الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جوائزنا الثقافية تصل متأخرة

جوائزنا الثقافية تصل متأخرة
4 مارس 2010 18:53
من بين الندوات المتعددة التي ينظمها معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته العشرين، تميزت الندوة الخاصة بأثر الجوائز الأدبية في حركة الثقافة العربية بالجرأة في الطرح، والشمولية في التناول. فالمتحدثون الذين يمثلون نخبة من الجوائز العربية فضلاً عن جائزة صحيفة “الإندبندت” البريطانية لم يروجوا لجوائزهم، رغم أنهم من “أهل البيت”، وحسناً فعلوا، بل اتجهوا في مقارباتهم للحديث عن العلاقة الإشكالية بين المبدع والجوائز، وعلاقتها بالدولة او السلطة، والسبب الذي يجعل بعضها يثير اللغط، والدلالات وأشياء أخرى كثيرة. شارك في الندوة بويد تونكن محرر وناقد في صحيفة “الاندبندنت” وعضو في لجان تحكيم لجوائز عالمية مختلفة، والقاص عبدالحميد أحمد الأمين العام لجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، والروائي طالب الرفاعي رئيس لجنة التحكيم في الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، والناقد صلاح فضل الذي ناب عن راشد صالح العريمي الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وادارها بشكل مبدع وحميم المفكر والناقد عبد الله الغذامي. للترجمة نصيب وركز بويد تونكن في حديثه عن الجائزة التي تمنحها “الإندبندت” على الترجمة، وقال إن واحداً من أهم الأهداف التي تتوخاها تحفيز المترجمين الموهوبين لترجمة الروايات ولكي يطوروا قدراتهم في هذا المجال، واستقطاب مترجمين آخرين يترجمون في حقول أخرى إلى حقل ترجمة الأدب، ولهذا توزع الجائزة مناصفة بين الروائي والمترجم. ولفت الى ان الترجمة التي يطالب بها هي الترجمة الفنية المبدعة لا التجارية، مؤكداً أن الجوائز تسهم في انتشار الأدب المترجم عنه في العالم. ويرى تونكن أن الجوائز بشكل عام توسع دائرة الاهتمام والاحترام للأدب وهو ما فعلته الجوائز العربية ايضاً مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة الرواية العربية “البوكر” التي ساعدت على انتشار الروايات الفائزة لدى القراء، علاوة على زيادة الاعتراف بالأدب العربي. لكنه نبه الى خطورة الاكتفاء بالروايات او الكتب الفائزة بالجوائز بوصفها تمثل أدب منطقة ما. فرواية عمارة يعقوبيان، مثلاً، صارت تمثل الأدب العربي بعد فوزها، لكن من الخطأ الفادح القول إن كاتباً واحداً يمكن أن يمثل ثقافة ما. والأمر نفسه يحدث مع كل رواية تفوز لكن المطلوب أن نقرأ بفضول ثقافي وسعي الى معرفة الثقافة في جوهرها وتنوعها وتجلياتها المختلفة. ويلفت تونكن الى ان الجوائز ينبغي ان تكون مستقلة، وأن تهتم بالترويج للأدب العربي في العالم وتمثل الغنى والثراء وهذا لا يأتي الا عبر الإنصات والانتباه لكل الكتاب الذين يكتبون من مناظير مختلفة. فليس مهمة الجائزة أن تروج لكتاب معين ولا لكاتب معين ولا لثقافة معينة، وإنما إتاحة المجال لكل المناطق ولكل القراء. لأن الهدف النهائي لهذه الجوائز هو أن تحقق التواصل بيننا جميعاً عبر الروايات التي تمتلك هذا الغنى وهذه القدرة على التعريف بالثقافة. ولأن وسائل الإعلام لا تروج لرواية إذا لم تحصل على جائزة نعطي جائزة سنوية لأفضل رواية. إننا نبحث عن الفن والغنى والإنسانية وراء عنوان هذا الكتاب أو ذلك، أما الجائزة فهي أخبار وتظل أخباراً. شكوك وشبهات ورأى عبدالحميد أحمد أن الجوائز تتحدث عن نفسها، لهذا ترك الحديث عن جائزة العويس الثقافية وذهب الى العلاقة الإشكالية بين المبدع والجائزة. وفي نوع من العودة التاريخية أشار الى أن الجوائز عادة ترتبط بالسلطة. وفي تراثنا الكثير عن علاقة الشعراء بالخلفاء والسلاطين. وربما يكون الشكل البسيط