الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيشة العربية تلفظ أنفاسها الأخيرة على أرصفة لندن

الشيشة العربية تلفظ أنفاسها الأخيرة على أرصفة لندن
29 يوليو 2007 00:57
سواء سميتها الشيشة أو الأرجيلة أو النارجيلة، فهي جزء من الحياة الاجتماعية في الشرق الأوسط وبين أبناء الجالية العربية في المهاجر· في العاصمة البريطانية يمكنك التعرف إلى أهم مناطق تجمع الجالية العربية فقط من رائحة المعسل المنبعثة من عشرات الاراجيل في مقاهي ايدجوار روود أو حي العرب كما يسميه أهل وزوار لندن· وفي هذه الأيام أضحت الأرجيلة أو الشيشة محور أحاديث رواد المقاهي العربية في لندن بعد أن شرعت الحكومة البريطانية بتطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة بما فيها الأرجيلة · هذا المنع أثار نقاشا بين مؤيدين للمنع على رأسهم جهات ومنظمات صحية إقليمية وعالمية ومحلية ترى أن ما يطبق على السجائر يجب أن يشمل الأرجيلة كونها تستخدم نفس المواد وتسبب نفس الأضرار· وبالمقابل هناك مجموعات مناهضي منع الشيشة وبينهم أصحاب مقاهي يرون أن المنع سيضر بأعمالهم ومصالحهم وقد يؤدي بهم إلى الإفلاس ويساندهم مدخنون يرون أن مضار الأرجيلة لا تقاس بمضار السجائر العادية، كما أنها غالبا ما تجمع الأصدقاء حولها في جلسات سهر وسمر· لندن - نواف التميمي: يقول إبراهيم النور الرئيس التنفيذي لجمعية تجار شارع ايدجوار روود أعتقد أن قرار منع التدخين على مقاهي ايدجوار روود سيعود سلبا على أعمال ونشاط المطاعم والمقاهي العربية التي تقدم الأرجيلة ضمن خدماتها · تواصل إنساني ويشير النور الذي يقود حملة باسم مجتمع الأرجيلة إلى أنه يحاول مع أصحاب المتاجر والمقاهي في ايدجوار روود إقناع الحكومة باستثناء المقاهي العربية من قرارها بمنع التدخين في الأماكن العامة، لأن المقاهي والمطاعم في هذا الحي العربي لا تقدم فقط الشيشة وإنما تخلق مناخاً من التواصل بين أبناء الجالية العربية وأوطانهم الأصلية، يقول: في هذه المقاهي يلتقي الشبان العرب، يتناولون المأكولات العربية ويستمعون للأغاني العربية ويتبادلون الأحاديث حول همومهم وشجونهم ويدخنون الشيشة · ويتفق الشاب العربي خالد ترك مع وجهة نظر إبراهيم النور حول البعد الاجتماعي الايجابي لمقاهي الأرجيلة، يقول: أنا لا أدخن الأرجيلة ولكنني ارتاد مقاهي الأرجيلة لالتقاء الأصدقاء، وأشعر بأن هذه المقاهي توفر جوا عربيا مريحا وقريبا للنفس، كما أن أجواء هذه المقاهي تذكرني بالأجواء في مقاهي وطني الأم · متعة سحرية من جانبه يقول حسن عبد الله (طالب جامعي) بينما يجلس في مقهى الدار وسط لندن ويمسك خرطوم الارجيلة في يده: لا أستطيع الاستغناء عنها فكل يوم أقضي عدة ساعات في تدخين الأرجيلة، أجلس مع أصدقائي نتسامر ونتبادل أطراف الحديث فأشعر بمتعة كبيرة، ورغم أنني أعلم أن الإكثار من تدخين الأرجيلة مضر بالصحة إلا أنني اعتدت عليها خاصة مع الأصدقاء · ويدلي صديقه حسين الهوني الجالس إلى جانبه قائلا: بالنسبة لي فأنا لست مدخناً محترفاً، لكن رائحة المعسّل تعجبني وأشتم فيها قوة سحرية لا يمكن مقاومتها، ومن عدة جلسات مع الأصدقاء تعودت على تدخين أصناف معينة من المعسل، و لكنني أحاول عدم الإكثار · من جهته يقول أحد أصحاب المقاهي التي تقدم الارجيلة المعسّل الأكثر رواجاً وسط فئة كبيرة من الشباب الذين يطلبون أصنافا متنوعة، وعادة يرتاد الشباب المقاهي العربية لتدخين الشيشة وتناول المشروبات والمأكولات العربية وربما التحدث بحرية باللغة العربية، ويجدون في هذه الجلسات فرصة للترويح عن أنفسهم · ليست للرجال فقط ولم تعد الأرجيلة وتدخينها في مقاهي لندن تقليدا ينحصر فقط بالرجال، بل أصبحت تشاهد في الأماكن العامة بأيادٍ أنثوية تجتمع