الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"العشيق وعويشة والحراز" مسرحية تغرف من خزائن التراث

"العشيق وعويشة والحراز" مسرحية تغرف من خزائن التراث
4 أغسطس 2007 02:25
شهد المسرح الوطني الجزائري ''محيي الدين باشطارزي'' مؤخراً عرض المسرحية الثامنة عشرة في إطار تظاهرة ''الجزائر عاصمة الثقافة العربية'' بعنوان ''العشيق، عويشة والحرَّاز''، وهي مستمدة من قصة شعبية معروفة على نطاق واسع في المغرب العربي، إذ أداها ''مدَّاحٌ'' شعبي مغربي اسمه المكي بن القرشي المولود في نهاية القرن التاسع عشر بـ''أزمُّور'' على ضفاف المحيط الأطلسي، وكان ينتقل بين الأسواق ويؤدي هذه الأغنية الشعبية الشهيرة إلى أن توفى في بداية القرن العشرين، مخلفاً وراءه الكثير من القصائد الشعبية المكتوبة بالعامية، لكن ''العشيق، عويشة والحراز'' تعدُّ أشهرها على الإطلاق· وقد قام المسرح الجهوي ''كاتب ياسين'' لولاية تيزي وزو (110 كلم شرق الجزائر) بتأدية هذه المسرحية بعد أن قام محمد شرشال بكتابة نصِّها وتحويرها مسرحياً، وأخرجتها فوزية آيت الحاج، والملاحظ أن عدد الممثلين كان كبيراً؛ إذ تجاوز الثلاثين، وتقول المخرجة إنها تعمدت ذلك قصد أداء مختلف الألوان الغنائية الجزائرية والرقصات الشعبية المعروفة في مختلف المناطق، واستعانت بأصوات فنانين جزائريين مرموقين أمثال محمد لعراف ومريم وفاء ودنيا الجزائرية، لأداء أغان شعبية مختلفة، وساهم تناسق ملابس الممثلين والسينوغرافيا الجميلة في إضفاء جوٍّ تراثي خالص على قاعة المسرح· أطول مسرحية دام العرض أكثر من ساعتين، ولعله أطول عرضٍ مسرحي منذ بداية تظاهرة ''الجزائر عاصمة الثقافة العربية'' إلى الآن، ولكن الملل لم يدب إلى نفوس المتفرجين بدليل أنه لم يغادر أحدٌ منهم قاعة المسرح قبل نهاية المسرحية، حيث شدَّتهم القصة المؤثرة من جهة والأغاني والرقصات الشعبية من جهة أخرى· وتتطرق المسرحية إلى قصة عاطفية نبيلة بين ''عويشة'' ابنة السلطان و''العشيق'' الذي لم يكن السلطان متحمِّساً له لفقره، وبقيت مشاعرُ الطرفين مكتومة ليكابدَا لواعج الغرام في صمت، وفجأة يحلّ ''الحرَّاز'' بالمدينة، و''الحرَّاز'' كلمة عامية مغاربية تعني ''المُترصِّد'' الذي يمعن في تتبُّع خطوات الآخرين، ويتبين أنه مشعوذٌ يخلط بين السحر والعلاج بالأعشاب، وتتهافت عليه نساء المدينة لـ''معالجتهن'' من السحر والعين وتزويج عوانسهن وجلب العرسان لهن، بينما يتهافت عليه الرجال لإخراج ''الجن'' من أجسادهم ومعالجة قلقهم واضطراباتهم النفسية التي يحسبونها ''مساًّ من الجن''، وبذلك تصوِّر لنا المسرحية مدى استشراء آفة الشعوذة والدجل والإيمان بالخرافات في تلك الفترة، بل إلى حدِّ الساعة أيضاً، وهذا في قالبٍ كوميدي جذاب ترمي به المخرجة إلى تتفيه تفكير المشعوذين وإقناع الناس بأن ما يمارسونه مجرد خزعبلات للضحك على ذقون السذج وجمع الثروات على حساب المغفلين· ترافق زوجة السلطان ابنتها ''عويشة'' إلى المشعوذ ''الحكيم'' لمعالجتها، فيعرف أنها عاشقة، وعوض أن ''يعالجها'' فيقوم