الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأفعى.. حارسة الماء في الإمارات قديماًً

الأفعى.. حارسة الماء في الإمارات قديماًً
1 مارس 2017 19:14
يدهشني حضورها! في أغلب أشكال الفن الأولى التي مارسها الإنسان على أرض الإمارات منذ العصر الحجري القديم، حين عُثر عليها في عدد من المواقع الأثرية في الدولة سواءً على أحجار غرينية نهرية، أو ملتوية على جرة ماء، إنها الحيوان الملتصق بالماء والبئر، يحظى بقوة مغناطيسية نادرة في تجسيد الصراع بين النور والظلام، الخير والشر، العطش والرواء، المرض والشفاء. إنها الأفعى... ملكة الكاريزما والسحر نجدها حاضرة على الحجر القديم كرسم طبيعي متكرر، كتلك الصخور التي أصابها الكثير من التلف وسوء الحفظ وآثار الزمن والتي عثر عليها في مدافن أم النار، والهيلي، حيث يهيمن عليها الرسم الأفعواني كرمز غامض برز بحفر لخنجر، على ما يبدو، رسوم متكررة لأيادٍ وأقدام وأطفال بالغين على هيئة ثعابين. بدأت أتساءل عن خيال الإنسان القديم، وروحه التي تنغمس في جوهر المخلوقات وتخلق تفاهماً صمتياً مع طبيعتها وأجسادها، تقدّسها مهما بلغت من بشاعة وشر. ذلك الإنسان الأكثر تحرراً وشجاعة في فهم الوجود، بخياله ونظرته التي ينبثق منها تنوع المعنى الدلالي للأشياء والكائنات، لم ينظر للأفعى من زاوية الخوف والخراب فحسب بوصفها مخلوقاً تسكن فيه الأرواح الشريرة وإنما هي حارسة عالمه الأرضي المادي، حارسة ينابيع الحياة والخلود والقوة البدئية في الكون، امتد هذا الدور ليؤدي نفس الوظيفة في عالم مفارق هو عالم الغيبيات، عالم الروح الطيبة أو (المؤمنة)، رأى في الأفعى قدرات خارقة تعد الأساس الأول لصياغة الأساطير والعبادة من حولها، عبد الأفعى لذاتها، لمنفعتها وألفتها وقوتها، أو عبدها بوصفها ممثلة لروح الإله المعبود أو الأرواح بصفة عامة. أغلب الظن وحسب ما نقش من أفاع على الصخور واللقى الأثرية أن الأفعى في الإمارات القديمة عبدها الإنسان البدائي بوصفها المألوف، إما خوفاً منها على عادة الشعوب البدائية التي توجهت بالتقديس إلى الكائنات المخيفة اتقاءً لشرها، أو اعتقاداً أنها تتقمص أرواح الموتى، فهي حارسة تتقمصها روح الأجداد، تحرس الماء والمقدسات وتحمي الإنسان وأملاكه في الأرض. للأفعى حضورٌ واضح ٌ في ثنائية الحياة والموت، طرد وجلب الشرور والمساعدة في العلاج من الأوبئة والأمراض أو ما يتعلق بطقوس الخصب والنسل، والأهم من ذلك، في دورها الأسطوري في تشكّل المعتقدات الدينية، بحيث لا تكاد تخلو ديانة قديمة من دور مميّز وبارز للأفعى (الأنثى) أو الثعبان (الذكر). إن لكل ثقافة ثعبانها في الأساطير، وغالباً ما ينظر إليه على أنه رمز للحكمة والطب والمعارف السرية والسحر والخلود والتجديد المستمر للحياة، أما الأفعى فهي رمز للإلهة الأم العظيمة والطاقة الكونية المؤنثة. وعودة إلى تأمل أفعى الحجر والفخار الإماراتي، يولد السؤال الأول، في أي عصر تاريخي انبثقت هذه العبادة وشاعت وباتت واضحة الطقوس والممارسة حتى بلغت ذروتها وتكونها وقمة نشاطها، وما السلسة الزمنية التي مرت بها؟ معبد الثعابين القصيص هو تل صغير، قرب مدينة القصيص القديمة التي كانت معظمها بيوتاً مشيدة بالصفائح المعدنية والأخشاب، حيث إمارة دبي، تتكون طبوغرافيتها من أرض منبسطة تماماً، تتخللها بعض المرتفعات الكلسية، تتصل بكثبان رملية ذات لون برتقالي قليلة الارتفاع، وثمة ثعابين حية تختبئ في أعماق التل. المكتشف الحقيقي له هو الآثاري العراقي د. منير طه. وحسب مذكرات طه في الكشف عن الأبجدية الأولى لهذا الموقع، فقد كان التنقيب في غاية الصعوبة والحذر، تعرّض أفراد الفرقة للكثير من مخاطر لدغات الثعبان ولعنات هذا الإله القديم. لم يعثر في الموقع على بقايا بنائية إلا القليل، كشف فيه الكثير من المواد الأثرية، وكسر فخار لها علاقة مباشرة مع طقس عبادة الثعابين، لا محالة. في ألم فكري ومخيلة شاردة يقول د. منير طه: «إن هذا التل يجب أن يكون ذا انتماء بالطقوس التي تذكّرنا بالبطل الأسطوري السومري كلكامش». حسب الدراسات حول هذا الرمز ونقوش الثعابين فإن رسم الأفعى لم يكن شائعاً في العصر البرونزي في الإمارات، فليس ثمة دليل مادي مقنع على وجود الاهتمام الروحي بالأفعى عند سكان ذلك العصر، لكن المدلول الروحي للأفعى صار معروفاً على نطاق واسع في العصر الحديدي، حيث من المعروف أن عبادة الأفعى كانت شائعة على نطاق واسع في ذلك العصر. والدليل هو امتداد الفن الأفعواني من الحجر ليرتكز على الفخاريات وجرار التخزين الرائعة والقطع البرونزية، ومؤخراً حسب معثورات الموقع الأثري في ساروق الحديد فقد طالت الأفاعي القطع الذهبية والخرز والمجوهرات البارعة الصنع كأحد أشكال التعبير الطقوسي في فن الزخرفة الرئيسة، والذي ارتبط بالاعتقاد الإقليمي السائد آنذاك. الجدير بالذكر أنه منذ إجراء الحفريات من جهة فرقة الدكتور منير طه في الموقع الأثري في دبي المسمى بتل الثعابين في سبعينيات القرن الماضي إضافة إلى ما تلاها من تنقيبات أثرية للبعثة الفرنسية في منطقتي مسافي والبثنة في إمارة الفجيرة، والبعثة الأردنية في موقع ساروق الحديد في إمارة دبي، والأسترالية في مويلح في إمارة الشارقة، برز القبول الواسع لفكرة احتمالية ممارسة طقوس عبادة الثعابين في العصر الحديدي تحديداً. هذا ما نستوحيه من خلال قراءتنا لكل الدراسات والتقارير التي وثقت حركة التنقيب والمستخرجات التي حوت شكل الأفعى في كل صورها المتمددة أو الملتوية. ولو تساءلنا حول الفكرة الروحية ومدلول الأمان الخالص المستمدة من هذه العبادة عند القدماء في الإمارات، لن نخرج إلا بسؤال أعمق: كيف للثعبان الشرس، هذا المخلوق المرعب القادم من الموت وسطوة فكرة الجحيم في خيال البشرية أن يكون إلهاً؟ ذلك الحيوان المتسلل برعب وحقد زاحفاً في الأحلام والرؤى مهدداً متربصاً على هيئة عدو يتلوى، ليستقر في الوعي الغائب كروح شريرة وشياطين ضخمة مانعة أشعة الشمس من الظهور على النفس، تلك النفس المصابة بالكرب المبرح، تنعكس منها صور الثعابين في الأحلام. لعله الخوف المتوارث من الأجداد اللاحقين الذين عاصروا زمن الجفاف والمجاعة والعطش، في فترة تلاشي الماء الذي خلفت نتائجه انحسار الكثير من العبادات، كعبادة الأنهار والعبادة الثعبانية، لا شك بأن النفس في اللاوعي قد تسرّب إليها جزء عظيم من ذلك الخوف الصحراوي، ففسرت رمزية الثعبان من زاوية أحادية، زاوية الخوف والرعب والخرائب. مجدداً السؤال أعلاه يمكن أن ينفتح على أسئلة أكبر: من أي جهة في العالم اقتبسنا فكرة عبادة الأفعى وانغمس الإنسان القديم بها؟ كيف تعايش السابق مع اللاحق؟ هل ثمة تواتر في طقس العبادة؟ وعن أي أسطورة وعبر أي مخيلة تسربت إلينا؟ وهل كانت شبه الجزيرة العربية - في عزّها النهري ما قبل العصر الحجري المتأخر - هي الحاضن الأول والمُصدّر لعبادة الثعابين؟ أم أن هذا الإله هو أحد المعبودات المشتركة للشعوب القديمة منذ بدء الخليقة؟ معبود في علاقة ديناميكية نشطة مع الإنسان، ثم لم تثبت العلاقة على حالة واحدة، ذلك أن تاريخ البشرية قد شهد تقلبات وتغيرات في هذه العلاقات ورموزها من عصر إلى عصر، ومن تصور حضاري إلى آخر، وتأرجحت كمثيلاتها بين معاني الخير والشر والتقديس والتحريم. معبود الحضارات القديمة في النصوص السومرية: كانت في البدء (نموّ) الإلهة السومرية الأولى، الأم الأولى، ويعني تحليل اسمها (ماء الأم)، المياه الأزلية القديمة التي ظهر منها الكون كله، والإلهة كلهم. لكن كيف هو شكل الإلهة نموّ؟ استطاع السومريون تحديد رمز كوني لها، فأصبحت (الأفعى التي في فمها ذيلها) أو التي (تعضّ ذيلها) رمزاً للإلهة الأم الكبرى (الكونية). تلك الإلهة المائية (نمو) هي نفسها التي التفت في صورة أفعى تسعى للخلود والتجدد والأبدية، حين شمّت شذا النبات السحري للبطل السومري (كلكامش)، وفرضت لنفسها حق امتلاك تلك المعجزة والسطو على باب الخلود بأكل النبتة، فصار جلدها يتجدد كل عام، ومن هذه الأسطورة نشأت عادة اتخاذ صورة الحية رمزاً للطب والحياة والشفاء. في المقابل كانت الأفعى التي حطمت آمال كلكامش ونفت عنه قدر الخلود، هي نفسها التي أنذرته من مواصلة الرحلة على السفينة، وفسر كلكامش إخفاقه في حفظ نبتة الخلود بأنه نذير له من الأفعى أن يترك السفينة ويعود براً مع الملاح (أور شنابي) الذي نفاه سيده (أوتو نبشتم) فجاء مع كلكامش. أفعى بابل ثمة أفعى في حضارة بابل تدعى أفعى الطوفان، وكانت تُعبد وتقدّس، ويُروى حسب الأساطير البابلية أن الإله (أيا) اتخذ من الأفعى ذات الرؤوس المتعددة شعاراً له، مثلما اتخذها الإله (مردوخ) شعاراً له كذلك بعد أن أسرت إليه الأفعى ذات الرؤوس السبعة بالطوفان فقام ببناء سفينة النجاة العظيمة، وكانت هذه الأفعى هي التي جذبت حبال السفينة وربطتها إلى الشاطئ، والمعروف أن الإله (مردوخ) كان يعبد بوصفه إله النهر ذي الأفعى العظيمة. أفعى الهند ما تزال الهند من أشهر المناطق التي تحافظ على طقوس عبادة الأفعى وتشييد معابد لها منذ فجر التاريخ حتى الآن، يقيمون لها الاحتفالات على نطاق واسع، خصوصاً في عيد يسمى (ناحابا نشامي) أو عيد الأفاعي، حيث يطلقون سراحها يومها وتعرض للبيع للجمهور، وتوجد مزارات لها، كما يوضع حجر مستدير يحج الناس إليه حاملين القرابين والأضاحي والزهور والمشاعل المضيئة. قاتل أفعى