الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحث عن القصة

البحث عن القصة
1 مارس 2017 19:29
استطاع الخطاب السينمائي أن يشكل عنصراً مهماً وضرورياً للمجتمع، إضافة إلى تحقيق الحاجة النفسية والذاتية للمشاهد، من خلال تواصله مع أفلام تخاطبه وتكشف له عن هويته ومكانته ولغته وصوره، ولذلك سعت الدول إلى تأصيل الخطاب السينمائي عبر توفير متطلباته الخاصة كصناعة كبيرة تنطوي على ثلاثة عناصر رئيسة: اجتماعية واقتصادية وسياسية. ولو تحدثنا اليوم حول أكثر الدول ترتيبا في عدد إنتاج الأفلام والاستثمار في الصورة عبر الخطاب السينمائي فإن الهند تتصدر الترتيب العالمي في إنتاج الأفلام الطويلة للعام 2015م (1)؛ إذ بلغت 1966 فيلما تقريبا، في حين أنتجت الولايات المتحدة الأميركية ما يقارب من 791 فيلما، ثم الصين 686 فيلما، اليابان بـ 581 فيلما وفرنسا 300 فيلما والمملكة المتحدة 201 فيلما، ألمانيا 236 فيلما، إسبانيا 254 فيلما، كوريا الجنوبية 269 فيلم وأخيراً إيطاليا 186 فيلماً (2). ولو ابتعدنا عن الترتيب العالمي وتوقفنا أمام بعض الأرقام العالمية الأخرى، فأننا سنكتشف التالي: بلغ إنتاج تركيا في العام 2015م 137 فيلما، ماليزيا 80 فيلما، تايلاند 42 فيلما، إيران 84 فيلما، إسرائيل 32 فيلما. (3) ولو توقفنا أمام الإنتاج السينمائي العربي، فإن الأرقام سوف تقول لنا التالي: أنتجت مصر في العام 2015م 28 فيلما، تونس 8 أفلام(4)، بعد أن بلغت 21 فيلما في 2007م، أما المغرب فقد بلغ إنتاجها في العام 2015م 28 فيلماً، لبنان 15 فيلما(5)، في حين أنتجت دول الخليج العربية (ونقصد بها؛ العراق، الكويت، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، عمان، واليمن) ثلاثة أفلام روائية في العام 2013م، زادوا إلى 5 أفلام في 2014م. إن هذه الأرقام رغم اختلافها، تؤكد على تلهفٍ جماهيري واهتمام عالمي بمشاهدة الفيلم السينمائي الروائي كونه خطابا بصرياً يعتمد اعتماداً كلياً على القصة والحكاية، وقادراً من خلالها وبأدواتها البصرية والفنية على استلابنا وإدخالنا في بوابة نفق التسلية المؤثرة بقوة. فالفيلم اليوم خطابٌ عالمي متسعٌ وأصبح قادراً على إرسال قصصه وحكاياته، ولم يعد مقتصراً على بلد الإنتاج فقط. لذلك فقد نجحت الحكاية بصفتها الطريق الطويل لاستكشاف الحياة الداخلية للإنسان والأمم والشعوب، وأن تشكل في الوقت نفسه أهم عنصر مكون للفيلم، وقد شكلت الرواية مصدرُ وحيّ مستمر لحركة الإنتاج السينمائي كخطاب بصري مهم، وإذ ((يعتبر فن القصة قوةً ثقافيةً مهيمنة في العالم، فإن الفيلم السينمائي يعتبر وسيطاً مهيمناً على هذا المشروع الضخم» كما يؤكد روبرت مكي، موضحاً: «إن مشاهدي العالم مخلصون للفيلم لكنهم عطشى للقصة))(6) ويكفي أن نعرف أن رواية (البؤساء) لفيكتور هيوغو قد تمَّ تحويلها أكثر من 56 مرة إلى خطاب سينمائي وفيلم تلفزيوني ومسلسل درامي. في حين أن روايةً مثل (الجريمة والعقاب) للروائي ديستوفسكي قد تمَّ تحويلها إلى أكثر من 37 فيلماً ومسلسلاً درامياً، وأن رواية (آنا كارنينيا) لتولستوي قد تمَّ تحويلها إلى 11 فيلما سينمائيا. ولتعميم أهمية النتاج الأدبي بشكل عام في رفد الخطاب السينمائي بالقصة، فإن مسرحيات وليم شكسبير حظيت باهتمام عالمي فمسرحية مثل (روميو وجوليت) تمَّ اقتباسها لما يقارب من 42 مرة على شكل خطاب سينمائي وفيلم تلفزيوني ومسلسل درامي منذ العام 