الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انقراض الخصوصية الثقافية!

11 أغسطس 2007 01:14
مع نهاية تسعينيات القرن الماضي وصل السجال حول علاقة العولمة بالثقافة ذروة غير مسبوقة، خصوصاً بعدما فُرض معنى حاكم لمفهوم العولمة نفسه، خرج بمقتضاه عن سياقيه الاقتصادي والسياسي، وأصبح معه، في استدعائه المتكرر أحياناً لدى البعض، نوعاً من المفتاح الذي يفتح جميع الأبواب، دون أن يفطن كثيرون إلى أن هذا النوع من المفاتيح هو عادة مفاتيح مشبوهة· في إطار ذلك السجال المحموم، صدر دفْق من الكتب حول إشكالية العلاقة بين ''العولمة والثقافة''، وحول تفريعات تلك الإشكالية· وعرفتْ فرنسا تحديداً ـ بحكم حساسيتها البالغة تجاه كل ما له صلة بالخصوصية الثقافية، ولعدائها الشديد وشبه المُعلن لثقافة العولمة الأنجلوساكسونية غالباً ـ صدور عشرات الكتب التي حملت مثل ذلك العنوان: ''العولمة والثقافة''· أذكر منها مثلاً كتاباً رصيناً ضم مجموعة دراسات معمقة أجراها ستة باحثين من ''المركز الوطني للبحث العلمي'' الفرنسي CNRS بإشراف عالم الاجتماع ورئيس البحوث بالمركز ''فيليب ديريبارن'' وحمل عنوان: ''الثقافة والعولمة··· الإدارة مما وراء الحدود''· تصادفنا في ذلك الكتاب مقاربات ومحاولات إجابة على أسئلة من قبيل: ما هو مستقبل الثقافة في سياق العولمة؟ وكيف يمكن ضمان استمرار التنوُّع الثقافي الكوني في عولمة لا تعمل إلا كبوتقة صهر لا ترحم، ولا تعترف سوى بالمشترك الثقافي الإنساني، المرغوب أو المفروض؟ وإذا كانت بعض الثقافات الوطنية والمحلية ما زالت تقاوم وتناور للبقاء اليوم، فهل ستستطيع الاستمرار في المقاومة غداً؟ بمعنى، هل تمتلك الثقافات الوطنية آليات ذاتية أو موضوعية، تعفيها من الانقراض عاجلاً أم آجلاً؟ أعتقد أن الحساسية المُفرطة الثاوية تحت السطح في إثارة مثل هذه الأسئلة، تزداد في حالتنا العربية، إذا ما قورنت بالحالة الفرنسية· فنحن كثيراً ما نعتبر أية علاقة مع ''الآخر'' الثقافي والفكري، حالة اشتباك مُعلنة· ويعتبر بعضنا أي ''انفتاح'' على ''الآخر'' استلاباً أو انمساخاً ثقافياً· كما يتخندق كثير من المتلبِّسين بالهمِّ الثقافي عندنا وراء متاريس من الوثوقيات الفكرية أو الثقافية لا يبارحونها بدعوى حماية الخصوصية الثقافية والأصالة الثقافية إلى آخر القائمة· هذا في حين كان أجدادنا القدامى هم أول من عوْلمَ الثقافة والفكر حقاً، ودون عُقد أو تقوقع أو تشرنُق على الذات، حين أعادوا إحياء فلسفة اليونان، وعلوم الهند، وطب الصين، وأضافوا إلى ذلك اكتشافاتهم وإبداعاتهم الأصيلة، وأنتجوا في النهاية منظومة فكرية واستراتيجية في تسمية العالم وفهمه، تجاوزت على المستوى الإبستيمولوجي أو المعرفي، جميع الأنماط الفكرية والمعرفية اليونانية والرومانية والشرقية القديمة التي سادت قروناً طويلة في عموم قارات العالم القديم· إن أية ثقافة تبالغ في التقوقع على ذاتها، أو في السعي للحفاظ على خصوصياتها، الحقيقية أو الموهومة، إنما تحفر في الواقع قبرها بيديها· لأنها تجازف بذلك بحجز مكان في قائمة الغائبين عن التأثير في الثقافة الإنسانية لعالم اليوم· وقد تصبح الخصوصية الثقافية، بهذا المعنى، وصفة مؤكدة للبقاء على هامش الثقافة العولمية ـ لنقل العالمية ـ أو الخروج من التاريخ· وجدير بثقافة عريقة كثقافتنا ألا تقع في الفخ وبهذه الدرجة من الفجاجة· d_mokhtar@yahoo.froul
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©