الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شينزو آبي··· وخمس أساطير حول اليابان

شينزو آبي··· وخمس أساطير حول اليابان
11 أغسطس 2007 01:23
قبل بضعة أسابيع فقط، بدت إدارة بوش مقتنعة بأن باستطاعتها الاعتماد على يابان قوية لاحتواء صعود الصين والانخراط في الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب· ولكن لاحقاً قال الناخبون اليابانيون في نهاية الأسبوع الماضي: ''لا''· ويؤشر هذا الردع الانتخابي القوي لرئيس الوزراء ''شينزو آبي'' وحزبه الحاكم- ''الحزب الديمقراطي الليبرالي'' (الذي خسر الأغلبية في الكونجرس أوالغرفة العليا من البرلمان لأول مرة منذ تأسيس الحزب في 1955)- على بداية عهد جديد من الانجراف والتقلب في السياسة اليابانية· والواقع أن هزيمة ''آبي'' النكراء تأتي لتبدد بعض التصورات الخاطئة حول يابان اليوم، ومنها: التصور الأول: اليابان قوة صاعدة مستعدة لفرض تأثير جديد في القارة الآسيوية· وفي رأيي أنه حتى قبل وصول إدارة بوش إلى السلطة في ،2001 جادل العديد من مساعدي الرئيس ومستشاريه بأن ياباناً قوية وجديدة مستعدة لتخلف الولايات المتحدة على كبح جماح التوسع الصيني، متوقعين عدولها عن تصرفات قديمة من قبيل اكتفائها في حرب الخليج عام 1991 بتحرير شيك بمبلغ 9 مليارات دولار للمساهمة في حماية إمداداتها النفطية· والحال أن حرص ''آبي'' على التقرب من واشنطن وإعادة كتابة الدستور اصطدم بإرادة الشعب· فلئن كان معظم اليابانيين يعبرون في استطلاعات الرأي عن اعتقادهم بأن دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية (الذي كتبته قوات الاحتلال الأميركي في 1946) في حاجة إلى تحديث، فإن أغلبيتهم يعارضون في الوقت نفسه تقوية عضلات البلاد العسكرية· وعلاوة على ذلك، فإن أغلبية الناخبين ممن تفوق أعمارهم الستين -والتي تعد أهم كتلة انتخابية في هذا البلد الذي يعاني الشيخوخة- ترى أن الفصل التاسع من دستور البلاد المسالم، هو أهم تركة من تركات فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية· وهكذا، فبينما يرغب المخططون العسكريون الأميركيون في أن تتقلد طوكيو مزيداً من المسؤولية في وقت يعاني فيه الجيش الأميركي من الإنهاك، فالأرجح اليوم هو أن تتراجع اليابان· وقريباً، ينتظر تجديد التصويت على قانون لمحاربة الإرهاب يسمح لسفن قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية بتزويد القطع الحربية الأميركية بالوقود، ولكن أغلب الظن أنه لن يمرر هذه المرة· ثم لا تستغربوا في حال استعمل ''إيشيرو أوزاوا''، زعيم ''الحزب الديمقراطي'' المعارض الذي تقوَّى مؤخراً، هذا الأمر وسيلة لكسر البرلمــان وفرض انتخابات جديدة· التصور الثاني: اليابان تخلصت من مشاكلها الاقتصادية· في تقديري أنه بعد أزيد من 15 عاماً على انفجار فقاعتها الاقتصادية، ربما تكون اليابان بصدد العودة مجدداً إلى النمو المستديم· غير أنه بالرغم من النجاح المذهل لصادرات شركات السيارات والإلكترونيات، فإن الاستهلاك الداخلي للبلاد مازال ضعيفاً· والحقيقة أن الناخبين القلقين تمردوا على ''الحزب الديمقراطي الليبرالي'' لأسباب تعود في جزء منها إلى اعتقادهم بأن ''آبي'' وضع الإصلاحات الاقتصادية في آخر سلم أولوياته· واليوم، يسعى معظم اليابانيين إلى الانتعاش الاقتصادي، وليس العسكري· إذ مازالت بنوك البلاد العملاقة تحقق أرباحاً صغيرة؛ هذا في وقت مازال الطلب الداخلي ضعيفاً، ومعدلات الفائدة الحقيقية تقارب الصفر؛ واليان (العملة اليابانية) أضعف حتى من الدولار· ثم إن عجز الميزانية يمثل 170 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في وقت يستمر فيه عدد السكان في التقلص لأن النساء يحجمن عن الزواج والإنجاب· وهو ما سيترجَم إلى بلد سيجعل جنوب فلوريدا (المعروف بشيخوخة السكان) يبدو كما لو كان مأوى للشباب· ولذلك، فعلى اليابان أن تفتح أبوابها في وجه المهاجرين؛ غير أنها مازالت لا تتوفر على الشجاعة لرؤية