الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عطور وبخور وفناجين «السمرا» تدور في معرض الكتاب

عطور وبخور وفناجين «السمرا» تدور في معرض الكتاب
5 مارس 2010 22:09
ينسج التراث الإماراتي بمفرداته المتنوعة حضوره الجمالي الخاص في جوانب معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حتى أنه يتقاسم البطولة مع البطل الرئيسي المتوج: الكتاب. ففي جنبات جناح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث - قسم الثقافة المعنوية، وجناح نادي تراث الإمارات تحضر تلك اللمسات الجمالية للعوالم التراثية الموحية، ومفرداته العابقة بقيم الأصالة والعراقة.. لكن الأكثر سطوة في حضوره بين هذه المفردات تلك الدلة الصفراء بلونها النحاسي المعتق بنقوش الصناع الذين صاغوها بأيادٍ من ذهب. وحولها أبناؤها الفناجين يحيطونها في الموقد المشتعل بجمر الحنين. تدعوك مباهج التراث المتبدية في شكل الجناح العام؛ بيت تقليدي يعكس سمات العمارة التقليدية في الإمارات، يعلوه البرجيل الذي يستوقف الأجانب بشكل خاص، ليسألوا عنه فتأتي الإجابة: هكذا كان الإماراتيون يبنون بيوتهم قبل ظهور النفط لكي يصعنوا تياراً من الهواء يلطف المنزل، بمعنى آخر، إنه “تكييف” على الطريقة الإماراتية قبل ان يظهر التكييف الحديث. ينقسم الجناح الى قسمين: الأول تزهو جدرانه بالصور التراثية للقهوة والصقر والفنون الشعبية والحرف اليدوية التي عرفها أهل الإمارات قديماً، والتي تسحر العيون بروعة تصويرها وجمالياتها، ويأتي الجناح، كما قال الدكتور ناصر بن علي الحميري مدير إدارة التراث المعنوي بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، بهدف إبراز الجهود التي تبذلها الهيئة عبر إداراتها المختلفة، للتعريف بتراث إمارة أبوظبي، وأساليب صونه والمحافظة عليه كمنبع أصيل يغذي مسيرة التطوّر والازدهار التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي هذا القسم ركن لإصدارات الهيئة في مجال التراث المعنوي منها كتاب التراث الشعبي “الجمع الميداني، إشكالياته وآفاقه” وكتاب ذاكرة الإمارات: للباحث عمار السنجري، الذي يستجلي أجزاء مهمة من تاريخ الإمارات غير المدوّن عبر حوار ممتد مع ثماني عشرة شخصية. بالإضافة إلى نسخة نموذجية من كتب قيد الإصدار وهي تتنوع في أكثر من مجال من مجالات التراث المعنوي. فهذا كتاب يفتح لك باباً على “التراث الشعبي”، وآخر عن “الصقارة في العالم”، وثالث عن “الذاكرة الثقافية للآبار في منطقة الظفرة”، ورابع عن “المعاضلات اللسانية في الإمارات العربية المتحدة”، وخامس عن “عادات وتقاليد الميلاد في دولة الإمارات العربية المتحدة”، وسادس عن “الأمثال الشعبية في الإمارات العربية المتحدة”، وسابع عن “الشجرة: الحضور والتصورات”، وثامن وتاسع وتطول القائمة لتشمل إسهام هيئة أبوظبي في الحفاظ على التراث المعنوي، والأعياد القومية وألعاب الصغار وكلها تعكس تعكس نشاطاً نوعياً مميزاً لهذا القسم. في القسم الثاني ستجد في انتظارك كل مفردات البيت التقليدي التي استخدمتها المرأة الإماراتية قديماً معلقة على حواف خيمة بدوية، تعيد على المارّين بجوارها أغاني الأكف السمراء المتعبة وهي تدير الفناجين على هوى الجمر