الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيوت الطين في لبنان.. فن يقاوم العوامل الجوية والحياتية

بيوت الطين في لبنان.. فن يقاوم العوامل الجوية والحياتية
5 ابريل 2009 23:45
منذ زمن بعيد، بقيت هذه المباني الأثرية الرائعة شامخة على مرّ العصور، وشاهداً حياً على الفن المعماري القديم، حيث استطاع الانسان اكتشاف كنوز غامضة من الصخور المتباينة أشكالاً وألواناً، وشيّد منها منازل من حصى خلال العصور القديمة. بيوت الطين ذات السقوف الترابية، تمتاز بالحنين الدائم والدافئ في قلوب اللبنانيين، بسبب بساطتها ورمزيتها، إنها بيوت العمر وإن أصبح عددها قليلاً جداً، عدا أنها تنازع للبقاء والصمود. منظر بيوت الطين التي تشاهدها في بعض المناطق اللبنانية، خصوصاً الجبلية تبهرك وهي صامدة منذ مئات السنين، دون أن تتأثر بعوامل التعرية أو اختلاف الطقس والظروف البيئية. فالبرغم من التطور الذي شهده لبنان في مجال البناء والعمران، بقيت بعض القرى في المتن الشمالي مثلاً والجنوب، محافظة على طرازها العمراني الذي يتخذ من الطين والحجارة أساساً لعمليات بناء البيوت التي تحول معظمها إلى تراث يحافظ عليه سكان هذه القرى. مستقبل «الطين» يقول أبو أحمد ترمس الذي رفض هدم منزل قديم بني بالطين في «حوش» منزله الجديد، الذي أقامه على الطراز المعماري الحديث: أحاول دائماً الحفاظ على هذا الشكل العمراني والفن المعماري الذي كان آباؤنا واجدادنا يستخدمونه في عمليات البناء المختلفة لمنازلهم التي يعيشون فيها، حتى أن منافسة كبيرة كانت بينهم لعقود مضت على التفنن في هذا المعمار، وعلى استخدام الطين بأشكال جمالية مختلفة. ويضيف: يعتبر هذا الفن من أبرز الفنون المعمارية التي ما زلنا نحافظ عليها، وإن كان من النادر الآن أن تجد منزلاً من الطين، إلا أن بيوت الطين عادت إلى الواجهة، بسبب الفوائد الجمة التي توفرها، خصوصاً لميزة البرودة في الصيف، والدفء في الشتاء، وأيضاً بالنسبة لأزمة الكهرباء التي نعاني منها في لبنان. لذلك أرى أن مستقبل «الطين» سوف ينتشر، فالعديد من سكان القرى والأرياف يقيمون غرفاً على هذه الطريقة، وهذا يعود لشكلها الجذّاب ودفئها، لاسيما في المناطق التي عرف عنها برودة الجو. الطين المخلوط بالقش يقول أبوحسين ناصر الدين عن طريقة البناء المستخدمة في هذه المنازل: نحرص أن تكون التربة المستخدمة في عمليات البناء والتشكيل ذات نوعية معينة وجيدة، بحيث لا تكون من التربة الناعمة التي يصعب تماسكها على المدى البعيد، بل يجب ان تكون قاسية مما يطيل عمرها. ويتابع: كانت المباني تتكون من عدة أدوار، ويسمى الكبير منها قصراً والصغير درباً، حيث يستخدم في بنائها المداميك، وهي طريقة تعتمد على بناء جدار من الطين المخلوط بالقش، ليترك حتى اليوم الثاني لتضاف إليه طبقة أخرى بالطين المخلوط بالقش، ويتم إعداد هذه الخلطة لمدة أربعة أيام في الغالب قبل أن يتم استخدامها في التلبيس. دواخين الطين الحاجة أم حسين من بلدة حولا الجنوبية، تشير إلى أن أهالي البلدة، لا يزالون يحافظون على النمط القديم حتى في مواقد التدفئة الشتوية الوفيرة الدفء، التي تسمى الدواخين الطينية القديمة، مستعيضين عن «الصوبية» و»الشومينيه»، حيث يخزنون في زوايا البيوت، الحطب والقش والخشب المتلف، متظللين بالقناطر الدائرية المبنية في العهد القديم. ويلاحظ الزائر لبلدة حولا وجود بعض «الدواخين» الطينية في زوايا البيوت المعمرة منذ أكثر من مئة عام، بعضها صنع من الطين الصلب المجبول من التراب واللبن والماء ومواد نارية كانت خاصة بالدواخين آنذاك. وأهمية ذلك أن منزل الطين والداخون يبعثان الدفء والحماوة في كافة أرجاء المنزل، وينير عتمة الغرفة عندما تكون الكهرباء مقطوعة. عدا ذلك، فإن «الكباكة» او ما يعرف قديماً بـ»براد زمان»، والديكور من الداخل أو الكورة، فهما من ضرورات بيوت الطين. عازل البرد بيوت الطين، الاسم المتعارف عليه لوصف هذه المنازل القديمة، والسبب الرئيسي لذلك سقفها المصنوع من مادة الطين وجدرانها المصقلة من الحجر الثقيل والكبير. وغالباً ما كان يستعمل هذا الحجر في البناء قديماً، بالأخص في المناطق الجبلية المرتفعة، فكان عازلاً فعالاً يحمي الغرف من برد الشتاء وحماوة الشمس في الصيف، وفي أيام الشتاء والمطر لا يخرج صاحب المنزل إلاّ من أجل «حدل» السطح، وإن تراجعت نسبة استخدام فعل «الحدل» في السنوات الماضية، مع تراجع وجود بيوت الطين التي استبدلت بمنازل ذات عمران حديث وسقف من الباطون أو من القرميد. أما تلك التي بقيت، فتقبع على سطحها «محدلة»، وتستعمل هذه الأداة في أيام المطر لـ»حدل» السقف، وذلك منعاً لتشققه كونه مؤلفاً في الدرجة الاولى من التراب. وإن حدث دخول المياه إلى المنزل عبر هذه التشققات الصغيرة، فإنها تكبر مع مرور الوقت. المحدلة تتألف من حجر مستطيل مدور متصل بمسكة حديدية تساعد على دورانه، وقد شاع استعمال المحدلة في حفلات الأعراس القديمة، وكان رفعها من قبل العريس دلالة على قوته، يحدل سقف المنزل خلال هطول الأمطار. إن بيوت الطين ما زالت تقاوم في القرى على أمل أن يحافظ على ما تبقى منها.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©