الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

صناعة التكنولوجيا.. نفق آسيا السري إلى العالمية

صناعة التكنولوجيا.. نفق آسيا السري إلى العالمية
10 أغسطس 2007 00:20
تتناقل وسائل الإعلام وأوساط الدراسات الاقتصادية الاستراتيجية العالمية هذه الأيام بإسهاب وتفصيل التطورات المتسارعة التي تشهدها الدول ذات الاقتصادات الناشئة في شرق آسيا كالهند والصين وتايلاند وفيتنام، بعد أن أصبحت هذه الدول ملاذاً آمناً للشركات التي تبحث عن تطوير منتجاتها وإقامة خطوط إنتاجها في ظل أسعار شديدة الانخفاض للأيدي العاملة والمواد الأولية وأجور استخدام البنى التحتية· وبالرغم من إسراع كثير من الشركات العالمية الشهيرة لإقامة علاقات استراتيجية مع شركات محلية في الهند والصين، مثلما حدث في صناعة السيارات وإنتاج الخدمات الرقمية و''السوفت وير''، إلا أن كثيراً من الشركات الآسيوية المحلية المستقلة وجدت طريقها المفتوح للشهرة والمنافسة عالمياً· وبعض هذه الشركات تمكنت من تحقيق نمو هائل جعلها قادرة على الاستحواذ حتى على شركات غربية عملاقة مثلما هو حال شركات: ''تاتا''، و''ويبرو''، و''إنفوسيز تكنولوجيز''، و''بهارتي إيرتيل'' الهندية، والعديد من الشركات والمؤسسات الاستثمارية الصينية· وتشير السرعة العالية في معدلات النمو التي تسجلها العديد من الشركات الناشئة في شرق آسيا إلى أن على العالم أجمع أن يستعد للتعامل بكثير من الجدّ مع هذا الزحف القوي للأجيال الجديدة من الشركات الآسيوية القوية والذي يذكّر الخبراء والمؤرخين بالزحف المغولي الذي شهده العالم خلال التاريخ القديم· وأصبحت الأرقام السنوية للأداء التي تصدر بشكل دوري عن المؤسسات المالية في الهند والصين، كشركات الاستثمار والبنوك والتأمين، تصيب المحللين بالذهول من حيث ضخامتها وسرعة نموها، ومنها مثلاً البنك الصناعي والتجاري الصيني الذي احتل المرتبة التاسعة عالمياً من بين أضخم 500 شركة في العالم بقيمة سوقية بلغت 225 مليار دولار، و''بنك أوف تشاينا'' الذي احتل المرتبة 23 بقيمة سوقية بلغت 165,5 مليار دولار، و''بنك الصين للإنشاء والتعمير'' الذي احتل المرتبة 35 في التصنيف المذكور بقيمة سوقية بلغت 128,5 مليار دولار، و''بنك الصين للتأمين'' الذي احتل المرتبة 41 بقيمة سوقية بلغت 116,3 مليار دولار· قد توحي هذه الأمثلة بأن مركز الثقل المالي العالمي الذي احتفظ به الغرب منذ قيام الثورة الصناعية وحتى الآن، آخذ في التغير الآن وبسرعة كبيرة نحو الشرق· ولعل الظاهرة المهمة التي ينبغي التوقف عندها في هذا المجال، هي أن الشركات والمؤسسات القوية الناشئة في شرق آسيا لم تعد تقصر اهتماماتها على إنتاج السلع والخدمات التقليدية مثلما كان الأمر من قبل، بل أصبحت تنافس على المستوى العالمي حتى في أكثر المنتجات والأنظمة والخدمات التكنولوجية تعقيداً· وكثيراً ما تتناول وسائل الإعلام الغربية هذا التحوّل الحاسم في مراكز القوى الاقتصادية والتكنولوجية بشيء من الذهول الممتزج بكثير من الإعجاب· ومن ذلك مثلاً أن مجلة ''فوربس'' الإنجليزية واسعة الاطلاع، نشرت مؤخراً استطلاعاً شاملاً مدعماً بالصور الملونة والأرقام والمخططات البيانية تحت عنوان: ''نسل جديد من الشركات التكنولوجية في