الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الدول المستهلكة للنفط حائرة بين أمن الإمدادات وارتفاع الأسعار

12 أغسطس 2007 00:40
مرت صناعة الطاقة العالمية بفترة اتسمت بالاضطراب على مدار الأعوام القليلة الماضية، وشهد قطاع النفط والغاز في منطقة الخليج أوج هذا الاضطراب· وأسهمت المخاطر المتعددة التي أدى إليها تناقص الاحتياطيات النفطية، وتدني الإنتاج من حقول النفط المستنفدة، والغموض الذي يحيط بإمدادات النفط القادمة من دول معينة، في جعل أمن الإمدادات ذا أهمية قصوى بالنسبة إلى الدول المستهلكة· وأدى فقدان أمن الإمدادات - مقترناً بازدياد الطلب عليها من القوى الاقتصادية الناشئة في آسيا - إلى رفع الأسعار إلى مستويات قياسية· وقد أصدر مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية مؤخرا كتاباً حديثاً احتوى على أوراق العمل المقدمة من قبل المشاركين والمحاضرين في المؤتمر السنوي العاشر للطاقة تحت عنوان ''قطاع النفط والغاز في منطقة الخليج ·· الإمكانيات والقيود''، وأوضح أن الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط ''أوبك''، ولاسيما الدول الخليجية المنتجة، تعد الجهات الوحيدة المستفيدة من عوائد النفط المتزايدة، على المدى القريب على أقل تقدير· لكن أسعار النفط المرتفعة إلى مستويات غير واقعية لا تدوم على الصعيد الاقتصادي؛ لأنها تعوق النمو العالمي والإقليمي، وخصوصاً في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وفي الدول النامية· أضف إلى ذلك أن أسعار النفط المرتفعة يمكن أن تكون لها نتائج سيئة على الدول المنتجة في نهاية المطاف· وقد يتقوض مركز النفط المهيمن ضمن منظومة الطاقة في حال فقدانه حصته في السوق، حينما يقل الطلب عليه لمصلحة أشكال أخرى من الطاقة أكثر توافراً ونظافة وتجدداً· ويخلق السيناريو الحالي تحديات خاصة أمام منظمة أوبك بصورة عامة، والدول المنتجة في منطقة الخليج بصورة خاصة· ويتعين على أوبك أن تصوغ استراتيجية متناسقة بعيدة الأمد لتنظيم الأسعار بطريقة تضمن حصصاً في الإنتاج وعوائد معقولة للدول الأعضاء فيها، وبذلك تحمي حصة المنظمة في السوق على المدى البعيد، في الوقت الذي تقدم فيه إمدادات مضمونة بسعر محتمل بالنسبة للدول المستهلكة· وحين تصوغ دول الخليج سياسات لتنمية مواردها من الهيدروكربونات في المستقبل، فإنها يتعين عليها اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة لتنمية أهم القطاعات، واجتذاب الاستثمارات المطلوبة· وينبغي أن يوجد المنتجون الخليجيون توازناً مناسباً بين تحقيق الأمور الاستراتيجية الأساسية للطاقة ومتطلبات الاقتصاد العالمي· وتكشف دراسة السوق النفطية على المدى القريب عن أهمية النفط المحورية في تلبية حاجات البشرية إلى الطاقة، وطبيعته الدينامية والمتغيرة باستمرار، وقابليته المتأصلة للتقلب· وهي في الوقت نفسه تؤكد دور أوبك المهم في السعي لتنظيم السوق وإحلال الاستقرار فيها· أما على المدى البعيد فمن المتوقع خلال العقدين القادمين أن يستمر الدور المهيمن لأنواع الوقود الأحفوري في الطلب المتزايد على الطاقة، وأن يحتفظ النفط بدوره الرئيسي كمصدر للطاقة· وهناك أيضاً أمل واضح بوجود قاعدة موارد نفطية وفيرة تكفي لمواجهة هذه الزيادة في الطلب· وعلى الرغم من أن إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك ينظر إليه على أنه في ازدياد على المدى المتوسط، فمن المتفق عليه عموماً أنه سيتم الاعتماد على أوبك تدريجياً في الإمداد بالبراميل الإضافية، حيث إن حصتها في السوق سوف تزداد في نهاية المطاف· وفي حين يقر بعض الباحثين بأهمية مساعي أوبك للتنسيق في عرض النفط والمحافظة على استقرار الأسعار، فإنهم يؤكدون الحاجة إلى مزيد من التماسك الداخلي، لكي تزيد المنظمة فاعليتها في تنظيم سوق الطاقة العالمية· وبعد أربعة عقود ونصف العقد من عمر أوبك يمكن القول دونما تردد إنها حققت نجاحاً معقولاً، لكن رؤية المنظمة وإدارتها وتماسكها كمجموعة تبقى ضعيفة· وتعد إقامة مصلحة مشتركة ومتناغمة، كما حدث عند إنشاء المنظمة في عام ،1960 أمراً يسهل ادعاؤه ويصعب فعله· وقد طفت على السطح، بمرور الوقت، الخلافات بين الدول الأعضاء؛ لأنه من الصعب تنسيق الاحتياجات والشؤون الخاصة بكل عضو ضمن