الكوبرا في الهند عقوبته الإصابة بالعقْم، أو تعريضه للدغتها ونهشه بأنيابها وإصابته بسمومها! لا أعتقد بوجود شعوب في العالم تقدّر الأفعى مثل شعب الهند، ارتبطت عبادة الأفعى الهندية برمزية مياه البحر والأنهار، فالأفاعي هي حارسة ينابيع الحياة والخلود وثروات الروح العليا، والتي يرمز لها بالكنوز الدفينة. وفي أسطورة بوذا، لف الثعبان نفسه سبع مرات حول جسد بوذا (كما في تماثيل ميثاريك كرونوس)، وحيث إنه لم يتمكن من سحقه فقد تحول إلى شاب راكع أمام جوتاما. الأفعى الإغريقية: منذ زمن بعيد قدس الإغريق الأفعى، ويقال إن الملك سيكروس أول ملوك أثينا كان على هيئة نصف رجل ونصف أفعى! عند الإغريق يبدو شكل الأفعى المتموج شبيهاً بأمواج المحيط، ولعل ذلك يرمز إلى حكمة الأعماق والأسرار العظيمة. وفي المقابل فإن الأفعى هي رمز عدو الإغريق، إذا ما عندنا إلى قراءة الإلياذة: فإن هنريك زيمر يروي أن نسراً تبدى للإغريق حاملاً بين مخالبه أفعى جريحة. وبهذا قد مثّل انتصار النسر على الأفعى بشارة بنصر الإغريق على العدو. أفعى غينيا من عادات قبيلة الأماكسوما في غينيا الجديدة أن تقام طقوس التطهير لقاتل الأفعى، إذ يتحتم على قاتلها أن يرقد في ماء جار لمدة عدة أسابيع، وفي هذه الأثناء لا يستطيع أي إنسان أن يؤذي حيواناً أياً كان نوعه ثم يحمل جسد الأفعى القتيل ويكفن ويدفن بجوار حظيرة مواشٍ. أفعى الصحراء إنها أحد رموز (الغولة) كائن بشع خرافي مرعب، مرتبط بالظلام والمفازة والسطو، ينظر الصحراوي للثعبان بأنه ابن الشيطان، مخلوق للخراب وإصابة البلاء والجفاف. وقد عزز ذلك الانطباع الكثير ما ابتدعه خيال الإنسان وخرافات الأجداد وأساطيرهم في الصحراء. أفعى الرومان هناك أشكال غير مألوفة للأفاعي مثل الأفعى التي لها رأس ماعز، على سبيل المثال في المنحوتات البارزة لبعض القبور الرومانية. ومن زاوية تفضيل المعنى الرمزي للماعز (الأفعى مرتبطة مع برج الحمل والربيع والاستهلال والنار)، فان هذا التكيف يتضمن درجة من الروحانية. الأفعى رمزاً تستمد الرموز على مدى التكوين الأساطيري للشعوب من قوة مركزية في الكون، من طاقة هائلة خالصة تكاد أن تهيمن على عناصر الطبيعة أو تكون أحد أضلاعها الممتدة في الوجود، متأصلة فيه، تضاعف من هيبته وعمقه ونقطة ارتكازه في الكون. يعتقد زيمر أن الثعبان هو قوة الحياة التي تقرر الميلاد والانبعاث (تجدد الولادة) وهو بذلك مرتبط بعجلة الحياة. سيدة الشجر الأفعى تتفاعل مع الشجرة وتمنحها الخصوبة والحياة، في قاموس الرموز ج ئي. سيرلوت، بعيداً عن الوضع الدائري أو الكوني الذي تنحو الأفعى لاتخاذه وصفة الكمال التي تتضمنها، فان الأفعى غالباً ما ترتبط برموز أخرى وأشهر هذه الرموز هو الشجرة، والتي رغم أنها وحدة متكاملة فيمكن القول إنها تتطابق مع العنصر الذكوري في حين أن الأفعواني يمثل الأنثوي. في التصور الميثولوجي للوجود القديم، حيث الشجرة والثعبان هما تصوير سبقي لآدم وحواء، فثمة عداء استحكم بين الحيّة وأولاد حواء من بعد الإغواء، حيث أمر الله بذلك، كعقوبة فرضها على آدم وحواء وذريتهما من بعد