1908 وحتى العام 2014م. وبين هذه الأعمال الأدبية العالمية، تتحول الكثير من الروايات إلى خطابات سينمائية مهمة، كأعمال تشيكوف و ماركيز و البرتو كامو و وروايات مهمة فازت بجائزة البوكر الإنجليزية مثل رواية (المريض الإنجليزي) للكاتب مايكل أونداتجي ورواية (توابيت شندلرز) للكاتب توماس كينلي والتي تحولت إلى فيلم بعنوان (قائمة شاندلرز)، و (حياة باي) للكاتب يان مارتل وغيرها، بل إن العديد من المسابقات الأدبية في الحقل الروائي أضحت مصدراً مهماً تتلقفها الصناعة السينمائية لتحيلها إلى خطاب بصري ينطوي على قيم فنية وفكرية، ومحافظا في الوقت نفسه على قوة وسحر الصورة وقيم التسلية المطلوبة. الرواية ومرحلة التألق السينمائي لقد تبلور الخطاب السينمائي مع قيام بنك مصر بإنشاء (شركة مصر للتمثيل والسينما) في العام 1927م، تلاها بعد ذلك (استديو مصر) في العام 1935م. لتنطلق مسيرة الفيلم العربي المصري، والذي لم تكن بداياته تختلف كثيراً عن قريناتها العالمية حيثُ شكلت القصة متكأ مهماً لبناء السيناريو، بل إن كاتباً بحجم نجيب محفوظ يعتبر من أهم كتاب السيناريو إلى جانب كتاباته الروائية. بل إن السينما المصرية لم تتعامل ((طوال تاريخها الممتد لما يقرب من مائة عام بمثل تعاملها مع الروائي نجيب محفوظ، الذي بدوره يمكن وضعه كواحد من أكثر أدباء العالم وليس مصر فحسب، تعامل مع الفن السابع، سواء كان ذلك من خلال كتابته للسيناريو والحوار والمعالجة السينمائية والتي بلغت 26 فيلماً تمَّ إنتاجها في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أم من خلال تحويل 22 رواية من رواياته الثلاثين التي كتبها إلى قرابة سبعة وعشرين فيلماً سينمائياً من بينها سبعة أفلام اقتُبست عن (الحرافيش) واثنان عن (الطريق) و تسعة أفلام مأخوذة عن قصصه القصيرة)). (7) ويكفي أن نعرف أن هذه العلاقة الناجحة بين المخرج صلاح أبوسيف ونجيب محفوظ قد أنتجت 12 فيلما، وأن هذه الثنائية أكدت عن مدى أهمية نجاح هذه الارتباطات في تأصيل الوعي الفكري والثقافي والفني في الخطاب السينمائي. كما أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في العام 1988م فتَّحتْ عيون مخرجين من العالم إلى هذه التجربة الروائية العربية فقد تمَّ تقديم (بداية ونهاية) و (حارة المعجزات) المأخوذ عن (زقاق المدق) في المكسيك، كما قدمت السينما في أذربيجان فيلم (اعترف) عن رواية (اللص والكلاب). وإلى جانب تجربة كبيرة مثل تجربة نجيب محفوظ تبرز لنا تجربة الروائي إحسان عبدالقدوس والتي حظيت هي الأخرى باهتمام السينمائيين المصريين حيث تمَّ تحويل ما يقارب من 50 قصة ورواية من أعماله إلى أفلام سينمائية، شارك نجيب محفوظ شخصيا في تحويل بضعها إلى السينما. وعلى الجانب الآخر، حظيت تجربة الروائي السوري حنا مينا باهتمام السينمائيين السوريين حيث قدمت بعض أعماله الروائية إلى أفلام سينمائية مثل (بقايا صور) من إخراج نبيل المالح و (آه يا بحر)و (الشمس في يوم غائم) المأخوذ عن رواية (الدقل) من إخراج الراحل محمد شاهين و(اليازرلي) المأخوذ عن قصة (على الأكياس) من إخراج قيس الزبيدي، و(الشراع والعاصفة) الذي كتب السيناريو لها الروائي وفيق يوسف وإخراج غسان شميط. ومع نهاية عقد الثمانينات الذي انتهى بتقديم رواية (الطوق والأسورة) للروائي يحيى الطاهر عبدالله إلى فيلم قام بتحويله الشاعر عبدالرحمن الأبنودي والمخرج خيري