الهند''، جاء فيه أن اسم ''الهند'' ذاته بدأ يحمل للخبراء والمحللين الإيحاء بالقوّة الاقتصادية والصناعية وحتى السياحية، فضلاً عن كثير من المظاهر الاجتماعية المتناقضة· وهناك، ستجد تاج محل، وصور المهاتما غاندي بلباسه المتقشف، والشركات التكنولوجية الجديدة ذات الأصول والمشارب المختلفة، ومصانع السيارات والفولاذ· وهناك أيضاً، ستجد مظاهر الفقر بأقسى أشكاله وصوره خاصة في زوايا وأزقة الأحياء الفقيرة في مدينة بوبال المنسيّة· لكن، ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت صورة الهند الجديدة تتكشف بوضوح· وتكشف الصورة الجديدة أن الهند أصبحت الآن مركزاً عالمياً لتطوير وابتداع التكنولوجيا العالية خاصة تكنولوجيا المعلومات· وإذا كان يطلق على مركز هذه التكنولوجيا في الولايات المتحدة الاسم الشهير ''وادي السيليكون''، فقد أصبح في وسع الهند أن تطلق على مدينة بنجالور المتخصصة في صناعة تكنولوجيا المعلومات اسم ''قلعة السوفت وير''· ويشير تقرير ''فوربس'' إلى أن أكثر من 800 ألف مهندس منشغلون هناك الآن بتأليف وكتابة البرامج الحاسوبية التطبيقية التي تساهم في استمرار دوران عجلة العمل في بورصة نيويورك والمصانع الأميركية وحتى في مدينة السينما ''هوليوود''· وهذا العدد الضخم من المهندسين، الذين قلّما اجتمعوا مرة واحدة في بلد واحد من بلدان الأرض، غارقون الآن حتى الآذان في تصميم وصناعة رقاقات الكومبيوتر، ولوحات الدوائر التكاملية الحاسوبية، والمئات من الأجهزة الاستهلاكية الإلكترونية، وبرمجيات وأنظمة التحكم بالطائرات وتنظيم الحركة الجوية، والعديد من البرامج التطبيقية المتخصصة بصناعة الرعاية الطبية والصحية· وإلى جانب هؤلاء، هناك أكثر من 400 ألف من المهندسين الشبّان الهنود الذين يعملون في قطاع الصناعات والخدمات الإلكترونية الدقيقة الجاهزة للتصدير والتداول عبر العالم أجمع· ومعظم الأعمال التي يؤدونها متفق على شرائها سلفاً وفق عقود دولية ولصالح شركات غربية· وكان جاك ويلش، المدير العام السابق لشركة جنرال إلكتريك كومباني، أحد شهود العيان عن هذه التحولات الاقتصادية اللافتة التي تشهدها الهند حيث يقول: ''أصبحت أنظر إلى الهند نظرة مختلفة تماماً، فهي تضم الآن مليار نسمة وعدداً كبيراً من الخبراء الأكفاء وأصحاب المهارات المهنية، وهي تزداد تطوراً يوماً بعد يوم وبسرعة عجيبة، ولا أشك أبداً في أنها ستتحول قريباً إلى لاعب اقتصادي عالمي من الطراز الأول''· ولكن ·· كيف حدثت هذه المعجزة الاقتصادية؟·· يجيب تقرير ''فوربس'' عن هذا السؤال بالقول: ''لا شك أن الفضل الأول يعود للنجاح في تحرير الاقتصاد الهندي وإخراجه تماماً من بيئة الاقتصاد الزراعي الهامشي الذي تسوده البيروقراطية والقوانين البالية''· ثم يتدارك هذه النظرة المحدودة للأمور، فيشير إلى أن هناك أسباباً جوهرية أخرى لا يجوز إغفالها، وهي التي سجلت في عام 1993 عندما تمكن ''لاعب'' أميركي داهية على الكومبيوتر يدعى مارك أندرسون، كان في ذلك الوقت طالباً في الدراسات العليا بجامعة إلينينوي، من تصميم أول نظام للإبحار في الإنترنت· وكانت شبكة الإنترنت المتخصصة بربط الحواسيب إلى بعضها البعض متوافرة منذ ذلك الوقت إلا أن استخداماتها كانت تقتصر على الجامعات