الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ولد ضفدعاً وصار إمبراطوراً

ولد ضفدعاً وصار إمبراطوراً
10 أغسطس 2007 01:47
هذه واحدة من القصص القصيرة النموذجية التي تعكس طريقة الصينيين القدماء في ابتداع الأحداث الخرافية· ففي سابق العصر والأوان، كان يعيش زوجان بائسان وحيث كان الزوج يهمّ بمغادرة بيته بحثاً عن الرزق في مكان آخر بعد أن قسا عليه الدهر، فيما كانت الزوجة الحامل توشك بوضع حملها· وقبل أن تأزف ساعة الوداع، عانق زوجته بحرارة، وأعطاها ما تبقّى من قطع فضية قليلة كان يحملها، وقال لها: عندما يولد الطفل، يتعين عليك أن تبذلي كل ما في وسعك من مجهود لجعله إنساناً ناجحاً· وبعد ثلاثة أشهر من رحيله، ولدت الزوجة؛ إلا أن الوليد الجديد لم يكن بنتاً ولا ولداً، بل ضفدعاً !!· وأصيبت الزوجة بإحباط كبير؛ وراحت تنتحب على ما آل إليه حلم زوجها؛ وأخذت تندب حظها: ''آه، أحيوان بدلاً من طفل؟· وكيف لي أن أواجه الناس بعد الآن؟''· وفكّرت بنشر قصتها على الملأ، ولكنها كانت خائفة مما سيكون عليه موقف جيرانها من أم ولدت ضفدعاً· عندما تمكَّنت من التعايش مع هذه المحنة، تذكَّرت كلمات زوجها أثناء الرحيل، فقررت عدم قتل الوليد بل إبقائه خبيئاً تحت الفراش· وبهذه الطريقة لن يكون في وسع أحد يعلم أنها ولدت ضفدعاً، لا طفلاً آدمياً· ولكن، وبعد شهرين، نما الضفدع الطفل إلى الحدِّ الذي جعل من العسير إخفاؤه تحت الفراش· وذات يوم، نطق الضفدع فجأة بصوت البشر فقال: ''يا أماه إن أبي سيعود هذا المساء· وسأنتظر قدومه على قارعة الطريق''· وصدق كلام الضفدع، ووصل أبوه في آخر تلك الليلة· وبادرت الزوجة السؤال: هل رأيتَ ابنك الوليد؟· أجاب: كلا، أين هو؟ ·· أين ولدي؟· قالت: كان في انتظارك على جانب الطريق· ألم تره؟· قال: كلا، لم أرَ أثراً لأحد من بني البشر هناك· بل إن كل ما رأيته ضفدعاً ضخماً زرع في قلبي الخوف الشديد· قالت بحزن: هذا الضفدع هو ابنك!· عندها شعر الزوج بأسى شديد يعتصر قلبه، وقال لزوجته: لماذا طلبت منه أن يراني؟· قالت: ماذا تعني بأنني طلبت منه ذلك؟، لقد ذهب من دون أطلب شيئاً· وهو الذي تنبّأ بقدومك من ذاته دون أن أعلم عن الأمر شيئاً· راح الزوج الذي بدت عليه الدهشة يتمتم: إنه حقاً لأمر خارق· لم يكن أحد من الناس يعلم بقدومي؛ فكيف كان لابني الضفدع أن يدرك ذلك؟· ثم قال لزوجته آمراً: اطلبي منه أن يعود إلى البيت بسرعة فربما يصيبه زكام لو ظلّ في الخارج· وما كادت الزوجة تفتح باب الدار حتى دلف منه الضفدع وقفز إلى كتف أبيه الذي قال له: أهو أنت الذي رأيته على حافة الطريق؟· أجاب الضفدع: بلى يا أبتِ، فلقد كنتُ أقف هناك بانتظارك· قال الأب: ولكن كيف نمى إلى علمك أنني عائد هذه الليلة؟