الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حسن المودن: الرواية العربية أصبحت سؤالاً مفتوحاً يستنطق ذاتية الإنسان

حسن المودن: الرواية العربية أصبحت سؤالاً مفتوحاً يستنطق ذاتية الإنسان
7 أغسطس 2007 03:03
يقول الباحث والمفكر المغربي الدكتور حسن المودن إن الكتابة في العديد من الأعمال الروائية العربية أضحت صيغة سؤالية مفتوحة تنزع نحو استنطاق ذاتية الإنسان العربي في انكساراته وإنهزاماته واحباطاته، في أحلامه ورغائبه وذكرياته، ضاربة في أعماق الذات الفردية والجماعية، نافذة إلى الحميمية وناقلة مجاهل روح متشككة متمزقة متباينة· ويضيف منذ الستينيات إلى اليوم، يشهد النص الروائي العربي انفتاحاً على ما يسميه الدكتور محمد برادة '' الكينونة المتكلمة ''، وهذا الانفتاح في الواقع احتياج ضروري فرضته أزمنة الانكسار والانهيار الذي بدأ يعيشه المجتمع العربي، من حرب 1967 إلى حروب الخليج· '' الاتحاد'' التقته في المغرب وكان معه الحوار التالي: علم النفس والنقد ؟إلى أي حد ساهمت مدارس علم النفس والتطورات التي عرفها التحليل النفسي كعلم من العلوم الإنسانية، وإغناء التأثير على النظريات النقدية المعاصرة؟ ؟؟ إذا أعدنا فحص العلاقة بين النظريات النفسانية والنظريات النقدية بطريقة تجمع بين التاريخ والتقويم، فإنه من الممكن أن نسجّل أن هذه العلاقة قد عرفت محطتين متمايزتين: تشمل المحطة الأولى الخمسين سنة التي تلت نشر الأعمال الكبرى لمؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد· وتهمّ المحطة الثانية العقود الأخيرة من القرن العشرين التي تلت نشر أعمال جاك لاكان وانتشار النظريات اللسانية والبنيوية والتفكيكية والتداولية· وما يميّز المحطة الأولى أنها كانت تزخر بمحللين نفسانيين يدرسون الأدب(رونيه لافورج، ماري بونابارت، دولاي، لابلانش، موري، فرنانديز ···)· وقد درسوا الأدب من المنظور النفساني وهم يصبّون اهتمامهم على الكاتب الإنسان، فكانوا يتخذون النص الأدبي مطية لتحليل الكاتب، ويبحثون داخل النص عن آثار صراع شخصي· وقد عرف النقد العربي دراسات نفسانية للأدب تنتسب إلى هذا النوع من التحليل النفسي للأدب(النويهي، يوسف اليوسف ···)· وبعبارة أخرى، فالنقد النفسي للأدب في هذه المحطة هو نوع من النقد البيوغرافي الذي يفسر العمل الأدبي بالصراعات اللاواعية للكاتب أو الشاعر كما يكشفها تاريخ طفولته· وبهذا المعنى، فهو نقد ينطلق من مفهوم معين للمعالجة النفسانية عرف انتشارا في هذه المحطة، ويتحدد في هذه المعالجة التي تسعى إلى إبراز الصراعات الغرائزية واكتشاف عناصر صدمة مكبوتة· ولهذا نجد هذا النقد يبحث في العمل الأدبي عن العناصر المسببة للأمراض التي تكشفها بعض المعطيات البيوغرافية، مركّزاً اهتمامه على الهيمنة المرضية لبعض الثيمات والرموز، محاولا إقامة علاقة بين المظاهر الباتولوجية لشخصية الكاتب أو الشاعر ومحتوى العمل الأدبي· أما المحطة الثانية، فقد بدأت تتأسس بعد انتشار النظريات اللسانية والأدبية الجديدة، وخاصة البنيوية منها، ويعتبر جاك لاكان مؤسس هذه المحطة بإعادته قراءة فرويد