أكلهما من شجرة الجنة المحرمة. من ألقاب الثعبان (سيد الشجرة المثمرة أو شجرة الحياة). يمكن للثعبان أن يكون إله الخصوبة أيضاً، وهو مسؤول عن نمو جذور الأشجار، ذلك أن جذور الشجرة تستخلص الغذاء من باطن الأرض ولها شكل أفعواني يشبه الثعابين، بالإضافة إلى مسؤوليته عن اخضرار الأشجار في فصل الربيع. حارسة الآبار والعيون المتأمل للفخاريات المكتشفة في تل الثعابين في إمارة دبي، والتي حوت نقوشاً بارزة ومحرزة لهيئة الثعبان، قد أعطت أكثر من مدلول للذوق الفني والروحي لسكان موقع القصيص القدماء، على إحدى الفخاريات يُشاهَد ثعبان بارز يمتد طويلاً من الفوهة وحتى القعر تقريباً، ورأسه يبرز إلى الخارج، ولعل الناظر إلى هذا الثعبان يجده وكأنه يهم بشرب الماء الذي يحفظ في هذا الإناء. يقابل هذا الثعبان، ثعبان آخر بارز وملتوٍ، يحوي جسمه دوائر صغيرة للدلالة على الحراشف، يلتوي هذا الثعبان حول الإناء. ولا شك أنه كان حرزاً وحارساً لماء الإناء حسب مدلولات الأساطير السالفة للشعوب القديمة. فالأفاعي تشتهر بوصفها حارسة الآبار وعيون المياه. الأفعى التي سرقت أخشاب الخلود من جلجامش، كانت تقيم بجوار نبع ماء وتقوم بحراسته. كما أن الأفعى هي من بين كل المخلوقات الموكل إليها حراسة النهر والمستنقعات في الحضارة البابلية القديمة. ومن هنا فقد كان الإله (أيا) الذي اتخذ من الأفعى ذات الرؤوس المتعددة رمزاً له يسمى إله النهر ذي الأفعى العظيمة. وكان التنين (الهيدرا) الذي قتله هرقل يقوم بحراسة مستنقع ليرنا وعين المياه التي قاتله هرقل بجوارها، ولقد كان الهيدرا يسمى حارس المياه. أيضاً نجد الأفعى حارسة الماء في الميثولوجيا الإسلامية، تلك الأفعى الضخمة التي كانت تحرس بئر زمزم، والتي تشرف على جدران الكعبة، هي التي تقوم بحراسة بئر زمزم وتمنع عنه المعتدين، وهي التي تصدت كذلك للذود عن مكة المكرمة، ويروي الثعالبي في كتابه (قصص الأنبياء المسماة بعرائس المجالس) عن تلك الحية الرهيبة التي كانت تهم بالوقوف على ذنبها في أعلى حائط بالكعبة الشريفة، كلما رأت قوة معادية لقريش تريد هدم البيت الحرام، أو كلما رأت قريش ضرورة هدمه لتجديده، ولم تتمكن قريش من هدمه لتجديده إلا بعد أن خطف الحية نسر من النسور وطار بها. أفاعي الطلاسم السحرية تشتهر الطلاسم العربية على الوجه الأخص بوجود رمز الثعبان الذي يعض ذيله، فهو عند السحرة يرمز بالخلود إلى ما لا نهاية، إلا أن هذا الرمز له جانب أسود مظلم، وموغل في التوحش الإنساني والإيذاء ورغبة سحق الآخر من الوجود، وذلك حين يتم ربط صورة الإنسان برسم لعجلة دائرية أو الثعبان الذي يلسع ذيله، نصف هذا الرسم في الظلام والنصف الآخر في النور، والذي يبين بوضوح ازدواجية الأفعى وارتباطها بكلا جانبي الدائرة (النشط والخامد، الإيجابي والسلبي، الباني والهادم). عند الشعوب العربية القديمة كان رمز الأفعى يوضع على الجدران أو في واجهة البيت كتعويذة لاتقاء العين الشريرة والحاسدة ولمنع دخول الأرواح الخبيثة إلى البيت، لأن الموقف منها كان ينقسم إلى قسمين، قسم يرى أنها تسكنها روح صالحة تحرس