والأكاديميات العلمية التي كانت تستفيد منها في تبادل المناهج والاكتشافات وبيانات نتائج البحوث· وتمكن أندرسون من ابتداع ''مبحر'' جديد في الإنترنت أطلق عليه اسم ''موزاييك''، وهو الذي أدى فيما بعد إلى عولمة الإنترنت· ومنذ ذلك الوقت، أصبح في وسع أي إنسان في العالم يمتلك كومبيوتراً ومدخل إبحار في الإنترنت، أن يتصل عن طريقه بأي شخص آخر مهما بعدت المسافات بينهما· إلا أن الشيء الأهم في ابتكار أندرسون هو أنه فتح الباب واسعاً أمام ابتداع محركات البحث وأنظمة التشغيل المتقدمة مثل: ''ياهو''، و''أمازن دوت كوم''، و''إي باي''، و''جوجل''· وبهذا بات في وسع أي إنسان في العالم يحمل فوق كتفيه ''دماغاً نظيفاً'' أن يبتدع الخدمات الرقمية الجديدة التي يمكن أن تتهافت عليها الأسواق، تماماً مثلما يحدث الآن في وادي السيليكون· وهذا هو بالضبط النفق السرّي الذي اكتشفه المتفوقون الهنود لبلوغ صفة العالمية في الإنجاز التكنولوجي· وهناك تفاصيل أخرى في هذا المجال لا بد من طرقها· فكثيراً ما يطرب المديرون التنفيذيون لشركات الكومبيوتر للحديث عن ''التطبيقات القاتلة'' في الابتكارات التكنولوجية الرقمية، وهو تعبير مجازي يقصد به ابتداع تكنولوجيات رقمية جديدة مبهرة يمكنها أن تزيد من سرعة استخدام التكنولوجيات الرقمية المتداولة· ومثال ذلك معالجا ''سبريد شيت'' و''وورد'' اللذان دفعا بتطبيقات معالجة النصوص في الكومبيوتر الشخصي إلى آفاق جديدة· وعلى نحو مشابه، أمكن لبرامج الإبحار وطرق بناء المواقع الإلكترونية ونظام التراسل النصّي عبر البريد الإلكتروني، أن تلعب جميعاً دور ''التطبيقات القاتلة'' في شبكة الإنترنت· ولعل الشيء المهم الذي يمكن للمرء أن يخرج به من خلال التنقيب في هذه الحقائق التطورية التي نعيش تداعياتها الآن، هو أن الاستخدام الأكثر أهمية للإنترنت هو الذي يكمن في أنها جعلت نتاجات وإبداعات الأدمغة الهندية مقبولاً ومرحباً به في شركات وأسواق تكنولوجيا المعلومات في الدول الغربية· وباستخدام الإنترنت بطريقة مشابهة لطريقة استخدام الطرق السريعة للربط بين الولايات الأميركية، أصبحت أكثر من 700 شركة هندية متخصصة بابتداع الخدمات الرقمية تقدم للأسواق والشركات الأميركية والأوروبية واليابانية كل يوم منتجاتها الرقمية ذات المستوى الرفيع والتي تعبر عن كفاءة عالية· هذا النسل الجديد من الشركات الناشئة، أو ما يسمى ''النمور الهندية'' ذات الأنياب البارزة، أصبحت تجذب إليها الكفاءات والرؤوس الخبيرة مثلما يجذب المغناطيس الحديد، لكن هناك أيضاً المزيد من هؤلاء الدهاة وحيث تقذف الهند إلى ميادين العمل الإنتاجي كل عام 120 ألف مهندس جديد متخصص بتكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن 3 ملايين من المساعدين التقنيين من ذوي الرتب الأقل شأناً، وفقاً لإحصائيات ميدانية أشرفت على إنجازها الرابطة الوطنية لشركات صناعة ''السوفت وير'' والخدمات الإلكترونية ''ناسكوم''· ونظراً لأن الموظفين الهنود الذين يعملون في تكنولوجيا المعلومات يتقاضون نحو 20 بالمائة فقط من تلك التي يتقاضاها نظراؤهم في الدول الغربية، فلقد أتاحت هذه الميزة للشركات الهندية تقديم منتجات رفيعة المستوى وبأسعار بالغة الانخفاض، وهو الشرط الأساسي للمنافسة