الذي ينهض فجأة في المخيلة.. صور فاتنة التقطتها عدسة المصورة سيبلي في مشروعها لتوثيق زينة المرأة الإماراتية وأزيائها والأدوات الشعبية التي استخدمتها قديماً وصنعتها مما وفرته لها البيئة من مواد بسيطة. هنا، تتعرف ليس فقط الى حجم الغنى الروحي الذي تميزت به المرأة الإماراتية بل الى كفاحها الصعب مع شظف العيش، وقدرتها التي تستحق التقدير بكل معنى الكلمة على تدبير أمور أسرتها وعيشها من أقل المواد. أدوات الطعام والشراب، والحصر والبسط والمفارش وسروج الخيل وزوادة السفر والسرود والمهاف (مراوح صغيرة كانت تسعمل لتخفف الحر)، مصنوعة من الخوص وسعف النخيل رغم ذلك تزهو بألوانها التي اجتهدت المرأة في أن تكون زاهية ومفرحة لتسبغ على الخيمة بعض الجمال وتخلق شعوراً بالراحة النفسية. لكن جماليات اللون تتبدى حقيقة في الزي التقليدي الذي يعكس أناقة ربما لم تكن سهلة في ذلك الزمان، استعانت المرأة في الحصول عليها بخيوط التلي البيضاء والصفراء وتشكيلات الصوف الملون وغيرها من الأشياء البسطية التي توفرت لها. وفي هذا القسم تعرض معلومات عن أبرز المشروعات التي أنجزها الباحثون والخبراء في الهيئة، وهي: مشروع تسجيل الصقارة في اليونسكو في القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، ومشروع توثيق المسميات الجغرافية الذي يهدف إلى تجسيد ذاكرة المكان في الموروث الشعبي، وبناء قاعدة بيانات بالمسميات الجغرافية لإمارة أبوظبي، وحماية هذه المسميات من الاندثار، ومشروع الجمع الميداني الشامل لتراث إمارة أبوظبي الذي يهدف إلى جمع وتوثيق عناصر التراث الشعبي في إمارة أبوظبي، مع التركيز على العناصر المعرضة للاندثار، ومشروع إنتاج وتطوير الحرف والصناعات التقليدية في إمارة أبوظبي الذي يرمي إلى إحياء الحرف والصناعات التقليديّة في إمارة أبوظبي بعد أن انخفض عدد المشتغلين بها. وتطويرها بما يتلاءم مع متطلبات السوق المعاصرة. أخيراً.. يصعب إيراد كل ما يحتويه هذا البيت من مفردات جمالية لكن استشعار الجمال فيه سهل ومتاح لكل قاصديه. كتب بطعم القهوة وتنضاف إلى متعتك الجمالية متعة أخرى، حين تلتفت يمنة لتجد جناح نادي تراث الإمارات يدعوك هو الآخر الى اجوائه التراثية العابقة بالبخور، ورائحة القهوة والهيل المضمخ بالزعفران. وما إن تطأ قدماك أرض الجناح حتى تجد فنجان القهوة مقروناً بالترحيب والابتسامة التي لا تفارق شفاه شابين يرتديان الزي الإماراتي التقليدي البدوي الأصيل. هنا يجد التراث تحققه الفعلي على أرض الواقع، وتنمو علاقات جيرة سريعة بين الجناح والأجنحة التي تجاوره. تدور عيناك في المكان فتصافحك صور المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان “رحمه الله” وعدد من الكتب القيمة التي تتناول شخصيته وتجربته. فيما تجول بك الكتب التي يعرضها الجناح في حقول المعرفة الواسعة، وسنابلها الملأى بكل شهي: مجموعة كبيرة من عناوين الكتب التراثية التي أصدرها مركز زايد للتراث والتاريخ في العين التابع لنادي التراث، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أطلس نخيل التمر، الفروسية والمناصب الحربية، القضاء العرفي في دولة الإمارات، مناهج توثيق التراث الشعبي، بالإضافة إلى أمهات كتب