حول الاراجيل وتنفث سحبا من الدخان في عاصمة الضباب من دون أن ترى في ذلك أي حرج أو مانع· تقول السيدة رجاء التي تعمل موظفة في شركة سياحة وسفر في لندن الأرجيلة مصدر للتسلية وتمضية الوقت وبالتالي يتساوى فيها الرجال والنساء، و بالنسبة لي فأنا أحرص على عدم التدخين في البيت خاصة أمام الأولاد حفاظاً على صحتهم، وهذا اعتراف مني بأن للتدخين أثارا سلبية، والأمر الثاني كي لا يعتادوا على مشاهدتي وأنا أدخن فيشرعون في تقليدي · أما الطالبة الجامعية أماني فترى أن الأرجيلة أصبحت من متطلبات الانضمام لشلل الشباب ومشاركتهم مغامراتهم غير الخطيرة وهي أيضا وسيلة في بعض الأحيان للفت نظر الشباب · مصدر رزق من جهته يقول أيمن عاصي صاحب مقهى: على الرغم من أنني أقدم وجبات ساخنة ومشروبات باردة إلا أن العائد الأساسي للمقهى هو من الارجيلة · ويشير ايمن إلى أن العدد الأكبر من رواد المقهى يقصدون المكان بهدف التقاء أصدقاء حول الشيشة وربما تناول وجبة خفيفة، وهذا يعني أن حوالي 80 بالمئة من دخل المقهى سوف يضيع، ولهذا بدأت بإعداد نفسي لتقديم خدمة توصيل الارجيلة إلى المنازل ، وهي فكرة اقتبستها من وطني الأم لبنان حيث تقوم بعض المقاهي بتقديم هذه الخدمة المجدية ماديا · غير أن محمد سعيد (مصرفي) يقول: فكرة خدمة توصيل الأرجيلة إلى المنازل جيدة لكن تدخين الشيشة في المقهى له مذاق خاص وطقوس ممتعة مع الأصدقاء لا تتوافر في المنزل، كما أنها تختلف عن تدخين السجائر العادية · ويرى محمد أن منع المقاهي من تقديم الأرجيلة يشابه تماما منع الحانات من تقديم المشروبات الكحولية · خلاف صحي لا يتفق إبراهيم النور مع الآراء أو التقارير الصحية التي تقول إن أضرار تدخين الشيشة تفوق أو توازي أضرار السجائر ويقول: في الارجيلة توجد نسبة لا تتجاوز 10 بالمئة من النيكوتين ولا يوجد أي نسبة من القطران، كما أن أضرار الشيشة تكاد تنعدم إذا كان تدخينها بشكل مناسباتي أي ليس روتينياً أو يومياً · إبراهيم النور الذي يعارض منع الارجيلة في الأماكن العامة يساند قرار الحكومة في منع تدخين السجائر التي أثبتت أبحاث أجريت في العشرينات من القرن الماضي أنها السبب الرئيسي للعديد من أمراض السرطان بسبب ما تحتويه من قطران ونيكوتين · ويمضي إبراهيم للقول: بالمقابل لا يوجد أي بحث علمي أثبت مضار الشيشة · الحملة التي يقودها إبراهيم النور دفاعا عن حياة الشيشة في مقاهي ايدجوار روود لا تعارض إجراء أبحاث حول مضار الشيشة إلا أنها تطالب بعدم منع الشيشة قبل إجراء مثل هذه الأبحاث التي ستفصل في طبيعة مضار الشيشة إذا ما كان لها أي مضار· وللطب رأي ولا ندري إن كان إبراهيم نور ومن معه من المدافعين عن الارجيلة قد اطلعوا على ما قاله الأطباء، وما دعت إليه منظمة الصحة العالمية في هذا السياق، إذ يقول العالم الاجتماعي ـ الطبي البروفيسور اولريش كايل من جامعة مونستر في ألمانيا: إن السجائر والأرجيلة تبعثان نفس كميات النيكوتين إلى رئتي المدخن، إلا أن مدخني الشيشة يستنشقون كميات اكبر من غاز أول اوكسيد الكربون وكميات من القطران تزيد 20 مرة عن القطران الذي يتسرب عادة من السيجارة· وهذا يعني أن الأرجيلة تنفث العوامل المسببة لسرطان الرئة بقوة تتفوق على قدرة السجائر الاعتيادية · ولاحظ كايل، الذي يترأس معهد الأوبئة والطب الاجتماعي في جامعة مونستر، إن تفضيل الأرجيلة في مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط قد امتد ليشمل بعض مناطق جنـــــوب أوروبا ووسطها وفي الولايات المتحدة· وسبق للباحثين البريطانيين أن شخصوا افتتان العاصمتين الأوروبيتين الكبيرتين لندن وباريس بموضة الأرجيلة· وتهدد هذه الموضة برفع معدلات الإصابة بسرطان الرئة الذي يعتبر من أكثر الأورام فتكا