الناجحة في الأسواق·وكان من الطبيعي أن تمثل هذه الظاهرة عاملاً مهماً لتشجيع شركات غربية عملاقة تعمل في هذا الاختصاص مثل: ''إي دي إس''، و''آي بي إم'' على شدّ رحالها إلى ''بنجالور'' أو ''قلعة السوفت وير الهندية''· وأصبح هذا النوع من العمل الإنتاجي المشترك للشركات الأجنبية في الدول ذات أجور العمالة الرخيصة يدعى ''التوزيع العالمي للخدمة''· وفي المتوسط، باتت نسبة 30 بالمائة فقط من الأعمال التي تنجزها هذه الشركات تتم في موطنها الأصلي مقابل 70 بالمائة فيما وراء البحار· وأصبح الهنود يعتمدون في سعيهم لبلوغ موقع رائد في صناعة تكنولوجيا المعلومات على المستوى العالمي على المعادلة الحسابية البسيطة التالية: ''الإنترنت + الأدمغة الهندية + التكلفة المنخفضة للإنتاج = الفرصة الهائلة للنجاح''· إلا أن تموين العالم بالأدمغة النظيفة لا يمثل أكثر من صورة واحدة لخلفية المشهد، فلقد أثبت الهنود أيضاً أنهم خبراء في تسيير وإدارة الأعمال· الشراكة الصناعية طريق النجاح من المهم عند الحديث عن هذا النمو السريع الذي حققته الشركات الآسيوية العملاقة، الإشارة إلى الدور الفاعل الذي لعبته الشراكات الأجنبية الاستثمارية في دعمها وترقية أدائها· ففي صناعة تكنولوجيا المعلومات مثلاً لا تكون المعادلة الحسابية الشهيرة ''واحد زائد واحد يساوي اثنين'' صحيحة، بل إن الصحيح هو أن إمكانات الشراكة الناتجة عن اندماج شركتين إحداهما محلية والثانية غربية يؤدي إلى نتائج تفوق في قيمتها مجموع إمكانات الشركتين المندمجتين· وكانت شركة ''آي بي إم'' الأميركية لصناعة الكمبيوتر والبرامج التطبيقية من أوائل الشركات التي أدركت هذه الحقيقة وسارعت العام الماضي لإبرام اتفاقية لإنشاء شركة هندية لتركيب وإنتاج الرقاقات السيليكونية المصغرة التي تستخدم في تشغيل الكمبيوتر تحت مسمى ''إتش سي إل تكنولوجيز''· والآن، أصبحت هذه الشركة الجديدة من أهم المراكز التي تعمل في مجال تصميم وإنتاج الرقاقات الحاسوبية في الهند· ومن المعلوم أن شركة ''آي بي إم'' أنشأت العديد من مراكز تصميم الرقاقات والمعالجات المصغرة في كل من مدينة بنجالور الهندية والصين واليابان وسويسرا وألمانيا، بالإضافة للولايات المتحدة· وتأتي هذه الاتفاقية في أعقاب حديث يروج بقوة في دوائر الصناعات الإلكترونية إلى أن صناعة تصميم وبناء أنصاف الموصلات في الهند تنمو بقوة مثيرة للدهشة بالرغم من أنها انطلقت من الصفر· ومن المتوقع أن تقفز عوائد هذه الصناعة في الهند إلى ثلاثة أمثال عوائدها الحالية بحلول عام 2010 لتبلغ 1,72 مليار دولار ارتفاعاً من 624 مليون دولار من المقدر أن تجنيها خلال العام الجاري· ويقول المحلل الاقتصادي جاغديش ريبيللو في تقرير نشرته ''الهيرالد تريبيون'': ''يمثل الاستثمار في تصميم وبناء الرقاقات الحاسوبية والمعالجات المصغرة في الدول ذات تكلفة التصنيع المنخفضة والأيدي العاملة الخبيرة كالهند، توجهاً جديداً من المقدر له أن يصبح شائعاً في المستقبل''· وتستفيد الشركات الأميركية التي تستثمر في هذا القطاع الصناعي المتطور في الهند من عوائد استخدام الشركات الهندية لتكنولوجياتها· ومن ذلك مثلاً أن شركة ''إتش سي إل تكنولوجيز'' الهندية التي تعد من كبريات شركات تقديم الخدمات