البيوت من الأذى، وقسم آخر يرى فيها روحاً شريرة تسعى إلى الأذى. أفعى التنجيم اشتهرت صورة للإله- الثعبان ننجشزيدا المطبوعة على لوح طيني، يعود إلى فترة متأخرة من الحضارة العراقية القديمة (الفترة الفرثية أو السلوقية)، يبدو فيها ننجشزيدا بهيئة ثعبان عظيم، مكلل بالشعر، لديه قدمان أماميتان، يقف فوقه أسد. يُعتقد أن المشهد له علاقة بالأبراج السماوية، وربما ينطبق رمزه على صورة الأفعى المنقوشة على العديد من أحجار الأراضي التي تؤرخ إلى الفترة البابلية الوسيطة (السلالة الكاشيّة)، حيث نقشت الأفعى مع رموز أخرى لإلهة باعتبارها رمزاً للإله مردوخ. الثعبان في الأبراج الصينية الشخصية الثعبانية مائية في الأبراج الصينية، وتكاد تتطابق في بعض طبائعها وسماتها وأمزجتها مع مواليد برج العقرب في الأبراج العربية، من حيث الحدس والبديهة والحذر والشك، الثعبان هو سيد الإغراء والإغواء في الأبراج الصينية، لديه طبع من الانطوائية، ويكتسب نشاطه من انطوائه وعزلته وعمله الفردي، مواليد الثعبان يميلون إلى تحليل الأحداث قبل الدخول في الأشياء. بصورة عامة لمواليد الثعبان ميول عامة وعقول تسبر أعماق الأشياء مما يجعل الأمور الغيبية والماورائيات هي أكثر جذباً وإغراءً لهم من النشاطات الذهنية العلمية. يمكن القول بأن مواليد الثعبان لديهم شعور بعدم الأمان إلى حد ما ويمكن أن يكونوا غيورين ولديهم نزعة حب التملك، الأمر الذي قد يوجد مسافة بينهم وبين الأصدقاء والعائلة. وعلى الرغم من العيوب لديهم يعتبر الثعبان جذاباً، سخياً ومحباً. يميل مواليد الثعبان إلى حدسهم الخاص قبل نصائح الآخرين. وحسب الأسطورة الصينية، هناك سبب لترتيب الحيوانات الاثني عشر في دورة الأبراج الصينية ذات الاثنتي عشرة سنة. تقول القصة إن سباقاً عُقِد لعبور نهر عظيم، وترتيب الحيوانات في دورة الأبراج قد بُني على ترتيب إتمامهم السباق. في تلك القصة، استعاض الثعبان عن عدم كونه أفضل سباح بركوبه خلسة على حافر الحصان، وعندما اقترب الحصان من خط النهاية، قفز الثعبان فأخاف الحصان وبذلك سبقه إلى المركز السادس. نفس الحيوانات الاثني عشر يُستخدمون ليرمزوا إلى دورة الساعات في اليوم، وكل منهم يقترن بفترة طولها ساعتين. «ساعة» الثعبان هي 9:00 إلى 11:00 صباحاً، وهو الوقت الذي تُدفئ فيه الشمس الأرض، فتخرج الثعابين من جحورها. *** لعل هذه الحكايات الأسطورية في الحضارات القديمة التي تفرغت وفق طقوسها التعبدية قد تفضي إلى ازدواجية المعنى الرمزي للأفعى، فهي النذير المخلِّص والقوة الخالصة البسيطة والطاقة الشفائية، كما أنها الطاغية المتموجة التي تسطو على القرابين والهبات والأملاك. ولأنها تخرج من جلدها فهي رمز للبعث. وبسبب حركاتها المتلوية، ولأن التفافها قادر على الخنق فهي تمثل القوة. وبسبب شرها فإنها ترمز إلى جانب الطبيعة الشرير. قدرة الأفعى على طرح جلدها أثارت دهشة الكتاب القدماء بشدة إذ اعتقد فيلو الإسكندراني أن الأفعى حين تلقي جلدها فكأنها بذلك تتخلص من هرمها، إنها قادرة على القتل وعلى الشفاء، ولذلك فهي رمز وصفة للقوى العدوانية الإيجابية