السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عجائب من حجر..!

28 يوليو 2007 02:55
لو بقيت الأصنام مثل ''اللاّت والعزّى ويغوث ويعوق''، لعُدَّت اليوم من عجائب الدنيا السبع، بل لاعتبرت الأهم والأكثر جاذبية على الإطلاق، لسببين؛ الأول: شغلها للبشر في رحلة الإيمان، والثاني: تقديمها كبديل واقعي على دعوات الإيمان المزخرفة اليوم بالعنف والعنف المضاد· مع هذا كله، فإنه لا لوم على البشرية في محاولاتها المتكرِّرة لإعادة تقييم إنجازاتها، شريطة أن يتم هذا بعيداً عن لغة البطون السائدة، التي تتخذ من التقييم السياحي منطلقاً لتحديد مسار الإرث البشري، لأن العمل على زحزحة ما هو متراكم في ذاكرة البشر يُفضي بنا إلى قطع الصلة مع الأمم السابقة، ومعه تنتفي أهمية وجودنا من زواياه الثلاث: الاستخلاف في الأرض، والسير في الأرض لمعرفة عاقبة الأولين، والعبادة باعتبارها علّة الوجود· وهنا يطرح السؤال الآتي: أليس ما قامت به لجنة اختيار عجائب الدُّنيا السبع قد ركَّز على إنجازات البشر في الماضي البعيد والقريب؟ الظاهر هو كذلك، رغم ما صحب ذلك من ردود أفعال من منظمة اليونسكو وبعض علماء الآثار والأنثربولوجيا والتاريخ والثقافة، غير أن تلك الآثار التي جذبت المشاهدين من منطلق الأسطورة وتغييب الوعي وستشغلهم من وجهة سياحية، وقد تتبع من البعض بفهم ثقافي واعٍ بناء على تجربة المفكر ''علي شريعتي'' حين زارالأهرام، أو بفهم مزيَّف كما رأينا من الذين غرقوا في الشيفونية الوطنية، لا تغني من الناحية المعرفية، فللبشرية اليوم ـ في عمومها ـ اهتمامات أخرى غير أكوام الحجارة المكدّسة هنا وهناك· البشرية حين تقرِّر العودة إلى التاريخ، الأفضل لها أن تعود إلى حضارات فاعلة على مستوى المعرفة، مثل اكتشافات الخط والأرقام وفكّ الطلاسم وعالم الرمز والفلسفات، كما هي في الحضارات القديمة مثل البابيلة والآشورية والفرعونية، ألسنا إلى اليوم نتحدَّث عن قوانين حمورابي وفلسفة اليونان والرومان؟!، أما إذا أردنا أن نتكلَّم من منظور إيماني فإن ''الكعبة'' هي الأهم بكل المقاييس حتى لو طبقنا عليها أحكام اللجنة في شقها البشري الناقص، ما يعني أنها خارج المنافسة وليست هناك بقعة في الأرض تشد الرحال إليها مثلها· بعيداً عن كل سبق، فإن لكل شعب عجائبه التاريخية، ولو حدَّثني من منطلق وطني ضيِّق لقلتُ لكَ: إن الرسوم الموجودة على جبال ''التاسيلي'' في الصحراء الجزائرية أهم بالنسبة لي من أي عجائب أخرى، وأحسب أن كل مواطن سيذكر القول على ما في بلاده، حتى لو كان ما فيه جدار لبيت قديم· لكن لنعد إلى البشرية في رحلة العلم في عصرنا، أليست كل منجزات اليوم أهم من تلك الحجارة المتراكمة التي تركها الأقدمون وجسدّت مستواهم المعرفي، آخرها الهاتف النقال، وما قبله وما بعده يفوق مدارك أولئك الذين يحكموننا من وراء القبور؟، أم أن الأمر كله مجرَّد تحطيم للثوابت في ظل المتغيرات، وعودة إلى الأقبية المظلمة في التاريخ حين كانت بالحجارة مصحوبة بحمية الجاهلية الأولى؟، أيكون السبب هو كوننا من الأرض، ومهما حاولنا الارتفاع نحو السماء نظل أسرى تكويننا على الرغم من إنجازنا لناطحات السحاب والأبراج ورحلاتنا المتواصلة نحو القمر؟! benguega@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©