الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تغلبت على رهبة الموت بالاستغفار

تغلبت على رهبة الموت بالاستغفار
4 أغسطس 2007 23:32
رحلة طويلة وصعبة قطعتها منذ قررت أن تدرس تخصصاً صعباً ونادراً، لا يقبل عليه الرجال فكيف يكون الحال مع النساء؟ وفي رحلتها هذه رأت جرائم كثيرة··· تفرست في جثث عديدة··· وقفت أمام الموت وجهاً لوجه··· ودخلت إلى مسرح الجرائم لتصوغ فصول حكاية لحمتها وقوامها التحدي والإصرار· إنها حكاية الحلم والطموح الذي لا يقف في طريقه عائق مهما كان قاسياً عندما يتحلى صاحبه بالإرادة والعزيمة، ولم يكن ينقصها شيء منهما، بل توافرت لها إلى جانبهما قدرات وملكات أخرى مكنتها من تجاوز كل الصعوبات وتحدي كل المعوقات لكي تحقق رغبتها في دراسة التخصص الذي تحبه، أما التخصص فهو ''الطب الشرعي''، وأما صاحبته فهي الدكتورة فاطمة الخميري أول إماراتية (من الإناث والذكور) تتخصص في هذا التخصص النادر، وأول امرأة في الخليج تضع قدميها في حقله··· وهنا تفاصيل الحكاية: تقول الخميري في معرض إجابتها على سؤال عن السبب الذي دفعها إلى اختيار تخصص صعب ونادر يعزف عنه حتى الرجال: ''اخترت هذا التخصص لأنه نادر ليس فقط على مستوى الدولة أو دول الخليج بل على مستوى العالم، فضلاً عن أنه تخصص شائق ورائع وإنساني، وهو يجمع بين الطب البشري والقانون وعلم الجريمة، وأستطيع أن أقدم من خلاله خدمات جليلة للوطن الذي لم يبخل علينا بشيء''· عارضوا ثم وافقوا لكن الأمر لم يكن سهلاً، وعلى الرغم من أن الأسرة متفهمة جدا، إلا أن التفكير بتخصص من هذا النوع لم يكن من السهل تقبله، نظراً لعدم وجود الوعي الكامل لدى أفراد المجتمع بطبيعة هذا التخصص وأهميته، وهذا ما واجهته الدكتورة فاطمة الخميري في بادئ الأمر حيث رفض الأهل رغبتها· لم تندهش من ردة فعل الأهل، وعملت بدأب على إقناعهم، تقول: ''كان تفهم والدي لرغبتي، وإلحاحي في أن يأذن لي باستكمال دراستي العليا سبب نجاحي، أما عن نظرة الزملاء والمجتمع فهي نظرة فخر واعتزاز· ولا أخفيكِ أنني أتلقى عادة الكثير من المكالمات من زملاء لا أعرفهم وكلها تحمل المدح والثناء وتحثني على الاستمرار، إضافة لرسائل الشكر والثناء من بعض الدبلوماسيين والسفراء ومنهم سفير دولة السويد بالدولة''· طبيعة العمل كثيرون يسمعون بالطبيب الشرعي وربما لا يملكون أدنى فكرة عن طبيعة عمله، ولهذا سألنا الدكتورة فاطمة الخميري أن توضح لنا طبيعة عملها، فقالت: ''الطب الشرعي هو أحد تخصصات الطب البشري، بمعنى لا يمكن للطالب دراسة الطب الشرعي إن لم يكن حاصلاً على بكالوريوس طب عام وجراحة· وهو تخصص يعنى بجميع الأمور الطبية ذات الصلة القانونية أو القضائية· ويختص الطب الشرعي في دبي بفحص حالات الإصابات كإصابات العمل، المشاجرات، الحوادث، القضايا المدنية، تقدير العمر، تعاطي المخدرات أو المشروبات الكحولية، الإجهاض الجنائي، الحمل غير الشرعي، الممارسات الجنسية غير الشرعية، فحص المشتبه فيهم، بالإضافة لفحص حالات الوفيات لمعرفة سبب الوفاة في