الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الوطن والموْطن

الوطن والموْطن
30 يوليو 2007 02:51
كل منا يعتز بنسبه وأصله، فقراء وأغنياء، أمراء وعامة، متعلمون وأميون، نتفاخر به بين الناس وفي المجالس، نكتب فيه شعراً ونحكي قصصاً ونسطر بطولات، ومنا من يختلق كل هذا ليبدو في موقف القوي المستند إلى تاريخ ما، وجغرافية ما، إنه اعتزاز بالخصوصية·· الفقراء هم أقل الناس اكتراثاً بمرجعياتهم العائلية ومباهاة بأسرهم، لكن حين يصبح الفقير غنياً، فإنه يصنع لعائلته شأناً (وتاريخاً)، بل يبدأ في البحث عن جذوره، التي ربما يجدها ( أو يتمنى لها) أن تعود إلى آل البيت، أو إلى أحد القادة أو الأمراء العظام، لكن السؤال المثير للجدل هو: ماذا لو اكتشف أنه ينتمي إلى موطن مختلف، بقعة أرض أخرى، غير التي وجد نفسه عليها، كأن يكتشف أحد المشارقة أنه مغربي الأصل، أو أحد قاطني بلاد الشام أنه من الخليج وشبه الجزيرة العربية؟ هل سيعمل على العودة؟ وهل تعترف له الدولة الحديثة بكل مستنداته مهما بلغت من الدقة؟ الهجرات التي قام بها الإنسان وتعرض لها، مجبراً أو طوعاً، خلطت الأجناس والأوطان، قسمت الأسر والعائلات، وليس صدفة أن تتشابه أسماء العائلات في كل الوطن العربي· أما الهجرات التي حدثت من أوروبا الغربية وإليها قد تكون أشد وأقوى، فقد أسست تلك الهجرات دولا عظمى، وبنت ثقافات وآداباً وفنوناً، وبات المواطن فيها يعتز ويتفاخر بانتمائه لها، لكن اسمه يفضح انتماءه وجذوره·· لو أردنا اليوم أن نعيد كل إنسان إلى موطنه الأول، نربطه بجذوره الأولى، نجمع شمل عائلته أو قبيلته أو عشيرته، في الوطن العربي أو غير العربي، لوجدنا عشرات الملايين يحملون حقائبهم ويغادرون، ولكن، هل سيتأقلمون بسهولة في الأماكن التي يفترض أنها مواطنهم الأصلية؟ إن اللغة أو اللهجة ستشكل التحدي الأكبر لهؤلاء، ناهيك عن العادات والتقاليد والثقافات والبيئة والمناخ وربما الأديان وغيرها· حديثنا يقودنا إلى موضوع واحد يدور حول الوطن ، معناه ومبناه وفلسفته، وبقليل من التأمل، يتحول الوطن إلى لغة وثقافة وعادات وتقاليد وجيران وأغنيات وعلاقات وصداقات وشخوص وأمسيات، وتفاصيل حارات نشأنا بها، وشوارع مشينا عليها وشجر وروائح وورود، يتحول الوطن إلى لهفة وشوق وحب وذكريات، من يومياته تنبع الروايات ومن جنباته تنهمر القصائد، ويستعد الإنسان للدفاع عن كل ذلك بروحه حين يتهدده خطر ما· أما حين يفتقر الإنسان إلى كل تلك التفاصيل، وتتحول إلى عبء ثقيل تقض مضجعه، وتعكر ساعات يومه، تتسيده فكرة الهجرة إلى بلد آخر، بحثاً عن وطن، عن كل ما يفتقده، فيرفع الراية البيضاء، يستسلم بهدوء وحزن، ويسلم نفسه للأحلام القادمة، دون أن ينظر خلفه، ولكن حين يستقر في مكانه الجديد، ويحقق ما كان يصبو إليه من ثراء واستقرار وعلم ومدنية، وربما جنسية جديدة، تراه يحن إلى موطنه، إلى كل ما كان يشكل له بؤساً ويسبب له غضباً، ويتمنى لو يغادر قصره الجديد ليجلس إلى جانب جدار بيت قديم، يرد تحايا الجيران والأصدقاء والعابرين ·· بعيدا عن الوطن، قريبا من الموطن، يبقى الإنسان ضحية هجراته، فإذا أراد التخلص من كونه ضحية، تحول إلى جلاد، وفي كل الأحوال، البعد عن الوطن، يخفي القبح وينهض الجمال· akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©