بإنسان المجتمعات الصناعية· وحسب مصادر منظمة الصحة العالمية يؤدي استهلاك التبغ إلى موت 5 ملايين شخص· وتقول المنظمة إنه بالإضافة إلى مواد مثل التنباك والتبغ الممضوغ، يكتسب تدخين الارجيلة شعبية متزايدة خاصة بين الشباب· وأشارت منظمة الصحة إلى غياب الوعي بأن أي شكل من أشكال التبغ يضر بصحة الإنسان بنفس قدر تدخين السجائر· وأضافت أنه مع اتخاذ الحكومات في أنحاء العالم لإجراءات أشد صرامة للحد من استخدام السجائر، فإن هذه الصناعة اتجهت بقوة إلى تسويق منتجات أخرى للتبـــــغ، خاصة بين الشباب من الجنسين· وأكد تقرير للمنظمة أن الأشخاص الذين يدخنون التبغ المزود بالنكهات باستخدام الارجيلة، والتي كانت سائدة في الشرق الأوسط وبدأت تنتشر الآن في مقاهٍ في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، يستنشقون كميات خطيرة من أول أكسيد الكربون والنيكوتين والقطران· ويقول العلماء الاميركان من معهد سكريبس في لاجولا إن تأثير النيكوتين المتسرب إلى الجسم لا علاقة له بالمرور خلال فلتر السيجارة أو خلال ماء الأرجيلة لأن النيكوتين يعمل بالتالي على طهي بروتينات الجسم· وأكد العلماء أنهم توصلوا إلى عملية كيماوية لم يسبق للعلم اكتشافها ويشارك فيها النيكوتين، وهي مادة تتوافر في التبغ، وتؤدي إلى تغييرات بروتينية مهمة تقود إلى نشوء التغيرات في الشرايين وداء السكري ونشوء الخلايا السرطانية· حقيقة المنع بعيدا عن الآراء المتعلقة بالجوانب الصحية يرى ربيع حميد صاحب مقهى لبنان في ايدجوار روود أن قرار منع التدخين في الأماكن العامة لا يتعلق بالحد من أضرار التدخين كما تدعي الحكومة، والا لماذا تستثنى الكازينوهات من هذا القرار؟ وجواب الحكومة على مثل هذا السؤال هو أن الكازينوهات تعتبر أماكن خاصة · من هنا يقول ربيع: إن قرار الحكومة يأتي فقط بدافع الحصول على أموال وضرائب جديدة وبالتالي فإن أصحاب مقاهي الشيشة سيحصلون في نهاية المطاف على استثناءات ورخص تصدرها الحكومة مقابل أموال · وفي سياق آخر يقول ربيع: إن خمسين بالمئة من رواد مقهى لبنان هم من البريطانيين الأصليين وهم يأتون إلى المقهى لتدخين الأرجيلة وهو ما يوفر مناسبة لهم للاحتكاك بأبناء الجاليات الأخرى وتبادل الأحاديث معهم، مما يعني أن مقاهي الارجيلة تلعب دورا ايجابيا في التقريب بين أفراد المجتمع بغض النظر أن أصولهم أو أعراقهم · ومن خلال تجربتها الشخصية تقول كارولين ديفوريه: أنا كنت أدخن السجائر ولكنني توقفت عن تدخين السجائر بفضل الشيشة · وتضيف: الدافع الرئيسي وراء منع التدخين هو رغبة الحكومة في توفير أموال إضافية لأن الأموال التي تجنيها من الضرائب غير كافية لتغطية نفقات قطاع الصحة الخاص بمعالجة السرطان، وبالتالي لابد من إيجاد موارد جديدة · وتشير كارولين إلى أن الحكومة البريطانية لا تدرك أهمية مقاهي الشيشة بالنسبة للمجتمع البريطاني، على سبيل المثال فإن منع الشيشة سوف يلحق أضرارا جمة بقطاع السياحة · وتضم كارولين صوتها إلى حملة الدفاع عن الأرجيلة بالقول: على الحكومة أن تجري مسحا لاستطلاع آراء الناس ومعرفة موقفهم من منع الارجيلة، وسوف تتفاجأ عندما تظهر النتائج أن غالبية الأشخاص يؤيدون استثناء الارجيلة من قرار المنع لأن مقاهي النارجيلة تحد من العنصرية وتساعد على التقريب بين أفراد المجتمع متعدد الخلفيات والأعراق والأصول · وتقترح كارولين أن تشجع وزارة الصحة الناس على ارتياد مقاهي الشيشة بدلا من إنفاق ملايين الجنيهات على مكافحة التدخين لأن مقاهي الشيشة تشجع على الإقلاع عن التدخين · على كل حال يبقى موضوع الشيشة حديث المقاهي في بريطانيا وخاصة في ايدجوار روود ، وتبقى آثار منعها رهينة بالمستقبل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©