التكنولوجية هناك، وتبلغ عوائدها السنوية 814 مليون دولار، سوف تدفع كل ما يترتب عليها من رسوم اقتباس تكنولوجيا ''باور'' التي تستخدمها شركة ''آي بي إم'' في تصميم وصنع الرقاقات الحاسوبية، وسوف تتقاسم معها الأرباح الإضافية التي ستجنيها من بيع المعالجات المصغرة الجديدة التي ستنتجها قريباً، أو عندما تلجأ الشركة الهندية إلى بيع حقوق التصنيع بهذه الطريقة إلى شركات أخرى· ويقول رون مارتينو، مدير قسم منتوجات ''باور'' في شركة ''آي بي إم'' في هذا الصدد: ''ترمي شركة (آي بي إم) من وراء هذا الاستثمار إلى نشر عمليات استغلال حلول باور الهندسية على أوسع نطاق ممكن عبر العالم''· ولقد أقيم مركز تصميم وصناعة رقاقات ''آي بي إم'' في مدينة شيناي جنوب الهند، وهو يضم الآن 25 مهندساً وموظفاً خبيراً، إلا أن من المنتظر أن يزداد هذا العدد بسرعة كبيرة خلال الأشهر المقبلة· ويبرو ملكة الاستحواذ ربما تكون ''ويبرو'' من أكثر الشركات الهندية نجاحاً· والتي أُدرجت في قائمة أضخم 500 شركة في العالم لعام 2007 بقيمة سوقية بلغت 18,7 مليار دولار، وتعد الآن من أضخم ''نمور الهند'' وأسرع الشركات نمواً· ويعود تأسيسها لعام 1980 هي متخصصة في صناعة خدمات وأجهزة تكنولوجيا المعلومات، وبلغ عدد موظفيها في أبريل من عام 2007 أكثر من 68 ألف موظف· وتنتج ''ويبرو'' خدماتها وأجهزتها الجديدة لصالح 300 شركة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان· ومن أشهر زبائنها شركة بوينج لصناعة الطائرات والأنظمة الجوية و''بريتيش بتروليوم'' لصناعات الطاقة واستخراج وتكرير النفط وإيريكسون و''آي بي إم'' و''مايكروسوف'' و''برودينشيال'' و''سيجيت'' و''سوني'' و''توشيبا''· وتبلغ قيمة العوائد السنوية الصافية للشركة 3 مليارات دولار مما يجعل منها إحدى أضخم الشركات الهندية العاملة في صناعة تكنولوجيا المعلومات· وأدت السرعة العالية للنمو التي سجلتها شركة ''ويبرو'' الهندية لدفعها إلى نشر نشاطاتها خارج الهند· وذهب بها طموحها وقدرتها العالية على الأداء إلى السعي لشراء أصول شركات أميركية متخصصة بإنتاج خدمات ''السوفت وير'' وصناعة تكنولوجيا المعلومات بما فيها الهارد وير وابتكار الأنظمة الرقمية لتنظيم العمل· وكانت أعلنت الأسبوع الماضي عن صفقة تبلغ قيمتها 600 مليون دولار للاستحواذ على شركة ''إنفروكروسينج''· وهي تخطط الآن لافتتاح مراكز ومختبرات ومصانع متخصصة بتقديم مختلف أنواع الخدمات ذات العلاقة بتكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة ذاتها التي تُعد المعقل العالمي لهذه الصناعة· وفضلاً عن مركز تطوير ''السوفت وير'' الذي تعتزم الشركة افتتاحه في مدينة أتلانتا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فإنها تتطلع الآن لبناء مراكز إنتاجية مشابهة في أوستن بولاية تكساس وريتشموند بولاية فرجينيا· ونقلت صحيفة ''هيرالد تريبيون'' عن سيردهار راما سوبو، المدير العام التنفيذي لفرع شركة ''ويبرو'' في الولايات المتحدة وأوروبا، تأكيده على أن هذه المنشآت الجديدة سوف تفتتح أبوابها العام المقبل، بالرغم من أن الشركة ستفتح عينيها الواسعتين على ما سيكون عليه أداء منشآتها في أتلانتا التي سيبدأ العمل فيها نهاية العام الجاري· وكانت ''ويبرو'' قد عمدت خلال الأشهر الأخيرة لمعاينة الأوضاع في 650 مدينة في الولايات المتحدة قبل أن يقع اختيارها على المدن الثلاث المذكورة· وكانت تأخذ في اعتبارها أثناء هذه الدراسة، مدى تعاون الولايات الأميركية معها في مجال الطلب على خدماتها، إلى جانب استعداد المعاهد والمراكز العلمية في تلك الولايات على تدريب كوادرها وموظفيها· كما أخذت الشركة بعين الاعتبار المستويات العلمية والتكنولوجية للجامعات والمعاهد القريبة من المدن وتكاليف المعيشة ومتوسط أعمار سكان الولايات، مما يدل على قوة وعمق جهاز الدراسة والتخطيط فيها· وأشار راما في حواره مع ''هيرالد تريبيون'' إلى أن شركته تهتم كل الاهتمام بتدريب موظفين أميركيين ومنحهم شهادات كفاءة لإدارة فروعها وأقسامها المختلفة في المستقبل· ويندرج كل ذلك ضمن خطة بعيدة المدى للانتشار والتوسع في الولايات المتحدة والأسواق العالمية· ووضعت الشركة برنامجاً خاصاً لهذا الغرض تحت شعار ''إكسب المال وأنت تتعلّم''· وأقرّت الشركة أيضاً نظاماً لدعم الموظفين الأكفاء من غير حملة الشهادات العليا بتسجيلهم في الجامعات المتخصصة والإشراف التام عليهم ودفع تكاليف دراستهم وإقامتهم ومعاشهم حتى يتخرجوا منها· وقال راما إن خبراء الشركة توصلوا إلى النتيجة التي تفيد بأن تعليم الموظفين في الجامعات وتعيينهم بعد ذلك فيها يكون أقل تكلفة من توظيف المهندسين من ذوي الخبرة المكتسبة سلفاً؛ وقال في هذا الصدد: ''نحن نتطلع للساليب التي تسمح لنا بتفعيل فكرة الاستثمار في العقول والمواهب كوسيلة للانتشار القوي في أسواق الولايات المتحدة· الإبداع المحلي ركيزة التقدم ما من شك أنه لولا التكنولوجيات ذات الأصل المحلي في كل من الهند والصين، فإنهما كانتا ستعتمدان على الشركات الأجنبية، وهو الأمر الذي لا تحبذانه على الإطلاق· ولقد سبق للصين بوجه خاص أن دفعت كثيراً من الأموال للشركات الأجنبية لحثّها على الاستثمار هناك، لكنها تفضل الآن أن تخفض هذه الأعباء أو تلغيها تماماً· وربما كان من أهم الأسباب التي تراهن عليها الشركات الآسيوية العملاقة هي التي تتعلق بقدرتها الذاتية على التجديد والابتكار في مختلف حقول التطور والتقدم الصناعي والتكنولوجي· وينظر الخبراء والمحللون إلى هذا العنصر باعتباره ينطوي على أهمية تفوق بكثير أهمية توافر العمالة الكفؤة ذات الأجور المنخفضة وتكاليف التصنيع الرخيصة بالرغم من أن هذين العاملين ينطويان على أهمية كبيرة· وتعد القدرة على الزجّ بالأعداد الكبيرة من الموظفين الأكفاء لحل المشكلات التقنية في ميدان معين، من الشروط المهمة للنجاح في حقل الصناعات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات· ويكون في وسع الشركة المنتجة في هذه الحالة أن تسرع عملية الإنتاج وتقصر من الدورات الزمنية لاستبدال المخترعات القديمة بأخرى جديدة· وهو ما لا يمكن تحقيقه في حالة نقص العمالة الكفؤة· أخلاقيات السوق تحرص معظم الشركات الناشئة على احترام حقوق الملكية الفكرية حتى تتمكن من اكتساب سمعتها الأخلاقية التجارية في الأسواق العالمية· ويقول أحد المؤرخين الاقتصاديين الأميركيين إنه عقب إعلان الولايات المتحدة عن استقلالها، وضعت الحكومة سياسة رسمية ترمي إلى سرقة الابتكارات والاختراعات