حالات الوفاة الطبيعية أو المرضية ووفيات الحوادث والانتحار والحالات الجنائية كالقتل العمد''· في مواجهة الموت واجهت الدكتورة فاطمة في بداية عملها عقبات كثيرة، تماماً كما في كل مهنة، وترى أن كل ما على المرء فعله للتغلب عليها هو أن يدرسها ويدرس إمكاناته الشخصية، ويحاول أن يطور نفسه من خلال اكتساب مهارات جديدة تعينه على التصدي لهذه العوائق، وإيجاد حلول علمية وعملية لها· وحين قلت لها: لكن ''رؤية الموت'' عائق لا يوجد في كل مهنة، أجابت: أما هذه فأمر آخر، لقد تغلبت على رهبة النظر إلى الموتى بأن أستغفر لنفسي ولهم، ومن ثم أبدأ بطريقة علمية فحص الحالة ظاهرياً، وتحليل كل إصابة ووقت حدوثها وكيفية حدوثها والأداة التي أحدثتها وهكذا··· في مسرح الجريمة لا تنسى الدكتورة فاطمة الخميري المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى مسرح الجريمة، وما زالت تذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله: ''كانت الجريمة قضية قتل طعن فيها القاتل المقتول عدة طعنات أدت للموت، وكان مسرحها منطقة نايف في دبي، وكنت برفقة الدكتور رائد المؤمني وحضر المسرح سعادة العميد خميس مطر المزينة مدير إدارة التحريات والمباحث الجنائية، بالإضافة لعدد من ضباط جرائم النفس ووكلاء النيابة العامة بدبي، واعتقد أن حضوري كان مستغرباً بعض الشيء، ولكن سرعان ما أبدى الجميع الرغبة في تعليمي أساسيات التعامل مع مسرح الجريمة''· دروس كل تخصص يضيف الكثير إلى شخصية من يمارسه، لكن بعض التخصصات لها أثر مميز، وحريٌّ بتخصص من هذا النوع أن يكون له أثر خاص في شخصية الدكتورة فاطمة الخميري التي تؤكد أنه أضاف لها الكثير، فمنه ''تعلمت الصبر وعدم التسرع في الحكم والدقة المتناهية والحذر والاستمتاع بكل ثانية في الحياة، لأن الحياة قصيرة وهي أغلى ما نملكه، والإنسان بيده أن يصنع سعادته لا أن ينتظرها، ولا ينسى طبعاً نصيبه من الآخرة، مصداقاً لقول الله العزيز الحكيم: ''ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار''· الجنس اللطيف و القلب الضعيف لا شك في أن الدكتورة فاطمة تملك ''قلباً قوياً''، لكن الطريف، أنها توافق ولا ترفض الرأي الذي يعتبر أن المرأة ''قلبها ضعيف'' في العادة، وبالتالي من الصعب أن ينخرط ''الجنس اللطيف أو الناعم'' في هذه المجالات التي تتطلب قوة الرجال وصلابتهم، لكنها تستدرك على هذه الموافقة بقولها: ''صحيح أن الجنس الناعم مرهف الحس، ضعيف القلب، لكن المرأة في المواقف الصعبة تبرز شجاعتها وقوة عزمها، ففي الماضي كانت أمهاتنا وجداتنا هن مدبرات المنزل أثناء غياب الزوج الطويل لكسب القوت، ومثالنا الذي نقتدي به هي ''أم الإمارات'' في مواقفها التي لا تحصى، وقوة عزمها وشجاعتها ووقوفها إلى جانب والدنا الشيخ زايد ''رحمه الله'' خير دليل على صلابة المرأة وقوتها عند الحاجة، إلى جانب أمثلة كثيرة للطبيبات اللائي برزن وأثبتن قوتهن وحضورهن في مجالات عدة منها الجراحة العامة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©