للجائزة الثقافية ما كان يجري في بلاط الحكام والسلاطين حين يلقي شاعر ما قصيدة فيكافأ بالدنانير الذهبية. وألمح الى أن المعلقات هي شكل من أشكال الجائزة أو ربما تحقق نفس الأهداف، فهي تكريم للشاعر وإظهار لعلو منزلته في قومه. بهذا المعنى، يقول عبد الحميد، أجد أن فكرة التكريم وتقدير المبدعين موجودة من قديم في ثقافتنا وموروثنا. ربما تختلف الأشكال من مرحلة الى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. وأخيراً شهد الوطن العربي جوائز عديدة، وهنا في الإمارات جوائز متنوعة كثيرة بالإضافة الى الجوائز الثقافية، لكن أقدم جائزة عربية لا يمكن مقارنتها بالجوائز الغربية، التي استطاعت ان ترسخ لنفسها تقاليد عريقة من النزاهة والموضوعية والسمعة الجيدة والاستقلالية عن الدول والحكومات. فيما يختلف الوضع عربياً بسبب حداثة الجوائز. كما أن اهم الجوائز الغربية تستمد قيمتها من مصداقيتها وسمعتها الجيدة وليس من قيمتها المالية، ولأنها تعرف بالكتاب وتدخلهم الى الشهرة من بابها الواسع. وتحدث عن اللغط الذي يثور في كل مرة تعلن فيها الجوائز مرجعاً السبب إلى أن الأدباء لديهم شكوك وشبهات في الجوائز العربية، وهناك من يرى فيها مصيدة وحين ينالها كاتب تتسبب في موته إبداعياً، وقد حدث مثل هذا بالفعل، وثمة كتاب نالوا جوائز ثم ندموا عليها لأنها تمنح لأسباب سياسية وليس بهدف ثقافي صرف. واعتبر عبد الحميد أحمد أن هذا اللغط أمر طبيعي وتثيره الجوائز بسبب ارتباطها بالدولة، ولعدم تكريسها تقاليد معينة فيما يتعلق بمعايير التحكيم والمنح والشفافية. كما أنها لم تمأسس نفسها أي لم تتحول الى مؤسسات. وكل هذا يخلق شكوكاً لدى الأدباء. إن الجوائز ظاهرة صحية بشكل عام، وهو أمر جيد أن يبذل أصحاب المال بعض مالهم لتكريم الكتاب والمبدعين ودفعهم الى العطاء، لكن ينبغي ان تتحول الى مؤسسات قائمة بذاتها وذات استقلالية. وأشار عبد الحميد أحمد إلى أن بعض الكتاب ليسوا ظمآنين للجوائز، وأن هناك كتاباً هم يصنعون الجائزة ولا تصنعهم الجائزة، وقال: الذين يفوزون بجائزة العويس هم في رأيي من يصنعون جائزتنا. وعاب على الجوائز العربية بأنها تصل الى المبدع متأخرة وهو على حافة قبره. وختم بما قاله نجيب محفوظ الذي كان يتمنى فقط أن تخصص له الدولة راتباً شهرياً يكفيه بحيث لا يضطر الى الاستدانة وأنه سيضع إبداعه تحت تصرفها، معلقاً: لم تستمع الدولة لنجيب محفوظ، وخسرت الدولة وكسب محفوظ. لغط البوكر وتحدث طالب الرفاعي عن البوكر وما جرى في كواليسها، مؤكداً أن كل هذا الجدل يؤكد أهمية الجائزة، وقال: لم يكن من السهل قراءة 113 رواية تقدمت للمشاركة، ومن جميع انحاء العالم العربي. لكنها رغم ذلك كانت تجربة جيدة بالنسبة لي كروائي وقارئ وإنسان أن أطلع على هذا الكم الهائل من الأعمال الإبداعية. وشرح الطريقة التي يتم بها تحكيم الأعمال الفائزة حيث تقوم اللجنة حسب النظم المعمول بها باختيار قائمة طويلة تتألف من 16 رواية، ثم تغربلها بعد الدراسة والتمحيص وعن طريق التصويت الديموقراطي الى قائمة قصيرة تضم 6 روايات. وأضاف الرفاعي: كان التصويت ديموقراطياً وحراً ونزيهاً وبعيد عن أي شيء آخر سوى رأينا النقدي وقراءتنا للعمل، وقناعة كل واحد منا بفوز هذه الرواية أو تلك. وأضاف: إن اللغط الذي صاحب البوكر حتى قبل إعلان القائمة الطويلة، رغم ما في بعض المقالات من الم وتجريح ومس ومؤامرة، هي في مجملها مهمة وتلفت النظر إلى الجائزة، أي انها في المحصلة تصب مع الجائزة لا ضدها. وبعد اختيار القائمة القصيرة ثارت عاصفة من اللغط، رغم أن القائمة تمثلنا كلنا ولا تمثل طالب الرفاعي وحده او سيف الرحبي وحده، بل تمثل رأينا كلنا، وموافقتنا كلنا، وهي صوت المجموعة وليست صوت أي واحد فينا. ولما