التراث العربي المحققة ضمن مشروع إحياء أمهات الكتب، مثل مناقب الأبرار ومحاسن الأخبار، تحفة الدهر في نسب الأشراف بني بحر، مسالك المغنين في العصور الإسلامية، عجائب الدنيا وقياس البلدان، مسالك دور الخلافة الإسلامية، صور عربية من تاريخ العرب... وغيرها. علاوة على الكتب الخاصة بتاريخ الإمارات. ولا يقتصر اهتمام النادي على كتب التراث بل يعرض كتباً في اللغة والأدب والثقافة وأكثر من 100 ديوان شعري لأعلام الشعر الشعبي في الإمارات. وتتعانق في جناح نادي تراث الإمارات مظاهر التراث مع مظاهر العصر والتحديث ممثلة في الكتب الإلكترونية التي تقدم للزائر المعني بموضوع التراث كنزاً من المعلومات في أقراص مدمجة منها: موسوعة زايد الالكترونية، موسوعة الصقور، موسوعة الخيول، موسوعة الإبل، وموسوعات عديدة في الخط العربي والقرآن الكريم والمعاجم العربية ومكتبة التاريخ والأعلام وغيرها من الإصدارات التي تباع بأسعار رمزية ضمن مشروع النادي الهادف إلى توصيل الكتاب الى اكبر عدد ممكن من الجمهور ومن خلال طبعات أنيقة وعالية المستوى. ذاكرة العين وتكتمل متعتك تماماً وتبلغ أوجها حين تعبر إلى جناح “ذاكرة العين” بجماله الباذخ، وألوانه الزاهية، وزواياه المضخمة بعبير الحكي التراثي الذي تمارسه الحكاءة الشعبية الإماراتية قاية الظاهري، المشرفة على الجناح. يحضر إيقاع التراث هنا على نحو يملأ العين حقاً.. يتيح لها متعة بصرية لا تقف عند حدود المظاهر التراثية المختلفة بل تذهب بعيداً في جمال تنسيقها، وترتيبها لكي تتسع للأطفال الذين تروي لهم وقاية “خراريفها” وحكاياتها الشعبية في محاولة لربطهم بتراثهم وبموروثهم الشعبي باعتباره أحد المكونات الاساسية للهوية الوطنية. الجناح بكل ما فيه يمثل ، حسب وقاية الظاهري، تراث مدينة العين الجميلة ويعكس تاريخها، وإذا سألت وقاية عن أي شيء سرعان ما تقدم لك شرحاً مفصلاً ووافياً عن النخلة والإبل والقنص ومواسم التمر والصيد وأدبيات القهوة وتقاليدها وأشياء كثيرة عن الإمارات وبخاصة مدينة العين. تحرس وقاية التراث وتتواصل مع الذاكرة الشعبية، كما تقول، وتؤكد أنها تشعر بسعادة هائلة حين ترى تمسك أهل الإمارات بتراثهم رغم التقدم والتطور الذي تشهده الدولة. أخيراً، لا تندهش إذا استمعت إلى وقاية تتحدث إلى الناس بلغة فصيحة واضحة وسلسة وتقدم لهم المعلومات بحماسة شديدة تؤكد التصاقها بوطنها وتراثها. ... وللشعر ناديه أما المكان الرابع الذي يمتلك تصميماً غريباً وجميلاً وغير نمطي في الوقت نفسه، ويجذب إليه الزوار ليوقعوا على جدرانه البيضاء التي تحولت الى لوحة فنية بسبب تعليقات الزوار وكتاباتهم، فهو نادي أبوظبي للأدب والنشر. وهو منبر إبداعي وفكري جديد لأنشطة الأدب والنشر في العاصمة أبوظبي، أطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ضمن استراتيجيتها الشاملة للإمارة في التحول الى عاصمة للفكر والثقافة في المنطقة والعالم، مستوحية النموذج الكلاسيكي لـ “الصالون الأدبي”. وقد وجد نادي أبوظبي للأدب والنشر “موطنه الاول” في صالة كبار الزوار في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، واستقطب “من الخارج” عدداً كبيراً من القراء والمثقفين والشعراء الذين باحوا