوية الموريتانية· إلا أن خلفه ولد الشيخ عبدالله في خطابه الموجه للشعب الموريتاني مطلع الشهر الجاري كان يفي بالتزام انتخابي يتعلق بعودة هؤلاء إلى وطنهم متعهدا بالتعويض لهم عن كل ما تعرضوا له من حيف وحرمان من طرف الدولة الموريتانية، داعيا الموريتانيين لتخصيص استقبال شعبي حار لإخوانهم العائدين· طبيعي أن ترحب الأحزاب السياسية والهيئات المعنية بقضايا المبعدين بهذا الخطاب وتعتبره ''خطوة ايجابية على طريق تكريس الوحدة الوطنية''، لكن هذه الأطياف التي ترحب كلها بمبدأ ''العودة'' تعيش حالة من التراشق السياسي تعيد موريتانيا لعهود سياسية خلت، حيث تتحفظ بعض القوى المحسوبة على التيار القومي (البعثيين والناصريين) على خطاب الرئيس الموريتاني، معتبرين انه وقع في اسر أجندة طرف سياسي معروف بعدائه للبعد العروبي لموريتانيا، وهم يقصدون بذلك حركة القوميين الزنوج (أفلام)· كما استنكروا في بيان لهم اعتذار الرئيس باسم موريتانيا لهؤلاء وتحميله المسؤولية الكاملة للدولة الموريتانية في أحداث الكل يعلم أن دولة السنغال ضالعة فيها، فضلا عن إهماله لحقوق 500 ألف موريتاني تم طردهم ونهب ممتلكاتهم في السنغال، ومن الحيف -حسب هؤلاء- أن تنصف الدولة بعض مواطنيها وتهمل البعض الآخر خاصة في مسالة حساسة كهذه· وطبعا لم يتأخر رد القوميين الزنوج على هؤلاء، حيث أعلن بعض رموزهم أن الحركات القومية البعثيين والناصريين) كانت وراء إذكاء نار الفتنة وشكلت الماكينة الإعلامية لنظام ولد الطايع الذي لم يكتف بإبعادهم وتشريدهم، بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث قام بتصفيات جسدية للمئات منهم وحولهم جهازه الإعلامي الذي تشرف عليه الحركات القومية العربية إلى أعداء لموريتانيا، ويبدو أن بعض المحسوبين على التيار الإسلامي في موريتانيا يشاطرون القوميين الزنوج ''أفلام'' نفس الشعور· هذا التراشق الإعلامي بين الأطياف السياسية ينذر بتقويض الجهود المبذولة لطي صفحة هذا الملف الخطير والحساس، تلك الجهود التي كان آخرها عودة اللجنة الوزارية المكلفة بملف ''عودة المبعدين والإرث الإنساني'' من زيارة لدولة السنغال· وبالرغم من عزم اللجنة الوزارية المكلفة بالملف على ''إحصاء من تم إعدامهم بطريقة غير قانونية والدخول في مفاوضات مع المتضررين لتقديم التعويضات المناسبة لهم وطي هذا الملف نهائيا''، فإن تحديات كثيرة تواجه هذه اللجنة يختزلها، سواء المتعلق منها بآليات عملها، أو الطريقة التي ستتعامل معها مع من فقدوا هوياتهم الوطنية، حيث يدعي اغلبهم أن السلطات الموريتانية التي طردتهم خلال الأحداث أتلفت أوراقهم الثبوتية، لترفع فيما بعد شعارا خادعا بمثابة ''حق أريد به باطل'' ألا وهو: ''من لديه هوية موريتانية مرحبا به من أي نقطة عبور للبلاد''، وفي غياب رقم دقيق لعدد المبعدين تبقى هواجس بعض الموريتانيين مشروعة من أن ينتهز بعض الأفارقة من الدول المجاورة الفرصة ويسجل نفسه على سجل المبعدين ليستفيد من التعويضات التي سيتلقاها المبعدون حال عودتهم مما ينذر بتبعات سياسية واجتماعية وأمنية لها انعكاسات سلبية على مستقبل موريتانيا· كل ما هو متوفر من الأرقام حتى الآن هو أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت سنة 1998 عن إشرافها على عودة 32 ألف لاجئ إلى موريتانيا في إطار ''مشروع الدمج السريع''، لكن الجمعيات المتحدثة باسم اللاجئين تقول إن الكثير من هؤلاء عاد إلى مراكز اللجوء في السنغال ومالي بسبب بؤس الحياة ولكي لا تضيع حقوقه، وتتحدث تلك الهيئات اليوم عن وجود ما يربو على 23 ألف لاجئ في السنغال وحدها ناهيك عن الدول الأخرى، والمفارقة المثيرة أن اعتراف الرئيس الموريتاني ولد الشيخ عبدالله بظلم الدولة لمواطنيها في الثمانينيات استحسنه الزنوج لكنهم اخذوا عليه عجزه أو امتناعه عن الاعتذار لهم بعد هذا الاعتراف، فيما استنكرته أطياف سياسية باعتباره مساسا من هيبة الدولة وتحميلها ما لا تتحمل المسؤولية الكاملة فيه· وفي خضم هذا الجدل السياسي يبقى اللاجئون الموريتانيون في السنغال ومالي ينتظرون وعودا يبدو أنها جدية هذه المرة إن لم تعصف بها زوابع السياسة التي رمتهم قبل حوالي عقدين من الزمن خارج وطنهم في منفى ''لا بقرة ولا ثور لهم فيه''· فهل سيتمكن ولد الشيخ عبدالله من تضميد هذا الجرح الإنساني النازف، وطي الصفحات السوداء للملف السياسي الأكثر إحراجا للنظام الموريتاني خاصة على المستوى الدولي؟ وهل كان عليه أن يفتتح خطابه للموريتانيين بالمثل القائل ''أتذكر الماضي لا لكي افتح جراحا وإنما لكي لا تذهب التجربة هباء''؟! محاكمات ممكنة!! إن ما يقض مضجع بعض الأوساط السياسية في موريتانيا ليس عودة المبعدين والتعويض لهم، وإنما معرفة هل مازال أصحاب هذا الملف الإنساني الخطير يطالبون بتقديم الشخصيات الضالعة فيه وفي غيره من التجاوزات اللا إنسانية بحقهم للمحاكمة؟! خاصة أن اغلب تلك الشخصيات ما زال على رأس عمله في مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية والإدارية للدولة، ومحاكمة أي فرد منهم تعني محاكمة الدولة الموريتانية!
المصدر: نواكشوط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©