تأثير العولمة على ثقافتها· التصور الثالث: اليابان تصالحت مع جيرانها· وحسب الواقع فإن ذلك ليس صحيحاً تماماً، فقبل نحو عشر سنوات، اعتقد عدد من الخبراء الاقتصاديين والمنظرين السياسيين أن تصبح اليابان مركز ''القرن الآسيوي''؛ غير أن ذلك كان يفترض قدرة اليابان وجيرانها أخيراً على معالجة المشاكل التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية والتي ما زالت تتفاقم· والحال أن اليابان فشلت في الصعود باعتبارها القوة الرئيسية في آسيا لأسباب تعود في جزء منها إلى عدم تجاوزها لـ''مسألة التاريخ'' بعد· والحق أن ''آبي''، وخلافاً لسلفه، لم يثر غضباً واستياء في الصين أو كوريا عبر زيارة ضريح ''ياسوكوني''، الذي يضم قبور عدد من مجرمي الحرب اليابانيين· غير أن كتب التاريخ اليابانية مازالت تحجم عن تدريس الأجيال الجديدة فظاعات الحرب من قبيل مذبحة ''نانكينج'' أو احتلال كوريا أو استغلال نساء المستعمرات اليابانية جنسياً بالقوة· الاثنين المنصرم، مرر مجلس النواب الأميركي قراراً رمزياً يحث الحكومة اليابانية على الاعتذار رسمياً عن استغلال ''نساء المتعة''· واللافت أن القرار لم يحظ باهتمام كبير من قبل الصحف الأميركية، إلا أنه تصدر الصفحات الأولى للجرائد في اليابان، حيث يعتقد بعض أعضاء حزب ''آبي'' أن اليابان قد اعتذرت بما يكفي· والواقع أن هذا الموقف لا يبعث على التفاؤل إزاء استقرار آسيا· التصور الرابع: اليابان ستساعد الولايات المتحدة على حل مشكلة كوريا الشمالية النووية· والحال من وجهة نظري أن ضعف ''آبي'' يجعل هذا الأمر صعباً ومعقداً· فمخطط اللعبة القديمة يقوم على ما يلي: تتفاوض واشنطن وبيونج يانج أخيراً بشأن اتفاق تتم بموجبه مقايضة أسلحة وتكنولوجيا كوريا الشمالية النووية باعتراف دبلوماسي وتعهد بعدم شن الحرب؛ وبعد ذلك تحرر اليابان الشيك الكبير الذي يساعد كوريا الشمالية المعزولة والفقيرة على القفز إلى القرن الحادي والعشرين· غير أن ''آبي'' وإدارة بوش لم يعودا متفقين حول الأمر؛ فإذا كانت واشنطن تقر بأن معضلتها في العراق تشدد على الحاجة إلى عقد صفقة مع كيم جونج أيل، فإن الكثير من الزعماء اليابانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة تتطلع إلى التخلي عن مساعي اليابان لمعرفة مصير مواطنيها الذين اختُطفوا من قبل عملاء كوريين شماليين قبل عقود· ومما يذكر في هذا السياق أن ''آبي'' اشتهر في البداية بموقفه المتشدد من مسألة الاختطاف؛ وقد تقنعه هزيمته الانتخابية في نهاية الأسبوع الماضي بالضغط بقوة، ولو إلى حد إثارة حفيظة البيت الأبيض· التصور الخامس: لدى الحكومة اليابانية، وعلى غرار شركاتها القوية، استراتيجية طويلة المدى· وأقول رجاء علينا التفكير مرة أخرى؛ إذ تنكب هوندا وتويوتا حالياً على التفكير في كيفية الصمود والاستمرار في القرن المقبل؛ والحال أن اليابان نفسها لم تحسم بشأن الوجهة التي تريد أن تقصدها· فهل تسعى للاستمرار كنظام شبه اشتراكي يتطلب العمل الجماعي والخضوع، أم إلى أن تصبح مجتمع سوق حر يكافئ أصحاب المبادرة الفردية؟ وهل ترغب في الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة أم أن تعاود الصعود باعتبارها فاعلاً مستقلاً قوياً؟ وهل تريد أن تفتح نفسها للعالم عبر السماح بالهجرة والاستثمار أو أن تبقى رازحة في العزلة؟ يقول نصف اليابانيين تقريباً في استطلاعات الرأي: إن بلادهـــم ترغب أن تتقلـــص الحكومــة وتقوي روح المقاولة؛ ويقول نصف اليابانيين تقريباً: إن بلادهم تسعى إلى توسيع نظام الرفاه الاجتماعي· أما البقية، فلا يعرفون أو لا يكترثون· وقد قال لي زعيم شاب صاعد من ''الحزب الديمقراطي الليبرالي'' مؤخراً: ''لقد أهدرنا الكثير من الفرص· أما اليوم، فأخشى أن أكثر ما نأمله هو الصمود والاستمرار فحسب''· أستاذ زائر بجامعة كاليفورنيا بيركلي ومؤلف كتاب (حجب الشمس: كيف صنعت اليابان جيلها الضائع) ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©