بما في قلوبهم وما في صدورهم فوق جداره، وربما يعوض في المستقبل المقهى الثقافي الذي يفتقده المثقفون في معرض الكتاب، خاصة إذا ابتعد عن الرسمية الصارمة واقترب من نبض المثقف الإماراتي. مهلاً، ثمة مكان أخير يتشابه مع الأجنحة السابقة في اختلاف تصميمه وأناقته هو “الملتقى”، أو بيت النساء الذي يهندسه البياض الموشى بالذهب، فيكسوه فخامة واستثناء يميزانه عما حوله، فيما تدلك عليه من بعيد روائح العطور والبخور المنبعثة منه. هنا تجري فعاليات ثقافية منتقاة وحوارات معمقة.. هنا نساء يقرأن في كل شي: الفلسفة، الفكر، العلوم الاجتماعية، الروايات، القصص، النقد الأدبي، ثم يجتمعن ليناقشن ما قرأنه في متعة رائقة. وفي محاولة لتحقيق الفاعلية الاجتماعية يقمن “بيتهن الجميل” الذي أتاحته لهنِّ إدارة المعرض ليكون صالوناً او ملتقى ثقافياً تتبدى من خلاله “نون النسوة” المثقفة في خصوصية إبداعية تثبت ربما للمرة الألف أن المرأة لا تقرأ فقط كتب الطبخ والأزياء والأبراج. عبق الماضي وهدايا للصغار في جناح نادي تراث الإمارات محمد بابا: تميز المعرض باحتفاء خاص بالتراث ببعديه المروي والمادي، وبين الأجنحة وأنت تتجول لا يمكنك الا ان تقف لبعض دقائق أمام تلك المرأة التي تطرز بعض النسيج المحلي أو أمامها وهي تدور الرحى، ولا يمكنك ايضاً ان تمنع نفسك من الوقوف برهة من وقت أمام الشيخ الذي يجلس ممسكاً بعصاه وربابته تحت ظل الخيمة، وسيلفت طبعاً انتباهك ذلك الفتى الآخر بزيه التقليدي يوزع فناجين القهوة العربية وصحون التمر كنوع من الاحتفاء والضيافة بزوار يودون التعرف على تراث جميل. وحسب الدكتور راشد المزروعي رئيس وحدة التراث الشعبي في مركز زايد للدراسات والبحوث في “نادي تراث الإمارات” هذا الجناح مساهمة ومشاركة من أجل نشر هذه الأمجاد بين الأجيال الحاضرة حفاظاً عليها من الاندثار، وتعريف الجمهور والمشاركين بأهميتها من خلال جمع وتدوين التراث المروي من شعر ودواوين ومصنفات، والمحافظة على التراث المادي من أدوات غوص ولؤلؤ وأدوات متعلقة بالإبل، وعرض الأدوات التي تستخدمها النساء في الحياكة والتطريز وما الى ذلك. وتقول ليلى عبدالله عبد المالك، مديرة وحدة الأنشطة السمعية والبصرية في قسم التراث المعنوي التابع لهيئة الثقافة والتراث في أبوظبي، هذه المشاركات والفعاليات جزء من المحافظة وصيانة موروثنا الثقافي والحضاري، لأنه جزء من ماضينا ومن الضروري ان نخلده ونعرف عليه الأجيال والزوار، وصحبتنا ليلى عبد الله لمعروضات القسم التابع لهيئة تراث أبوظبي، حيث مجسمات لمجموعة من الأواني التقليدية التي كانت مستخدمة في الماضي في البيت الإماراتي، وأزياء خاصة مطرزة بشكل جميل تخص العروس وملبسها التقليدي، كما قالت انهم يوزعون مجسمات لأدوات تقليدية في هدايا خاصة للأطفال حتى تبقى عالقة في ذاكرتهم، واضافت بان الغرض من ذلك هو تقديم الصورة الجلية لللزوار وللأجيال الجديدة حول هوية الإمارات، حتى تظل على صلة بهذا الموروث الأصيل، وفي نادي العين للتراث لا يختلف الأمر حيث الربابة والزرابي والخيمة والقهوة العربية التي تستقبلك بالترحاب كجزء أصيل تراث وثقافة وتاريخ هذا الشعب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©