الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطفال يلعبون.. بين شواهد القبور

أطفال يلعبون.. بين شواهد القبور
4 أغسطس 2007 23:32
''عندما يحين الليل، أدخل بتلقائية الى غرفتنا وأختبئ في الداخل، وحين اضطر للخروج لتناول شيءٍ ما، أرتجف خوفاً وأتخيل وجوهاً تلاحقني أينما ذهبت حتى أكاد أشعر بالتبول على نفسي··· ولو حضرت دفن احد الأشخاص لا يمكن أن تفارقني صورته لأشهر طويلة· أحلامي كوابيس، وفي معظمها أرى أحد الأموات يدفنني حياً···عندما أكبر أريد أن أكون طبيباً للأسنان أو مهندساً كي أبني أجمل القصور''· تلك هي الكلمات التي يقولها رامي (12 عاماً) عندما يسأله أحدهم عن شعوره وهو يعيش وسط القبور· في مقبرة تتوسط مدينة بيروت يعيش أديب العنتابي مع عائلته المكونة من زوجته وأولاده روي(14 عاماً)، رامي(12 عاماً) ولورا(10سنوات)· في البداية رفضوا التحــدث، لاعتقادهم أننا من احدى الجمعيات التي تأتي بحجة المساعدة، تلتقط صوراً لأطفال يلعبون الى جانب القبور لتتاجر بها وتكسب أرباحاً ثم تذهب إلى غير رجعة· إلا أن الظروف الصعبة دفعت ''أم روي'' للتحدث بكل أسى قائلة: أولادي لا يعيشون مثل بقية الأطفال فهم يعانون من الانطوائية والكبت النفسي، ونظراً للحالة المزرية التي نعيشها وضعتهم منذ 4 سنوات في مؤسسة خيرية، لكني شعرت أني لا أستطيع العيش بعيداً عنهم ولما طلبت استردادهم من المؤسسة، اتُّهمنا بالمتاجرة بأولادنا في المؤسسات الإعلامية··· اليوم وضعت أولادي في مدرسة مجانية ولا أدفع سوى رسوم التسجيل، فلا يمكن أن أفرّط في تعليمهم ولو تسولت· أحلام لورا كانت عائلة عنتابي تسكن منذ عام 1991 في منزل شبه مهدم مقابل مقبرة، لكنّ المالكين طالبوا بعد فترة بإخلاء المنزل والرحيل، فلم تجد العائلة ملجأ لها سوى المدافن، وهم يسكنوها منذ 7 سنوات· تحلم لورا (الإبنة الأصغر) ببيت صغير يجمعها مع إخوتها ووالديها· وعندما تكبر تتمنى أن تصبح مصففة شعر كي تهتم بشكلها· بينما يحلم رامي أن يلعب في حديقة كبيرة تكون له وحده، وعندما يكبر يريد أن يكون طبيب أسنان· أما روي فيعمل الآن في محل للحلاقة ويتقاضى 3 دولارات يومياًّ ربما يستطيع أن يساعد بها والديه· ابن القبور وفي مقبرة أخرى في إحدى القرى اللبنانية، يسكن وليد (10 سنوات) مع عائلته المكوّنة من خمسة أفراد في غرفة صغيرة، ولا يتخطى حلمه العيش في منزل صغير لكي يصبح مثل باقي أولاد البلدة الذين يعيرونه دائماً بالقول ''يا ابن القبور ''· وعلى شاكلته تعيش سارة (شقيقته) التي لم يتجاوز عمرها 4 سنوات، والتي ولدت في هذا المكان واعتادت على رؤية الموتى أكثر من الأحياء· سارة كانت تلعب بين القبور، ولما لمحتني أقترب منها هربت واختبأت وراء شاهد ولم تتحرك من مكانها حتى أتى وليد وحملها الى داخل الغرفة التي يسكنون فيها قائلاً لها: 'ما تخافي مش جاي تدفن حدا''، عندها خرجت والدتهما من الغرفة بعد سماعها صوت أشخاص وقالت: ''لا كلام ولا تصوير···ابعدوا عنّا···لا نريد أن يعطف علينا أحد···لبرّا''· يصعب الكلام عن الاطفال الذين يعيشون ويتعايشون مع القبور ليلاً نهاراً، وهو ما يظهر جلياًّ في شخصية كل من التقيناهم، إذ يعتريهم الخوف والصمت وربما الخجل· هذا ما أكده الطبيب النفسي الدكتور أحمد عياش، قائلاً :''إن الأطفال الذين يعيشون بين القبور منذ الولادة، تصبح الشواهد بالنسبة إليهم مثل الديكور، في حين أن من يدخلها للسكن بعد عمر 4 أو5 سنوات، يتحول الأمر عنده إلى مصدر إزعاج وإرباك وربما تكون نواة متحركة لحالات اكتئاب في المستقبل· فمثل هذا الطفل يعيش حالات دفن موتى يومية(جثة يجري إنزالها داخل القبر، نواح نساء، صراخ وبكاء وحزن شديد) تُسبب له الحد الأعلى من الخوف والقلق وربما التمرد حتى تصل به الى حافة الكفر أكثر منه الى حافة الإيمان بعد البلوغ، وذلك نتيجة الحالة الانتقامية التي ولدت لديه·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©