من منظور لساني بنيوي معاصر· وقد أثبتت العديد من الدراسات النفسانية، النظرية والتطبيقية، التي ظهرت في هذه المحطة أن أعمال فرويد تشكّل نصّاً ثرّا منفتحاً قابلا للاستثمار في الخطاب النقدي بطريقة أكثر فعالية· يتعلق الأمر في هذه المحطة الجديدة بفكر فرويدي جديد يعيد النظر في المفاهيم المركزية: اللاوعي، اللغة،النص· فاللاوعي حسب جاك لاكان مبنين كاللغة، وهو ما يعني أن اللاوعي ليس معنى ثابتا، أي ليس علامة بالمعنى الذي وضعه فردناند دوسوسير مؤسس اللسانيات· فاللغة ليست نظاما من العلامات، بل هي نظام من الدوالّ، ولا تمييز في لغة اللاوعي بين الدال والمدلول، لأن الشبكة اللاواعية مفتوحة على كل المعاني، أو إنها مفتوحة على دالّ خالص· ولاشك في أن لغة الأدب لا تخرج عن هذا المعنى، كما لا تخفى فائدة مفهوم '' قوة الدال'' اللاكاني في مقاربة إشكالية اللغة الأدبية· من خلال هذا المفهوم ـ قوة الدال ـ يبين جاك لاكان أن الوظيفة الرمزية ضرورية في وجود الإنسان، وأن العالم الاستيهامي والرمزي عنصر مؤسس جوهري لهذا الواقع الداخلي الذي اكتشفه فرويد· والأهم من ذلك أن جاك لاكان وهو يمنح الأولوية للدالّ يكشف أمرين جوهريين: الأول أنه يكشف عن الإمكانية التي للإنسان في تسخير واستخدام الشبكة الدالة لتدلّ على شيء آخر غير ما يبدو أنها تقوله· والثاني أنه يكشف ما للدال كشبكة رمزية من سلطة واسعة ومن استقلال كامل في علاقته بالإنسان· وباختصار، فقد لعبت النظرية اللاكانية دوراً فعالاً في مراجعة المنطلقات والمبادئ التي كانت تتحكم في القراءات النفسانية للنص الأدبي· فظهر نقد نفساني جديد يقوم على مبادئ أساس: إن الكتابة غيرية واستقلالية، والنص الأدبي يقرأ داخل فضاء النصية، فهو خارج الواقع، والأدب ليس هو الواقع، وهو خارج السببية، فالكاتب ليس هو المصدر الواحد المطلق للكتابة، وهو خارج الشرعية، لأنه ليس للنص معنى واحد، وليس لقصد الكاتب أيّ امتياز، وهو خارج مملكة التبادل التي تقتضي الوضوح والانسجام والمعقولية في الرسائل والخطابات· وبالجملة، وتقويما للمحطتين معا، يمكن القول إن المحللين النفسانيين في المحطة الأولى قد كرّسوا صورة سلبية عن التحليل النفسي للأدب، إذ كانوا يعتبرون العمل الأدبي مجموعة من الأعراض، ويعتمدون لغة تميل إلى'' التشخيص ''، فهم يتعاملون مع النص الأدبي تعاملا كلينيكيا كما يتعامل الطبيب مع مريضه· ومثل هذا النقد النفسي تبيّن أنه محدود الإشكالية، فهو لا يسعى إلى إدراك خصوصية العمل الأدبي، بل يستهدف محتويات النص فقط بقصد كشف أمراض الكاتب وعقده ومكبوتاته· وقد نجحت المقاربات النفسانية الجديدة التي ظهرت في المحطة الثانية في تغيير هذه الفكرة السلبية عن التحليل النفسي للأدب· ذلك لأنها تقدم نفسها على أنها لا تسعى إلى معالجة أحد، ولا إلى صياغة حقيقة نهائية حول شخصية الكاتب أو الشاعر، بل هي تحاول أن تمنح الكتابة الأدبية أبعاداً مغايرة، بالنظر إليها في حركيتها وتكوّنها واشتغالها، بعيدا من صاحب النص، وقريبا من جسد النص وبنياته واليات اشتغاله الداخلي· وهي في هذا المنحى الجديد تستنير وتستدلّ بدراستين سابقتين مؤسستين: دراسة فرويد للهذيان والأحلام في رواية: غراديفا ينسن، ودراسة جاك لاكان لنص إدغار آلان بو: الرسالة المسروقة· وفي إطار هذه المقاربات النفسانية الجديدة تندرج أعمال الناقد الفرنسي جان بيلمان ـ نويل الذي ترجمنا له كتابا هاما حول التحليل النفسي والأدب (صدرت الترجمة عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة سنة 1997)· كما تندرج دراستنا لروايات الطيب صالح في إطار هذه المقاربات الجديدة ( لاوعي النص في روايات الطيب صالح)· وإجمالا، فما يميّز هذه المحطة الثانية أن القراءات النفسانية للأدب قد حوّلت اهتمامها من الكاتب إلى النص، من الشاعر إلى القصيدة، أي من الاهتمام بلاوعي الكاتب أو الشاعر إلى الاهتمام بلاوعي النص واليات اشتغاله· بعد أن تبيّن أن النقد النفسي البيوغرافي الذي كان سائدا في المحطة الأولى لا يفيد الأدب في شيء، وخاصة إذا كانت الغاية مقاربة إشكالية الكتابة الأدبية· تحرر الرواية العربية ؟إلى أي حد استطاع النقد النفسي الكشف عن واقع الذات العربية''المهزوزة'' من خلال الرواية؟ ؟؟ إذا تأملنا تاريخ الرواية العربية، يمكن أن نسجل تحولات جوهرية بدأت تعرفها الرواية منذ العقد السادس من القرن الماضي، مع ظهور أعمال روائية جديدة، ومنها أعمال الطيب صالح، بدأ يتحرر فيها النص الأدبي من فلسفة الالتزام والارغامات الإيديولوجية، وصار أكثر انفتاحاً على الذات وأكثر احتفاء بالكينونة في تجلياتها المختلفة، وأكثر قرباً من مناطق المسكوت عنه واللامفكر فيه، وأضحت الكتابة في العديد من الأعمال الروائية العربية صيغة سؤالية مفتوحة تنزع نحو استنطاق ذاتية الإنسان العربي في انكساراته وانهزاماته واحباطاته، في أحلامه ورغائبه وذكرياته، ضاربة في أعماق الذات الفردية والجماعية، نافذة إلى الحميمية وناقلة مجاهل روح مخصية متشككة متمزقة متباينة· منذ الستينيات إلى اليوم، يشهد النص الروائي انفتاحاً على ما يسميه أستاذي الدكتور محمد برادة: '' الكينونة المتكلمة ''، وهذا الانفتاح في الواقع احتياج ضروري فرضته أزمنة الانكسار والانهيار الذي بدأ يعيشه المجتمع العربي، من حرب 1967 إلى حروب الخليج· واللافت للنظر في هذه الأعمال الروائية العربية الجديدة لا يقف عند حدود استنطاقها للكينونة، بل يتعدى ذلك إلى مفهوم النص الذي تؤسسه· فقد استطاعت هذه الأعمال أن تحرر النص من الشروط الجمالية التقليدية التي كانت تجعل من الانسجام والتناسق العاملين الأساسين في الحفاظ على وحدة النص· وأن تقدم نصّا ينفجر إلى وحدات متعددة ويكشف عن تعدد سطوحه ومستوياته، فأصبح النص يبطن الازدواج والتعدد والتناقض، بشكل يستتبع وصفا للنص على أنه نظام من الترابطات المتعددة والمتنوعة التي تؤلف بنية من الشبكات حيث يأتي المعنى الأدبي متعدد التحديد، يقوم على منطق مغاير يقع خارج منطق الهوية والتمثل· فقد تحطم مبدأ المعقولية والانتظام، وتمّ استبدال النص الخطّي المتجانس بنصّ مليء بالشروخ والانعراجات، لا يقبل سوى منطق الانقسام لا منطق المماثلة والمطابقة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©