بشارة، لينتهي بذلك عقدٌ مهم في علاقة القصة والرواية في بعدها الفني والفكري مع السينما والخطاب السينمائي، حتى قدم المخرج داود عبدالسيد رواية (مالك الحزين) لإبراهيم أصلان في فيلم متميز بعنوان (الكيت كات)؛ وكان ذلك في العام 1991م، في ظروف سياسية عصيبة وعاصفة بالمنطقة العربية لم تنتهِ حتى اليوم! (8) مرحلة الانحسار ومع دخولنا الألفية الجديدة يصل الانحسار بين النص الروائي والخطاب السينمائي إلى درجات مثيرة للاهتمام حيث القطيعة تصل إلى مستوى مثير للواقع السينمائي العربي وقيمة الفيلم العربي، وللمنتج الروائي العربي أيضا، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من التوقف والتحليل. وللتدليل على ذلك سأطرح بعض المؤشرات المهمة: في العام 2001م أصدر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب بدمشق قائمة نهائية بأفضل 105 روايات عربية بعد أن تلقى من كافة الاتحادات الأعضاء قوائم شبيهة منذ أكثر من عام، وبدأ في تصفيتها ومقارنتها بناء علي مجموعة من الأسس، منها: مراعاة التوزيع الجغرافي وتمثيل كافة التيارات والأجيال (9)، وهو الأمر الذي لا يعنينا هنا بقدر ما نحب أن نتوقف حول هذه النخبة الروائية التي كان من المفترض أن تتلقفها مؤسسات القطاع العام وشركات الإنتاج الخاصة وتقوم بتحويلها إلى خطاب سينمائي، لما تنطوي عليه من أهمية ثقافية وفكرية، بحسب التصنيف. وكانت المفاجأة مخيبة للآمال في عدم التفات الصناعة السينمائية إلى هذه القائمة. ولو توقفنا أمام الروايات العشر الأولى منها، وهي: الثلاثية، لنجيب محفوظ، مصر. (البحث عن وليد مسعود)، لجبرا إبراهيم جبرا، فلسطين. (شرف)، لصنع الله إبراهيم، مصر. (الحرب في بر مصر)، ليوسف القعيد، مصر. (رجال في الشمس)، لغسان كنفاني، فلسطين. (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) لإميل حبيبي، فلسطين. (الزمن الموحش)، لحيدر حيدر، سوريا. (رامة والتنين) لإدوار الخراط، مصر. (حدث أبو هريرة)، لمحمود المسعدي، تونس. (كوابيس بيروت)، لغادة السمان، سوريا. وباستثناء ثلاثية نجيب محفوظ المتصدرة الترتيب الأول والتي تحولت إلى أكثر من خطاب سينمائي، فإن من بين العشر الأوائل لا نجد إلا روايتي (الحرب في بر مصر) ليوسف القعيد، ورواية (رجال في الشمس) لغسان كنفاني، وهما تجربتان تمَّ تحويلهما إلى خطاب سينمائي قبل ظهور القائمة، وكالعادة كان للمخرج صلاح أبوسيف واهتمامه الملحوظ بالأدب والتجربة الروائية المصرية القيام بتحويل (الحرب في بر مصر) إلى خطاب سينمائي حمل عنوان (المواطن مصري) إنتاج 1991م من بطولة الفنان عمر الشريف وعزت العلايلي وصفية العمري. في حين قدم المخرج السوري توفيق صالح رواية (رجال في الشمس) تحت عنوان جديد هو (المخدوعون) في العام 1972م. وكما نرى فإن إنتاج التجربتين تمَّ قبل ظهور القائمة مما يؤكد عن وعي المخرجين بالتجربتين وقيمتهما الفنية والفكرية. وبمراجعة سريعة لقائمة المائة رواية سوف نجد كما ذكرنا سابقا رواية (الشراع والعاصفة) والتي تحتل المرتبة 14 تحولت إلى فيلم بنفس العنوان، ورواية (لا أحد ينام في الإسكندرية) والتي تمَّ تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني وتحتل المرتبة 18، ورواية (الخبز الحافي) وترتيبها 26 وقد نقلها المخرج الجزائري رشيد بن حاج سنة 2004م إلى السينما. ورواية (قنديل أم هاشم) وترتيبها 36 وقد حولها المخرج كمال عطية إلى السينما في العام 1968م. وراوية (مالك الحزين) وترتيبها 41 والتي تحولت إلى فيلم بعنوان (الكيت كات)، ورواية (باب الشمس) وترتيبها 42 وحولها المخرج يسري نصر الله إلى فيلم في العام 2004م. ورواية (عودة الروح) و (الساقامات)و (دعاء الكروان) والتي تم تحويلها قبل ذلك التاريخ. أي بمعدل 10% تقريبا من المائة رواية عربية قد تمَّ تحويلها إلى السينما فقط، مع التأكيد أن 8% من هذه الروايات تمَّ تحويلها قبل ظهور القائمة، وفيلمين فقط تمَّ إنتاجهما بعد ظهور القائمة، وهما: روايتا (الخبز الحافي) و(باب الشمس). والأمر ذاته يمكن ملاحظته في قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وهي جائزة سنوية تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة بوكر البريطانية في لندن وبدعم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في الإمارات العربية المتحدة. وقد أطلقت النسخة الأولى في العام 2007م، بهدف ترسيخ حضور الروايات العربية المتميزة عالمياً. وطوال 9 دورات للجائزة والتي جاءت نتائجها كالتالي: 2008 واحة الغروب لبهاء طاهر – مصر. 2009 عزازيل ليوسف زيدان – مصر. 2010 ترمي بشرر لعبدو خال – السعودية. 2011 القوس والفراشة لمحمد الأشعري – المغرب (مناصفة مع) طوق الحمام لرجاء عالم – السعودية. 2012 دروز بلغراد لربيع جابر – لبنان. 2013 ساق البامبو لسعود السنعوسي – الكويت. 2014 فرنكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي – العراق. 2015 الطلياني لشكري المبخوت _ تونس. 2016 مصائر (كونشرتو الهولوكوست والنكبة) لربعي المدهون _ فلسطين. عشر روايات فائزة، تحولت رواية واحدة وهي (ساق البامبو) لسعود النسعوسي إلى مسلسل درامي في 30 حلقة من إنتاج خاص لشركة صباح بيكتشرز ومن إخراج محمد القفاص عرض في شهر رمضان من العام 2016م. في حين ظلت تسع روايات لم يتم تحويلها إلى خطاب سينمائي أو دراما تلفزيونية. و لو قمنا بإدراج القائمة القصيرة التي تتنافس على الجائزة في كل عام وعددها في كل دورة 5 روايات، بمجموع وقدره 53 رواية سنكتشف أن هناك رواية عربية واحدة فقط من القائمة القصيرة لدورة 2014م وهي رواية (الفيل الأزرق) للروائي المصري أحمد مراد قد تمَّ تحويلها إلى خطاب سينمائي من إخراج مروان حامد في نفس العام. بين هذا البون الشاسع بين الرواية والخطاب السينما برزت لنا تجربة واحدة مثيرة للاهتمام والاحتفاء والدرس، وكان ذلك في العام 2002م عندما أصدر الروائي المصري علاء الأسواني رواية بعنوان (عمارة يعقوبيان) وأثارت اهتمام القارئ العربي والأجنبي، إذ بدأت الطبعات الورقية تتتابع حتى وصلت إلى عشر طبعات ورقية، واعتبرت نموذج ناجح للأدب الروائي الحديث من حيث التسويق والبيع، وقد وترجمت إلى عدة لغات أجنبية. وتمَّ تحويلها في العام 2006م إلى خطاب سينمائي حيث حولها السينارست وحيد حامد ومن إخراج مروان حامد وبطولة نخبة من ممثلي مصر،مثل: عادل أمام ونور الشريف وصوت الراوي يحيى الفخراني ويسرا وخالد الصاوي وهند صبري. ثم حولت في العام 2007م إلى مسلسل تلفزيوني كتب السيناريو له عاطف بشاي وأخرجه أحمد صقر. لتصبح هذه التجربة علامة مضيئة وحيدة في وضع فني وثقافي مرتبك وضائع دون قوانين وتشريعات ودون اهتمام حقيقي بتطويره ودعمه. مرحلة القطيعة السؤال الجوهري الذي ينبغي علينا أن نطرحه هنا: ما الذي حدث وأسس لقطيعة شبه كاملة بين الرواية العربية والخطاب السينمائي؟ على اعتبار أن الكتاب يشكل عماد المعرفة، وحالة ثقافية تنتج وعياً ثقافياً، ومصدراً رئيساً لها في إنتاج أدوات التثقيف وتنمية الوعي الفكري وخلق مجتمع مؤسس على المعرفة، ويعمل كمنتج للوعي والديمقراطية عبر تأصيل الوعي الديمقراطي وهو يدفع بالمجتمع نحو حالته المدنية المبتغاة، والذاهبة نحو أفق الحرية في معناها الإنساني الواسع. فإن السينما، كونها خطابا ثقافيا تدفع هي الأخرى، بهذا الاتجاه وتسعى من خلال قوة الصورة عن ما يعجز عنه الكتاب في مجتمع عربي حيث ((تشير تقارير التنمية البشرية لعام 2013 والتقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2012 إلى أن عدد سكان الدول العربية بلغ 353.8 مليون وبلغ معدل الملمين بالقراءة والكتابة في الفئة العمرية 15 سنة فما فوق 256.946 مليون، أي أن عدد الأميين العرب يصل إلى 96,836 مليون أمي منهم 63,57865 من الإناث، والخلاصة بحسب هذه التقارير أن نسبة الأمية في الوطن العربي تصل إلى 19.73% لمجموع السكان)) (10). لقد تركت الرواية في الستينيات والسبعينيات تأثيرا قويا وواضحا في مسيرة الخطاب السينمائي ساعدها في ذلك بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية مشجعة ومدركة لأهمية وقوة الصورة في التغلغل في عصب المجتمع ومكوناته الفكرية ووعيه الفكري. التجربة التركية.. نموذج يستحق الدرس ورغم اختلاف الخطاب السينمائي عن الرواية، كون الرواية قائمة على جهد فردي تمثل الكاتب، وكون السينما صناعة بكل ما للكلمة من معنى، يقوم عليها فريق فني متكامل، يكون كاتب السيناريو فيها مع المنتج من أوائل العاملين على تحقيق الفيلم. إلا أن الرواية والقصة ما زالتا تشكلان مصدر الوحيّ الأول لهذه العملية الفنية المعقدة والمتطلبة لرؤوس أموال كبيرة، وسوق قادر على شراء هذا المنتج البصري. إن سعي الثقافة كمفهوم عام في ظل واقع محبط يؤسس للتجمع وليس لقيمة المجتمع، للمصلحة الفردية لا للمصلحة العامة، فإن الثقافة هي المحصلة العامة للمنتج الثقافي المكتوب والبصري، ذلك أن عمل الثقافة في حدودها الجوهرية هي إنتاج الوعي والديمقراطية، رغم أنها لا تشترط إلى وجود تجربة ديمقراطية؛ لأنها تعمل وهذا جزء مهم من دورها السياسي والثقافي غير المعلن والمباشر على تأصيل الوعي الديمقراطي وتدفع إلى تأسيس المجتمع المدني، وتذهب دائما نحو أفق الحرية، الحرية في معناها الواسع والإنساني. لقد سعت الثقافة لتحقيق مبادئ المجتمع والقيمة المجتمعية وراهنت على قيمة المجتمع العربي المدني. ولعل أحد أهم الأسباب التي ما زالت تجعل الخطاب السينمائي غير قادر على تحقيق مفهوم الصناعة القادر على الإنتاج وتخريج طاقات فنية مبدعة ومتنوعة هو في غياب التشريعات القادرة على تحقيق النمو والتطوير. في التجربة التركية وهي تجربة حديثة ((نجحت التشريعات التي وضعتها الحكومة التركية تطوير قوانين وبرامج دعم الإنتاج الحكومي وخاصة ذلك القانون الذي صدر في 2005م ليزيد من حجم الإنتاج السينمائي خلال سبع سنوات من 25 فيلما في 2005م إلى 137 فيلماً تقريبا في 2015م))، (11) وقد بلغ عدد الأفلام التي حظيت بدعم الحكومة التركية في نهاية 2012م ((ما مجموعه 267 فيلماً)). (12) وإلى جانب الدعم الحكومي لقطاع السينما الذي تقدمه وزارة الثقافة والسياحة حصرياً، طرح (مهرجان اسطنبول للسينما المستقلة) و (أناضولو كولتور) وهي مؤسسة ثقافية غير ربحية في فبراير 2015م صندوقاً سينمائياً جديداً باسم (Yeni Film Fonu) يهدف لدعم إنتاج أفلام غير روائية، ومع كل ذلك فقد ((طالب أكثر من 300 مخرج سينمائي و30 مؤسسة في رسالة مفتوحة إلى الحكومة التركية بتعديل الأنظمة الخاصة بقطاع السينما، وتأسيس مؤسسة سينمائية مستقلة)).