اجتمعنا في بيروت لاختيار القائمة القصيرة، سئلت عن اللوائح النقدية، فقلت إن القراءة تتم في شقين وكل إنسان يقرأ بوعيه وثقافته. ثم إن مقياس القراءة شخصي لا يتم التوافق عليه مع الجميع. وقد حصل اجتماع ماراثوني استمر لمدة 9 ساعات بين نقاش وتصويت إلى أن وصلنا إلى القائمة 6. ثم وقعنا كلنا عليها. صحيح أنه كان هناك احتدام ونقاش وخلاف خلال المناقشات وهذا أمر صحي، لكننا في النهاية وقعنا متفقين تماماً ولكن لم يكن هناك أي اعتراض. وأكد الرفاعي أنه فوجئ بانسحاب الدكتورة شيرين منوهاً إلى أن لوائح الجائزة تنص على استكمال التحكيم بما يبقى من اللجنة في حال انسحب أي عضو، وهذا ما حدث. واعترف الرفاعي ان الاجتماع الذي عقد في اول مارس الجاري في أبوظبي كان عاصفاً، وأن القرار كان صعباً لان الأعمال كانت متقاربة، وفي المرحلة الأولى توصلنا الى ثلاث روايات، ثم بعد ساعات من الجدل والنقاش صوتت اللجنة لرواية “ترمي بشرر” لعبده خال. وأكد الرفاعي أنه سعيد جداً بهذا الفوز وبالتجربة كلها، مشيراً الى ان ميزة البوكر الاساسية أنها تقدم مشهداً مختلفا عن الجوائز الأخرى في طريقة تحكيمها وفي اعلانها قائمتين طويلة وقصيرة متاحتين للقراء، ما يعني أنها محاسبة على اختياراتها. ولم ينس ان يعرب عن سعادته بوجوده في أبوظبي والحفاوة البالغة التي قوبل بها. إيجابيات وسلبيات وتحدث الدكتور صلاح فضل عن جائزة الشيخ زايد للكتاب بادئاً بأهمية الجائزة، أي جائزة ثقافية للمبدع، من حيث أنها تحقق له الاطمئنان على عمله الإبداعي وجودته. وهي حاجة قد يشعبها النقد الفردي، لكنها تظل قائمة لأن هذا النقد لا يحدد موقعها من الأعمال الأخرى، ولا يفصل في التفاضل والتنافس الطبيعي المشروع بينها. وهي التي تجعلهم بحاجة أيضاً للتوثق من أنهم أصابوا في أعمالهم، ووفقوا في انتاجها، وبلغوا أقصى درجة من الاكتمال والنضج الفني، لكن هذا لا يكفي بل يحتاجون إلى تقدير معنوي يرفع قدرهم وهذا هو الزاد الذي يدفع المبدعين إلى مداومة انتاجهم مرة أخرى وإلى تحمل مشقات وعذابات الكتابة. ورغم أهمية التقدير المعنوي إلا أنه لا يفي بحاجاتهم المادية ولا ضرورات حياتهم، ومن ثم هم بحاجة إلى تقدير مادي يضمن حياتهم.. وهذا ما تحققه الجائزة. وأشار فضل إلى أن هذا التقدير كان يتم في العصور القديمة بشكل فردي، لكن منذ منتصف القرن العشرين شعرت الدول قبل ان تشعر مؤسسات المجتمع المدني بالحاجة الى وجود الجوائز، فتأسست مجموعة من الجوائز العربية قطعت شوطاً بعيداً لأنها اتجهت إلى الجوانب الأدبية أولاً، ثم أخذت تتوسع عربياً. وجائزة زايد هي الأوسع حيث تشمل 8 جوائز لم يسبق أن اشتملت عليها جائزة أخرى. واستعرض فضل بعض سلبيات الجوائز العربية وإيجابياتها، وذكر من السلبيات أن هناك أفرادا يحترفون التقدم لها، وهم مولعون بها، يجرون خلفها بحيث أنها لا تصل الى المستحقين بقدر ما تصل الى الباحثين عنها، وأن الحقيقيين غالباً ما يترفعون عنها. وهناك سلبية أخرى نشهدها وهي أنها تثير لغطاً كثيراً فالرابحون يفرحون والخاسرون يشككون في قيمتها والغضب من شأنها لأنهم لا يريدون الاعتراف بأن هذا يقلل من إبداعهم. مؤكدا ان هذه سلبية بسيطة مقارنة بالايجابيات الكثيرة التي اوجزها في أربعة هي: تؤكد أهمية الكتاب والمفكرين والمبدعين والعلماء (لأننا بحاجة إلى العناية بجوائز الابداع العلمي). توفر للكتاب التقدير الادبي والمادي الذي يفتقده المبدعون وتصنع شيئاً من التراكم إلى جانب التقدير المادي. تسهم في انتشار القراءة السريعة، وفي تقديري ان البوكر ضاعفت حجم قراء الأعمال التي فازت بها. الجوائز الثقافية والابداعية تسهم اليوم في تشكيل ذاكرة ابداعية للثقافة والابداع العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©