الإبداع والابتكار ضروريان لزيادة القدرة على المنافسة

حين تكافح المنظمات من أجل تحقيق الازدهار في البيئات المضطربة والتنافسية المرتفعة أو المحافظة عليه فإن الإبداع غاية الأهمية، فالمنظمات تعيش في اقتصاديات غير ملموسة، اقتصاديات المعلوماتية التي تعتمد على السرعة والخيال والمرونة والابتكار والإبداع· ويمكن تعريف الإبداع بأنه التفوق في فهم الأمور والقدرة على تقديم حلول غير مسبوقة لمشكلات قائمة، أوابتكار وإنجاز أساليب وطرق توّصل إلى نتائج متفوقة ومتميزة· ولا يقتصر الإبداع على الجانب التكنيكي لأنه لا يشمل تطوير السلع والعمليات المتعلقة بها وإعداد السوق فحسب بل يتعدى أيضاً الآلات والمعدات وطرق التصنيع والتحسينات في التنظيم نفسه ونتائج التدريب والرضا عن العمل بما يؤدي إلى ازدياد الإنتاجية· ويظهر الإبداع في العديد من المستويات ومنها: الإبداع على المستوى الفردي، والإبداع على مستوى الجماعات، والإبداع على مستوى المنظمات· وميز العديد من الباحثين بين نوعين رئيسيين من الإبداع على مستوى المنظمات وهما: الإبداع الفني ويتعلق بالمنتج سواء السلع أو الخدمات، ويرتبط بتكنولوجيا الإنتاج أي بنشاطات المنظمة الأساسية التي ينتج عنها السلع أوالخدمات· والنوع الثاني وهذا ما سنتطرق إليه بالتفصيل هو الإبداع الإداري ويتعلق بشكل مباشر بالهيكل التنظيمي والعملية الإدارية في المنظمة، وبشكل غير مباشر بنشاطات المنظمة الأساسية· إنه القدرة المتميزة على تحقيق الأهداف والاستخدام الذكي للموارد المتاحة، والتغلب على المشكلات والعقبات بأساليب متطورة وغير واردة في المنظمات التي تفتقر إلى الإبداع والمبدعين· وهنا يأتي دور القائد الإداري المبدع الذي يستطيع اكتشاف نقاط الضعف في المنظمة وابتكار أساليب التغلب عليها، وإدراك نقاط القوة والتميز في المنظمة واستحداث وسائل تفعيلها واستثمارها، وذلك من خلال خلق المناخ المواتي والمشجع على التفاعل والتواصل والتنافس بين أعضاء المنظمة، لكي يتراكم الفكر وتتخلق المعرفة ويحدث تداول للأفكار والمعلومات والتجارب والخبرات بحيث تتحقق للبعض منهم الفرص للإبداع مستفيدين من كل ما حولهم من تحفيز وتشجيع وخبرات وتجارب متراكمة· وإن للشخصية المبدعة خصائص وسمات منها على سبيل المثال لا الحصر: الذكاء، والثقة بالنفس على تحقيق الأهداف وسرعة الاستجابة للمتغيرات وقبول التغيير والتعامل معه بإيجابية والتعاون مع الآخرين والعمل في فريق، والقدرة على استنباط الأمور فلا يرى الظواهر على علاتها بل يقوم بتحليلها ويثير التساؤلات و التشكيك بشكل مستمر· وأخيراً وليس آخراً الثبات على الرأي والجرأة والإقدام والمجازفة والمخاطرة، فمرحلة الاختبار تحتاج إلى شجاعة عند تقديم أفكار لم يتم طرحها من قبل· ومن جهة أخرى بينت الدراسات أنه يوجد العديد من الممارسات التي تقتل الفكر الإبداعي وهو لا يزال في المهد منها ما تتعلق بالأفراد وأخرى تتعلق بالمنظمات كالخوف من الفشل وعدم القدرة على تحمل المخاطر وفقدان التحفيز والتوبيخ العلني، إلى جانب المركزية الشديدة وعدم الرغبة في خلق صراع سلبي ناشئ عن الاختلافات بين الثقافة السائدة في المنظمة وبين الثقافة التي يستلزمها التغيير، والتمسك بالأساليب وطرق الأداء المعروفة حيث إن الإبداع في المنظمة يستلزم في بدايته نفقات إضافية على المنظمة أن تتحملها· أما فيما يتعلق بمحفزات الإبداع فإنه يجب مراعاة إسناد العمل الملائم لخصائص الفرد وقدراته الذهنية ورغباته وتوجهاته النفسية والاجتماعية وإعطاء الموظف الفرصة لكي يقرر بنفسه كيف ينفذ المهمة المسندة إليه، فذلك ينمي الحافز الذاتي وحاسة الملكية لديه، وفي الواقع نجد بعض المديرين يغيرون الأهداف باستمرار أوأنهم يفشلون في تحديد الأهداف وآخرين يمنحون الحرية بالاسم فقط ويدعون أن الموظفين ليس لديهم المقدرة على التوصل لحلول إبداعية· وهناك مسألة بالغة الأهمية لإطلاق شرارة الإبداع ألا وهي تشجيع المشرفين حيث إن معظم المديرين دائماً مشغولون، وتحت ضغط النتائج يفوتهم تشجيع المجهودات المبدعة الناجحة وغير الناجحة، فلابد من تحفيز الدافع الذاتي حتى يتبنى الموظف المهمة ويحرص عليها ويبدع فيها، والمفترض أن يقابل المدير أو المشرف الأفكار الإبداعية بعقل متفتح وليس بالنقد أو بتأخير الرد أو بإظهار رد فعل يحطم الإبداع· كما يستلزم بناء بيئة إبداعية ضرورة تنمية الاتصالات وفتح مجالات التفاعل وتبادل الآراء وتعزيز ثقافة التطوير والتحسين المستمر من خلال البرامج التدريبية، والتوسع في تطبيق اللامركزية، وتخفيف الرقابة الإدارية اللصيقة على الأداء، والشفافية في الإعلان عن معايير تقويم الأداء وربط الحوافز المادية والمعنوية بالأداء ومستويات الإنجاز في العمل· إن الإبداع ليس أن نكون نسخة ثانية أو مكررة، بل الإبداع أن نكون نسخة رائدة وفريدة ولا بأس من ملاحظة تجارب الآخرين والاستفادة من إيجابياتها وهنا يأتي أهمية رأس المال الفكري والذي يعد أهم أصول المنظمات· الابتكار بطبيعته حذِر وفيه الكثير من التحدي والشجاعة لأن التغيير بحاجة إلى همة عالية ونفس جديد خصوصاً وأن الجديد مخيف لأنه مجهول المصير ·