والسلبية التي تحكم العالم. عموماً.. في مذهب العرفان وعقيدة الإيمان بالصراع بين النور والظلام يتم الإقرار في النهاية أن الأفعى «هي أكثر حيوان روحي عبدته الشعوب القديمة». وأظنني الآن ولو بقدر ضئيل من التقصي عن حكاية الإلهة الأفعى، قد أشبعتُ دهشتي بهذا المعبود القديم الذي يتقاطع كثيراً مع الشكل الأفعواني والنبض الداخلي لأنهار الأرض وأمواج البحر، في عظمة رموزه وأسراره ودلالاته وتجدد بعثه عبر الأزمنة. نذيرة الطوفان تشير الميثولوجيا الاسكندنافية إلى أن الأفعى في نبوءات العرّافة، تعلن أن الطوفان سيبدأ حين يستيقظ الثعبان ليدمر الكون. تكسو رؤوس الكاهنات في أوروبا الوسطى، هنالك اعتقاد أن الشَّعر الذي يُنزع من رأس امرأة بتأثير ضوء القمر، يستحيل إلى أفاعي. لذا تكثر المنحوتات المشغولة بدقة للكاهنات بالأشكال الميثيولوجية للأفاعي التي تكسو رأس امرأة. عبادة العصر الحديدي حسب الدراسات ونقوش الثعابين، فإن رسم الأفعى لم يكن شائعاً في العصر البرونزي في الإمارات، فليس ثمة دليل مادي مقنع على وجود الاهتمام الروحي بالأفعى عند سكان ذلك العصر، لكن المدلول الروحي للأفعى صار معروفاً على نطاق واسع في العصر الحديدي. حيث من المعروف أن عبادة الأفعى كانت شائعة على نطاق واسع في ذلك العصر. والدليل هو امتداد الفن الأفعواني من الحجر ليرتكز على الفخاريات وجرار التخزين الرائعة والقطع البرونزية، ومؤخراً حسب معثورات الموقع الأثري في ساروق الحديد، فقد طالت الأفاعي القطع الذهبية والخرز والمجوهرات البارعة الصنع، كأحد أشكال التعبير الطقوسي في فن الزخرفة الرئيسية والذي ارتبط بالاعتقاد الإقليمي السائد آنذاك. تعويذة للبيت عند الشعوب العربية القديمة كان رمز الأفعى يوضع على الجدران أو في واجهة البيت كتعويذة لاتقاء العين الشريرة والحاسدة، ولمنع دخول الأرواح الخبيثة إلى البيت، لأن الموقف منها كان ينقسم إلى قسمين، قسم يرى أنها تسكنها روح صالحة تحرس البيوت من الأذى، وقسم آخر يرى فيها روحاً شريرة تسعى إلى الأذى. ......................................... مصادر: 1- قاموس الرموز/ ج ئي سيرلوت/ المطبعة الفلسفية/ نيويورك/ الطبعة الثانية. 2 - نائل حنون: شخصية الإلهة الأم ودور الإلهة إينانا/ عشتار في النصوص السومرية والأكدية. مجلة سومر، ج1و2، م34، المؤسسة العامة للآثار والتراث، بغداد 1978. 3- طه باقر: ملحمة جلجامش وقصص أخرى عن جلجامش والطوفان، دار المدى الطبعة الخامسة 1986 4- صومئيل نوح كريمر، الأساطير السومرية، ترجمة يوسف داود عبد القادر، مطبعة المعارف بغداد 5- الأبراج الصينية، تأليف هالة عمر. ملف إلكتروني. 6- إنجيل سومر/ خزعل الماجدي/ الأهلية للنشر والتوزيع/ الأردن. 7- ستين لويد، فن الشرق الأدنى، ت: محمد درويش، دار المأمون، بغداد، 1988 الكشف عن الأبجدية الأولى لتاريخ الإمارات/ مذكرات عالم آثار عربي/ د. منير يوسف طه/ ضمن مطبوعات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. 8- الفن الصخري/ د.وليد ياسين التكريتي/ هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©