من أوروبا التي عاشت بلدانها نهضتها الكبرى كقوى صناعية في القرن التاسع عشر· وأما بالنسبة للهند والصين، فلقد أصبحت المطالب باحترام حقوق الملكية الفكرية تنطلق من الشركات المحلية ذاتها· تخفيف موجة النقد يبدو للمحللين أن النجاح الأكيد سيكون من نصيب ''ويبرو'' في السوق الأميركية، فلقد كانت الشركة أسبق منهم في إدراك هذه الحقيقة حيث وجدت وجدت نفسها قادرة على الانتشار في دول أخرى وفقاً للأسس نفسها التي دفعت بها إلى المدن الأميركية· وتقوم الشركة الآن ببناء منشآت لها في كل من البرازيل وبعض دول أوروبا والصين والمكسيك وكندا· ويقول راما في شرحه لهذه الأهداف: ''إنه لمن المهم أن تكون لشركتك فروع في أماكن متعددة من هذا العالم''· وهناك أيضاً المزيد من الفوائد التي تنطوي على استخدام شركة ''ويبرو'' للموظفين الأميركيين في منشآتها الجديدة من أهمها أن ذلك سوف يحدّ من موجة النقد التي تواجهها الشركات الأجنبية التي تعمل في أميركا ولنها تلجأ إلى جلب عمالها وموظفيها من بلدانها الأصلية· نماذج ناجحة شهدت الهند خلال السنوات القليلة الماضية ولادة كثير من الشركات العملاقة الجديدة منها ''شركة تاتا للخدمات الاستشارية'' التابعة لمجموعة ''تاتا''، وبلغت قيمتها السوقية 3 مليارات دولار في عام ،2006 بالرغم من حداثة عهدها في صناعة تكنولوجيا المعلومات· ولقد عرفت طريقها إلى النجاح من خلال استقطاب وتوظيف عدد كبير من مهندسي وخبراء البرمجة الحاسوبية وأوكلت إليهم مهمة العمل الروتيني اليومي على تحديث البرامج التطبيقية ''السوفت وير'' وتنفيذ المهمات والخدمات الرقمية التي تطلبها الشركات الغربية· وكانت بدأت عملها عام 1968 ولكنها لم تكن تعنى بهذه الصناعة الجديدة· وهناك أيضاً شركة ''إنفوسيز تكنولوجيز'' التي تعد إحدى أسرع الشركات الهندية العاملة في تكنولوجيا المعلومات نمواً، حيث تحقق هامشاً ربحياً يبلغ 31 بالمائة من مجمل عوائدها· وتُعدّ شركة ''ساسكن لتكنولوجيا الاتصالات'' التي يُوجد مقرها في مدينة بنجالور شركة رائدة على المستوى العالمي في مجال تصميم أنظمة الاتصالات وابتداع الدارات التكاملية· وتبلغ العوائد السنوية لشركة ''ساسكن'' 55 مليون دولار وتشغل نحو 2400 عامل وهي تعمل في مجال كتابة الشفرة الرقمية السرّية التي يتم زرعها في أعماق الأجهزة الاتصالية كالهاتف الخليوي ومشغلات الإنترنت وآلات الدفع الفوري لأموال البنوك· وهي تسعى إلى الارتقاء بأدائها من مستوى الأعمال ذات العوائد السوقية المتواضعة إلى التكنولوجيات الأكثر تطوراً وتعقيداً· آسيا تستقطب الطيور المهاجرة ما يقال عن الحالة الهندية يكاد ينطبق أيضاً على حالة الصين وتايلاند وكوريا الجنوبية، وهي الدول التي بدأت مسيرتها الصناعية الناجحة بالاعتماد على رخص الأيدي العاملة، وسرعان ما انتهى بها المطاف إلى تحدي كبريات الشركات التكنولوجية الغربية· وأصبحت تايوان الآن تصنع كل أنواع مؤلفات الكمبيوتر التي يستخدمها العالم، وأضحت شركاتها تمتلك الأطنان من براءات الاختراع· وتعد شركة سامسونج الكورية الجنوبية إحدى الشركات التي حصلت على أكبر عدد من حقوق الابتكار التي منحها المكتب الأميركي لبراءات الاختراع في أعوام التسعينيات، فيما فازت اليابان بأكبر عدد من براءات