الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشكلات أفريقيا··· خارج منطق الشفقة والإحسان!

مشكلات أفريقيا··· خارج منطق الشفقة والإحسان!
11 أغسطس 2007 01:24
ازدادت أهمية أفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة بشكل مضطرد في السنوات الأخيرة· تقليدياً، يُنظر إلى أفريقيا بالدرجة الأولى باعتبارها موضوع قلق إنساني، وهو تصور كرسته ورسخته شخصيات شعبية ناشطة من أمثال المغنين ''بونو'' و''بوب جيلدوف'' والممثل ''جورج كلوني'' وغيرهم، حيث عملوا جميعهم على لفت انتباه الرأي العام إلى فقر أفريقيا ونزاعاتها وأمراضها· إضافة إلى ذلك، استرعت أفريقيا انتباهاً عالمياً أكبر بسبب النزاع في دارفور· ولأن الولايات المتحدة رأت أن ما تقوم به الحكومة السودانية في الإقليم يمثل جريمة إبادة جماعية، فقد اكتسى النزاع أهمية أخلاقية كبيرة· غير أن لأفريقيا أسباباً أخرى، عدا هذه المشكلات الإنسانية الخطيرة، لتستأثر باهتمام الولايات المتحدة؛ إذ تمثل القارة السمراء في الوقت الحالي ساحةً لتنافس دولي قوي ومحتدم على الموارد الطبيعية التي تزخر بها؛ حيث تلجأ الصين والهند وماليزيا وكوريا الجنوبية والبرازيل وغيرها من الدول التي تعرف نمواً اقتصادياً سريعاً إلى أفريقيا من أجل نفطها ومعادنها وخشبها وغيرها من الموارد الطبيعية· وتتزعم هذا التنافس بصفة خاصة الصين التي تقدم مساعدات هامة إضافة إلى دعمها المالي لمئات الشركات الصينية من أجل الاستثمار في أفريقيا· ويأتي هذا التنافس الجديد في وقت يكتسي فيه نفط أفريقيا أهمية متزايدة بالنسبة للولايات المتحدة· فإذا كانت 15% من واردات النفط الأميركية تأتي من أفريقيا (ما يعادل ورادات النفط الأميركية من الشرق الأوسط)، فإن القارة تستعد لمضاعفة إنتاجها على مدى العقد المقبل، وهو ما سيمكنها من توفير نحو 25% من واردات الولايات المتحدة· كما تعرف قدرة أفريقيا على تصدير الغاز الطبيعي نمواً مماثلاً، حيث تستثمر الشركات الأميركية والبريطانية مليارات الدولارات في مصانع الغاز المسال في خليج غينيا· غير أن جميع احتياطات أفريقيا النفطية تقريباً توجد في بلدان تعاني من العنف وانعدام الاستقرار، وفي بعض الحالات انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان· ومثلما اكتشفت الولايات المتحدة ذلك في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، فمن المستحيل المراهنة على استمرار الإمدادات النفطية من أفريقيا دون الانتباه إلى جودة الحكم، ومدى استفادة السكان المحليين من الثروات التي يدرها النفط، والاستقرار على المدى البعيد· وإلى ذلك، تزداد أهمية أفريقيا على صعيد المفاوضات التجارية، إذ تطالب دولها بمعية 40 من أعضاء ''منظمة التجارة العالمية'' الـ،185 بخفض المساعدات الزراعية والتعرفات الجمركية في الولايات المتحدة وأوروبا مقابل الموافقة على جولة جديدة من المحادثات التجارية العالمية· وهكذا، وضعت أفريقيا، بتنسيق وتعاون مع الهند والبرازيل وبلدان أخرى من العالم الثالث، مفاوضات ''جولة الدوحة'' في طريق مسدود، في انتظار التحرك حول هذه المواضيع· وتزداد أهمية أفريقيا أيضاً في إطار الحرب على الإرهاب؛ فقد فجر تنظيم ''القاعدة'' السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام ،1998 كما استهدف منشآت إسرائيلية في كينيا عام ·2001 وقد كشفت هذه الأعمال شبكة واسعة من الخلايا الإرهابية على طول الساحل الشرقي للقارة الأفريقية· وتجدد التهديد مرة أخرى عندما بسطت حركة إسلامية سيطرتها على العاصمة الصومالية مقديشو عام ،2006 وبدت في طريقها إلى المواجهة مع إثيوبيا التي تعد حليفة للولايات المتحدة· كما تعد أفريقيا موضوع قلق وانشغال عالميين بسبب الوضع الصحي؛ إذ تمثل القارة بؤرة داء ''الإيدز'' (فقدان المناعة المكتسب)، حيث يوجد 28 مليون مصاب بفيروس ''إتش آي في'' من أصل 40 مليون مصاب على مستوى العالم· كما تعاني أفريقيا أكبر عدد من الوفيات بسبب الملاريا (مليون وفاة سنوياً)· وعلى هذه الخلفية، ارتفع حجم الإنفاق العالمي السنوي على برامج ''الإيدز'' من مليار دولار عام 2000 إلى 8 مليارات دولار عام 2006؛ كذلك بدأت الولايات المتحدة حملة كبرى لمحاربة الملاريا· غير أن تقديرات المختصين تشير إلى الحاجة خلال السنوات القليلة المقبلة إلى حوالي 22 مليار دولار سنوياً لمواجهة الإيدز وحده· ومن غير المؤكد ما إذا كان ذلك سيلبي حاجة القارة، أو أنه سيكون على حساب أشكال أخرى من المساعدات، كتلك المخصصة للتعليم والزراعة وغيرهما··· فذاك أمر غير مؤكد· أما المؤكد فهو أن الاستثمار في الصحة والبنى التحتية الزراعية من أجل مواجهة احتمال تفشي انفلوانزا الطيور··· لم يجتز بعد مرحلة الدراسة والتخطيط· ومن بين كل مشاكل أفريقيا وتحدياتها، يتصدر استمرار الفقر القائمة بدون منازع؛ حيث تعد أفريقيا القارة الأفقر والأكثر هامشية في النظام التجاري العالمي؛ والحال أن الفقر يزيد من إمكانية نشوب النزاعات، وهشاشة القارة وضعفها في وجه الإرهاب، وضغط الهجرة غير الشرعية، وانتشار الأمراض؛ وعلاوة على ذلك، فهو يمثل استنزافاً لمساعدات العالم· وهكذا، تعود المشاكل الإنسانية إلى الواجهة وتفرض نفسها أثناء رسم السياسة الأميركية تجاه أفريقيا· والحال أنه لا يمكن التعاطي مع مشاكل أفريقيا من منطلق الشفقة والإحسان، مثلما لا يمكن حلها بواسطة مساعدات الإغاثة والمساعدات المخصصة لحالات الطوارئ بعد انتهاء النزاعات· إن الأهمية المتزايدة لأفريقيا تقتضي برنامجاً طويل المدى وأكثر تركيزاً وتوجيهاً من المساعدات الاقتصادية وإصلاح التجارة· والواقع أن إدارة بوش بدأت التحرك في هذا الاتجاه عبر ''حساب تحدي الألفية''، كما ساهم الكونجرس من جهته بـ''قانون النمو والفرصة الإفريقيين'' الذي ينص على فتح السوق الأميركية في وجه الصادرات الأفريقية· غير أنه لا بد من بذل مزيد من الجهود· ذلك أنه لن يتم التغلب على هذه المشاكل إلا عندما يتم الاعتراف بالأهمية المتزايدة التي تكتسيها أفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©