بتخديرها بالسحر والدجل لأنه وقع في هواها من أول نظرة وقرَّر الاستئثار بها، وتوهَّم أبوها السلطان أن ابنته قد شُفيت فقرَّب ''الحرَّاز'' منه ومنحه قصراً من قصوره، فقام باختطاف ''عويشة'' وإخفائها عنده، أملاً بإقناعها بالزواج منه، وحينما يستبد الغرام بـ''العشيق'' ويقرر العودة إلى المدينة لمقابلة عويشة بعد أن كان هائماً على وجهه في الفيافي والقفار، يتهمه السلطان باختطاف ابنته ويسجنه، إلا أن العشيق يتمكن من الهرب ويشرع في البحث عن ''عويشة''، وبعد محاولات عديدة يتمكن من معرفة الحقيقة ويطلع الملكَ عليها فيُصدم، إلا أن ''الحرَّاز'' يهدِّدهم بالانتقام منهم بتسليط ''الجن'' عليهم إذا اقتربوا منه، ويحدِّد موعد زواجه بـ''عويشة'' لكن ''العشيق'' والسلطان ومن معهما يتحررون من الخوف والتوجس من ''عالم الجن'' ويقررون اقتحام القصر وتحرير ''عويشة'' وهنا يهرب ''الحرَّاز'' دون عودة، وهي إشارة قوية إلى سقوط الخرافات والدجل التي غالباً ما يصنع الناسُ منها هالات من القداسة التي تكبل إرادتهم فيصبحون أسرى للوهم والزيف، وتُزف بعدها ''عويشة'' لـ''العشيق'' وتنتهي القصة نهاية سعيدة في جو احتفالي بهيج· العرض كان مليئاً بالأغاني العاطفية الجزائرية، وقد حرصت المخرجة فوزية آيت الحاج على تقديم مختلف الأنواع الغنائية المعروفة ومنها الأغنية الصحراوية والأمازيغية والأندلسية·· وقالت إنها أرادت إبراز مدى التنوع الفني وثراء التراث الجزائري، كما قُدمت أثناء المسرحية الكثير من الحِكم والأمثال والألغاز الشعبية الجزائرية وكذا مقاطعَ من قصائد الشعر الشعبي العامي المعروف محلِّياً بـ ''الملحون''، وهي مستمدة في أغلبها من التراث، مما جعل لغة العرض تقترب من الفصحى· ويقول الفنان القدير حميد قوري الذي أدى دور ''الحراز'' باقتدار، إن المسرحية نجحت في تقديم قصة عاطفية عفيفة مستمدة من التراث، وهو أمرٌ ضروري للتأكيد على أن عهد العواطف النبيلة لم ينتهِ بعد في زمن طغيان المادة· مفاجأة كبيرة وبعد أن صفق الجمهور طويلاً للفرقة المسرحية عقب نهاية العرض، حدثت مفاجأة كبيرة أذهلت الحاضرين، إذ صعدت سيِّدة إلى المنصة وعانقت المخرجة فوزية آيت الحاج، ولم يعرفها المتفرجون الشباب ولم يكترثوا لأمرها، إلا أن الوضع تغير كلية حينما خاطبتهم المخرجة قائلة: يسرني أن أقدم لكم الآن المجاهدة الجزائرية العظيمة جميلة بوحيرد! وذُهِل الحاضرون لما سمعوا وصمتوا لحظات عقدت فيها الدهشة ألسنتهم بحكم معرفتهم أن المجاهدة بوحيرد ''معتكفة'' ببيتها منذ استقلال الجزائر، لا تخرج ولا تشارك في المناسبات العامة ولا تدلي بأية أحاديث صحفية، ثم انطلقوا بقوة يطلقون هتافات ثورية ووطنية، وصعدوا إلى المنصة لرؤيتها عن قرب والتحدث معها بعض الوقت، فقابلتهم بترحابٍ مماثل لكنها وجدت بعدها صعوبة كبيرة في الخروج من الوضع، ورفضت كعادتها الإدلاء بأي تصريح للصحافة واكتفت بأن أوصت الشباب بالجزائر خيراً والتقطت معهم صوراً تذكارية وغادرت بعدها قاعة المسرح·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©