· أجاب الضفدع: أنا أعلم كل ما يدور تحت السماء!!· وأصيب الوالدان بالدهشة من طلاقة لسانه ووضوح تعابيره، خصوصاً عندما استكمل حديثه بحزن: إن وطننا يتعرَّض لأخطار عظيمة، ونحن عاجزون تماماً عن مقاومة الغزاة· ولهذا، فأنا أطلب منك يا أبي أن تأخذني لمقابلة الإمبراطور لأنني أريد أن أنقذ بلدي من الدمار· قال الأب: كيف لي أن أفعل ذلك؛ فأنت لا تمتلك حصاناً، ولا أسلحة تدافع بها عن بلدك، كما أنك لا تمتلك الخبرات لخوض المعارك، فكيف إذن تفكِّر بمواجهة الغزاة؟· قال الضفدع واثقاً: خذني إلى هناك وسوف ترى كيف سأتصدّى للأعداء دون خوف· ولم يعصِ الأب طلب الضفدع، فقاده إلى المدينة لمقابلة الإمبراطور، وبعد رحلة دامت يومين وصلا إلى العاصمة، وشاهدا القصر الإمبراطوري، وطلبا مقابلة الإمبراطور، فقال لهما الإمبراطور: أصبح الخطر المحدّق يتهدَّد عاصمتنا كلها بعد أن اخترق الغزاة أطراف البلاد من كل جهة· وأنا أعدُّ بتزويج ابنتي الأميرة الجميلة للرجل الذي يتمكَّن من دحر الأعداء· ولم يكن حرّاس الإمبراطور يتخيلون أن يقبل ضفدع بتحمُّل هذه المسؤولية الجسيمة، وانعقدت ألسنتهم عندما أعلن أنه سيتصدّى وحده للأعداء ويبيدهم عن بكرة أبيهم· سأل الإمبراطور الضفدع عما إذا كان يمتلك الوسائل اللازمة للتصدي للغزاة فأجاب: بالطبع ياسيدي الإمبراطور· ثم سأله الإمبراطور عمّا يحتاجه من جنود وجياد وعتاد لخوض المعركة، فأجابه الضفدع: أنا لا أحتاج حتى لرجل أو حصان واحد· بل إن كل ما أحتاجه هو كومة من جمر الفحم الملتهب· فسرعان ما أمر الإمبراطور بإحضار الفحم المشتعل الذي كان يشعّ بلهب أحمر بالغ السطوع· فجلس الضفدع قريباً من النار لثلاثة أيام وثلاث ليالٍ وهو يلتهم ألسنة اللهب حتى انتفخت حوصلته· وفي هذه اللحظة، باتت المدينة تحت خطر مهول حيث أصبح الأعداء يدقّون على أبواب حصونها؛ وفيما تسلل الخوف والرعب إلى قلب الإمبراطور، بدت الأمور للضفدع تسير على ما يرام· وواصل ابتلاع النار· وبعد انقضاء اليوم الثالث ذهب إلى ساحة المعركة واعتلى قلعة تشرف على السور الذي يحمي المدينة، ورأى من هناك أرتالاً وصفوفاً من فرسان العدو تمتد لأبعد مما يمكن للأعين أن ترى· سأله الإمبراطور: كيف ستتصدّى لكل هذه الجحافل من الفرسان؟· أجاب الضفدع بلغة آمرة وكأنه غير حافل على الإطلاق بتساؤلات الإمبراطور: وجّه الأمر لجنودك بإعادة السيوف إلى أغمادها ودعهم يفتحوا بوابة المدينة ليفسحوا المجال للأعداء لدخولها· أحس الإمبراطور بخوف شديد؛ وازدادت دهشته عندما قال له الضفدع: ألم تطلب مني أن أقضي لك على الأعداء؟