الاختراع من المكتب ذاته بعد الولايات المتحدة· وكان من بين عوامل نجاح الشركات الآسيوية الناشئة أنها عرفت كيف تستقطب معظم أولئك الذين عملوا ذات يوم في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا، الهنود والصينيين وبقية الآسيويين الذين فضلوا العودة في النهاية إلى بلدانهم الأصلية للمشاركة في دفع عربة التطور· وكان العنصر المكمل لهذا التوجه هو الذي يتعلق بالأموال الاستثمارية الأجنبية التي تصب في هذه الدول من غير حساب· تاتا تقود العمالقة يمكن لنظرة تحليلية معمقة للتركيبة الإدارية والإنتاجية لمجموعة ''تاتا'' الهندية أن تعبر أبلغ تعبير عن عصر نمو الشركات العملاقة تحت سفوح جبال الهمالايا· فهي تضم تحت جناحيها الشبيهين بجناحي النسر، 96 شركة تعمل في سبعة مجالات إنتاجية وخدمية مختلفة هي: الأنظمة التكنولوجية المعلوماتية، والاتصالات، وصناعة المواد والقطع والآلات، والطاقة، والخدمات، والمنتجات الاستهلاكية، والمواد الكيميائية والصيدلانية· ويعود فضل تأسيسها إلى جامسيتجي تاتا في أواسط القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي كانت فيها الهند تخطو أول خطوة لها في الطريق إلى الاستقلال من الاستعمار البريطاني· وكان رجل الأعمال الموهوب جامسيتجي تاتا، ومعه كل أولئك الذين اختاروا السير على ركبه، يعملون على أساس تسخير الفرص التجارية التي تتيحها السوق الهندية الواسعة والمفتوحة، لبناء الوطن· ومازال هذا المبدأ يمثل شعاراً وبرنامج عمل للشركة حتى يومنا هذا· وتعد ''تاتا'' الآن إحدى أضخم الشركات الهندية وأقواها تأثيراً على الاقتصاد الهندي برمته، حيث بلغ مجمل عوائدها للسنة المالية الهندية التي تقع بين عامي 2005 و2006 21,9 مليار دولار أو ما يعادل 2,8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للهند، فيما بلغت القيمة السوقية للشركة بتاريخ 2 أغسطس الماضي أكثر من 58,3 مليار دولار· وتشغل الشركات التابعة لمجموعة ''تاتا'' 246 ألف موظف وعامل· وتضم المجموعة 28 شركة مسجلة في البورصة العمومية من أشهرها ''تاتا لصناعة الفولاذ'' و''تاتا للخدمات الاستشارية'' و''تاتا للسيارات'' و''تاتا للشاي''· وتتفوق شركات المجموعة المسجلة في البورصة من حيث القيمة السوقية على شركات القطاع الخاص كافة في الهند من دون استثناء، ويتداول أسهمها الملايين من الهنود والأجانب· وتمارس مجموعة ''تاتا'' نشاطاتها وعملياتها التجارية والصناعية والخدمية في أكثر من 85 بلداً في 6 قارات، وتصدّر شركاتها المواد والسلع والخدمات لنحو 140 دولة· وتضع الإدارة العامة للمجموعة مبادئ مشتركة تعمل بموجبها الشركات كافة التابعة لها وهي: تكامل وجودة الأداء، والفهم الموسع لشروط العمل الناجح، والتميّز في الأداء، ووحدة المنتوجات، والوعي في تحمل المسؤولية· وهذه المبادئ والتعاليم التي يتمسك بها موظفو المجموعة كافة من دون استثناء ومنذ تأسيس الشركة وحتى الآن، ما زالت تمثل المرجعية الإدارية التي تتخذ على أساسها القرارات المهمة المتعلقة باستراتيجيات العمل والأداء في كل واحدة من الشركات التابعة للمجموعة· ويرأس المجموعة الآن أحد أحفاد جامسيتجي تاتا ويدعى ''راتان تاتا''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©