(13) وفي التجربة اليابانية ((شهد العام 2015م إطلاق 581 فيلماً يابانياً، مسجلا بذلك أول تراجع في الإنتاج منذ 2010 (بنسبة 5,5 بالمئة عن العام الفائت) حيث بلغ الإنتاج 615 فيلماً. ومع ذلك يُعد عدد الأفلام التي أنتجت في 2015م جيداً قياساً بالـ 417 فيلماً محلياً التي أطلقت قبل عشر سنوات) (14). وكانت الحكومة اليابانية قد أطلقت عام 2011م صندوق تمويل باسم Cool Japan Fund الذي يجسد مبادرة من القطاعين العام والخاص لدعم أنشطة مكتب الترويج للأعمال الإبداعية الذي تأسس عام 2010م ويعمل تحت شعار Cool Japan وقد تمَّ دعم الصندوق مبدئيا بمبلغ مليارين، وشارك فيه 15 شركة خاصة بينها مصارف بنكية شاركت بحصة تصل إلى 15% من رأس المال، ويرمي هذا الصندوق إلى زيادة الصادرات من الإنتاجيات الثقافية اليابانية)). (15) والأسئلة التي ينبغي لنا أن نطرحها بعد ذلك كله: من وراء هذه القطيعة بين القصة والرواية العربية والخطاب السينمائي؟ هل فقد الفيلم السينمائي العربي تألقه الفني والفكري بعد أن تخلى عن الرواية؟ أم أن الرواية العربية تعاني من مشاكل فنية وفكرية وغير قادرة على تحقيق هذا التواصل بينها وبين تحويلها إلى خطاب سينمائي؟ هل يتحمل المثقف العربي بصفته مخرجاً وكاتباً وروائياً في تحقيق هذه المعادلة التي شكلت انحسارا في الإنتاج السينمائي يجمع كل هذه العناصر الثقافية؟ أم أن القطاع العام ودور وزارات مثل الاقتصاد والثقافة والإعلام تخلى عن مسؤوليته الثقافية تجاه منتجه الثقافي، وترك الأمور للمكابدات السينمائية الفردية؟، دون قوانين داعمة ومساندة لهذا الخطاب البصري المهم في ظل هيمنة الخطاب السينمائي القادم من كل مكان إلا من الوطن العربي!. قائمة أفضل 105 روايات.. لم ينتبه أحد في العام 2001م أصدر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب في دمشق قائمة نهائية بأفضل 105 روايات عربية، وكان من المفترض أن تتلقفها مؤسسات القطاع العام وشركات الإنتاج الخاصة، وتقوم بتحويلها إلى خطاب سينمائي، لما تنطوي عليه من أهمية ثقافية وفكرية، حسب التصنيف. وكانت المفاجأة مخيبة للآمال في عدم التفات الصناعة السينمائية إلى هذه القائمة. وباستثناء ثلاثية نجيب محفوظ المتصدرة الترتيب الأول والتي تحولت إلى أكثر من خطاب سينمائي، فإن من بين العشر الأوائل لا نجد إلا روايتي «الحرب في بر مصر» ليوسف القعيد، ورواية «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، وهما تجربتان تمَّ تحويلهما إلى خطاب سينمائي قبل ظهور القائمة. نجيب محفوظ.. نصيب الأسد إن كاتباً بحجم نجيب محفوظ يعتبر من أهم كتاب السيناريو إلى جانب كتاباته الروائية. بل إن السينما المصرية لم تتعامل «طوال تاريخها الممتد لما يقارب مئة عام بمثل تعاملها مع الروائي نجيب محفوظ الذي بدوره يمكن وضعه كواحد من أكثر أدباء العالم وليس مصر فحسب، تعاملاً مع الفن السابع، سواء كان ذلك من خلال كتابته للسيناريو والحوار والمعالجة السينمائية، والتي بلغت 26 فيلماً تمَّ إنتاجها في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أم من خلال