· إن هذا هو ما سيحدث الآن ويتعيّن عليك أن تنفذ أوامري بكل دقة· وحالما فُتحت البوابة، تدفَّق منها الغزاة بالألوف فيما كان الضفدع يشرف عليهم من أعلى القلعة، فراح يقذف من فمه ألسنة اللهب الحارقة التي اختزنها في حوصلته فبدأوا يتساقطون على الأرض وهم يتحوَّلون إلى رماد حتى أبيدوا عن بكرة أبيهم· وانتابت الإمبراطور فرحة غامرة وأحس بنشوة النصر، وأمر بترفيع الضفدع إلى رتبة قائد ميداني، وأطلق احتفالات النصر في عموم البلاد· لكنه لم يتخيل أنه سيزوّج ابنته لضفدع· وراح يحدِّث نفسه قائلاً: سوف أخبر الضفدع أن الأميرة ترفض الزواج من ضفدع· وقرر الإمبراطور أن يبتدع لعبة لا يمكن للضفدع المشاركة فيها، بل يشارك فيها كل رجال البلاد بحيث تكون ابنته من نصيب الفائز· وفي هذه اللعبة تقوم الأميرة برمي كرة في السماء، وتكون هي من حظ من يلتقطها أولاً· وبدأ الرجال يتوافدون من كل حدب وصوب لاغتنام الفرصة· وبقي الضفدع بعيداً يراقب ما يحدث· وجاءت اللحظة الحاسمة وقذفت الأميرة الكرة في الهواء وراح الجميع يرفعون أياديهم لالتقاطها إلا أن الضفدع شفط الهواء بشهقة زفير واحدة أدت إلى تشكل إعصار كبير فاندفعت الكرة باتجاهه وقام بالتقاطها· وهكذا بات من المحتوم على الأميرة الزواج من الضفدع إلا أن الإمبراطور أصرَّ على عدم رغبته في حدوث ذلك· وقرر إعادة اللعبة من جديد· وفي اليوم التالي، قذفت الأميرة كرة ثانية إلا أنها كانت هذه المرة من نصيب شاب بهي الطلعة فسرّ الإمبراطور لهذه النتيجة وقال: هذا هو الرجل المثالي لابنتي· وأمر بإقامة احتفالات الزواج· وفي اليوم التالي جاءه رجل من حكماء القوم وقال له: هل تعلم من هو هذا الشاب الذي تزوج ابنتك؟· لقد كان الضفدع ذاته بعد أن تقمّص صورة شاب جميل· وهو قادر على أن يكون ضفدعاً في النهار ثم يسلخ جلده في الليل ليتحوَّل إلى شاب جميل· ذات مساء قال الإمبراطور لصهره الضفدع: لقد بلغني أنك نزعت جلدك عن جسمك مساء أمس وتحوَّلت إلى شاب وسيم؛ فلماذا تؤثر الاحتفاظ بجلد الضفدع البشع خلال النهار؟· أجاب الضفدع: يا سيدي إن هذا الجلد الخارجي الذي تراه لا يقدّر بثمن· وعندما أرتديه في الصيف أشعر بالبرودة، وعندما أرتديه في الشتاء أشعر بالدفء· وهو مقاوم للرياح والعواصف والأمطار ولا يمكن لأقوى النيران أن تؤثر فيه· وطالما أنا أرتديه فإن في وسعي أن أعيش آلاف السنين· قال الإمبراطور مندهشاً: فهل تسمح لي بتجريبه؟ أجابه صهره الضفدع: بالطبع· وراح يخلع جلده عن جسمه· وأحس الإمبراطور بالسعادة، وخلع رداءه الإمبراطوري ولبس جلد الضفدع بدلاً منه، إلا أنه لم يتمكَّن من خلعه عن جسمه بعد ذلك أبداً· واغتنم الضفدع الفرصة ولبس الرداء الإمبراطوري وأصبح إمبراطوراً فيما تحوَّل أبو زوجته الإمبراطور إلى ضفدع إلى الأبد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©