تحويل 22 رواية من رواياته الثلاثين التي كتبها إلى قرابة سبعة وعشرين فيلماً سينمائياً، من بينها سبعة أفلام اقتُبست عن (الحرافيش)، واثنان عن (الطريق)، وتسعة أفلام مأخوذة عن قصصه القصيرة». ويكفي أن نعرف أن هذه العلاقة الناجحة بين المخرج صلاح أبوسيف ونجيب محفوظ قد أنتجت 12 فيلماً، وأن هذه الثنائية أكدت مدى أهمية نجاح هذه الارتباطات في تأصيل الوعي الفكري والثقافي والفني في الخطاب السينمائي. كما أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في عام 1988م فتَّحتْ عيون مخرجين من العالم إلى هذه التجربة الروائية العربية، فقد تمَّ تقديم «بداية ونهاية» و«حارة المعجزات» المأخوذ عن «زقاق المدق» في المكسيك، كما قدمت السينما في أذربيجان فيلم «اعترف» عن رواية «اللص والكلاب». أرقام عالمية لو تحدثنا اليوم عن أكثر الدول ترتيباً في عدد إنتاج الأفلام والاستثمار في الصورة عبر الخطاب السينمائي، فإن الهند تتصدر الترتيب العالمي في إنتاج الأفلام الطويلة للعام 2015م؛ إذ بلغت 1966 فيلماً تقريباً، في حين أنتجت الولايات المتحدة الأميركية ما يقارب من 791 فيلماً، ثم الصين 686 فيلماً، اليابان 581 فيلماً وفرنسا 300 فيلم والمملكة المتحدة 201 فيلم، ألمانيا 236 فيلماً، إسبانيا 254 فيلماً، كوريا الجنوبية 269 فيلماً، وأخيراً إيطاليا 186 فيلماً. أرقام عربية لو توقفنا أمام الإنتاج السينمائي العربي في العام 2015م، فإن الأرقام ستقول لنا التالي: مصر 28 فيلماً. تونس 8 أفلام بعد أن بلغت 21 فيلماً في 2007م. المغرب 28 فيلماً. لبنان 15 فيلماً. دول الخليج العربية (ونقصد بها؛ العراق، الكويت، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، عُمان، واليمن) ثلاثة أفلام روائية في العام 2013م، زادت إلى 5 أفلام في 2015م. ......................................... الهوامش: 1-تحت الضوء 2016م مستجدات سوق السينما العالمية منشورات سوق دبي السينمائي. 2016م 2- Film L.A Research www.filmla.com 3-تحت الضوء 2016م مستجدات سوق السينما العالمية منشورات سوق دبي السينمائي. 2016م 4-المصدر السابق 5-المصدر السابق 6-روبرت مكي، القصة؛ مبادئ الكتابة للسينما، ترجمة حسين عيد: ص: 27. 7- محمد عبيدو: نجيب محفوظ والسينما: موقع الحوار المتمدن. 8- تشير موسوعة الأفلام العربية إلى تحويل ما مجموعه 5 أفلام عربية مأخوذة من روايات وقصص قصيرة بينها فيلم «المرابي» من سوريا من تأليف محمد إبراهيم العلي وإخراج إبراهيم بابي في العام 1991م. وتظهر الموسوعة أن عام 1986م هو أكثر الأعوام ثراء وزخماً في تحويل أعمال روائية وقصص قصيرة مختلفة إلى أفلام سينمائية؛ إذ بلغ عددها 18 فيلما. وطبعت الموسوعة في العام 2004م وتغطي تاريخ الإنتاج السينمائي العربي منذ البداية وحتى عام 1993م. 9- انظر جريدة أخبار الأدب العدد 426 الأحد 9 سبتمبر 2001م. 10- بيان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية 8 يناير 2014م. 11- تحت الضوء 2016م مستجدات سوق السينما العالمية منشورات سوق دبي السينمائي. 2016م. 12-Dictionary of Turkish Cinema2012: p10. 13-تحت الضوء 2016م مستجدات سوق السينما العالمية منشورات سوق دبي السينمائي. 2016م 14-المصدر السابق 15-تحت الضوء 2014م مستجدات سوق السينما العالمية منشورات سوق دبي السينمائي. 2014م
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©