عمل فاعل وموحد· وأسهمت المخاوف من نضوب النفط والاعتبارات البيئية في تعزيز حظوظ الغاز بوصفه وقوداً بديلاً أنظف· وحتى وقت قريب كانت التكاليف المرتفعة لوسائل النقل العاملة بالغاز قد أدت إلى استثناء الشرق الأوسط من تجارة الغاز العابرة للحدود؛ ففي عام 1993 لم تعبر الحدود الدولية سوى 6,5% من إنتاج غاز الشرق الأوسط، وبما أن 3,7% من هذا الإنتاج يمثل التجارة بين الإمارات الأعضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن النسبة الدولية الحقيقية منها كانت 2,7%، حيث تبلغ الصادرات من إمارة أبوظبي إلى اليابان 3,4 مليارات متر مكعب من النفط الطبيعي المسال· لكن الوضع يتغير بسرعة؛ فبعد مرور عقد من الزمان، أي عام ،2003 مثلت تجارة الغاز نسبة 15,2% من إنتاج الشرق الأوسط، وتضاعفت صادرات الغاز الطبيعي المسال بمعدل عشرة أضعاف· والآن تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تكون منطقة الشرق الأوسط أسرع مصدِّر متزايد للغاز على صعيد الأسواق الأقاليمية على مدى العقدين القادمين· ثمة ثلاثة عوامل مسؤولة بشكل أساسي عن تعزيز الآفاق المستقبلية لصادرات الغاز: أولاً، لقد جعلت تقنية التربينات الغازية العاملة بنظام الدورة المختلطة وبوقود الغاز، الغاز الوقود المختار لتوليد الطاقة في جميع أنحاء العالم· ثانياً، لقد أثار النمو السريع للطلب على الغاز الاهتمام بين الدول التي كانت فقيرة بالغاز في السابق، وحدَّ من إمكانية توافر إمدادات الغاز التقليدية في أمريكا الشمالية وأوربا· ثالثاً، لقد ساعدت التحسينات التقنية في الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب، علاوة على تسييل الغاز، على خفض التكاليف إلى حد كبير· لقد أدى النمو السريع في استعمال الغاز لتوليد الطاقة إلى إيجاد طلب عليه في الدول الفقيرة بالغاز سابقاً، مثل إسبانيا وتركيا والهند والصين· وبالإضافة إلى ذلك، فإنه حفز نمو الطلب على الغاز في أمريكا الشمالية وأوربا إلى المستوى الذي أرهق فيه الطلب المصادر التقليدية للإمدادات· وهذا ينطبق بشكل خاص على الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة· ويستمر الطلب في النمو حتى في حال الاستقرار الظاهر لمستويات الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ومواجهة المملكة المتحدة تراجعاً في إنتاج بحر الشمال· ثمة دور تؤديه خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال وتقنية تسييل الغاز جميعاً يتمثل في نقل الغاز خارج منطقة الخليج، وتتمثل مهمة خطوط الأنابيب في أفضل أحوالها في عمليات النقل القصيرة، وبالتالي فإنها ينبغي أن تهيمن على التجارتين المحلية والإقليمية· أما بالنسبة إلى المسافات المتوسطة، مثل النقل إلى شبه القارة الهندية وتركيا، فإن السياسة والمنافسة سيكونان عائقين في وجه نمو خطوط الأنابيب، لعل الهند ستفضل الغاز الطبيعي المسال على المدى القريب، علماً أن نجاح المفاوضات بين الهند وباكستان وإيران يمكن أن يغير تلك النتيجة· وفيما يتعلق بالمسافات الأطول، مثل أوروبا، فمن المحتمل أن تكون الأنابيب ذات ميزة تنافسية، لكنها يجب أن تكون كبيرة الحجم، وتعتبر مشكلة المرور بالدول الواقعة في الوسط عائقاً رئيسياً· إن تزايد الطلب على الغاز الطبيعي المسال في الأسواق البعيدة في أمريكا الشمالية وأوربا وشمال شرقي آسيا، مقترناً باحتياطيات الشرق الأوسط الضخمة، يضمن نمواً سريعاً في صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى هذه الأسواق· ويعتبر تسييل الغاز التحدي الوحيد أمام الغاز الطبيعي المسال لمسافات النقل الطويلة جداً، غير أنه ينافس في سوق أخيرة مختلفة· وإن مفتاح نجاح تقنية تسييل الغاز هو ما إذا كانت مكافأة جودة المنتج ستكون كافية لتعويض تكاليفه المرتفعة وكفاءته الحرارية المنخفضة· السيناريوهات المستقبلية للنفط العراقي أدى غزو العراق في عام ،2003 في البداية، إلى بعث الآمال في إمكانية الاستفادة من احتياطيات البلد الضخمة· وكانت شركات النفط، التي راودتها آمال كبرى، متشوقة إلى تنمية الاحتياطيات النفطية الوفيرة والمنخفضة التكلفة في العراق واستغلالها، وبدأ المحللون النفطيون يتوقعون سيناريوهات عامرة بالتفاؤل بازدهار الإنتاج النفطي العراقي، لكن أياً من هذه الآمال لم يبد ممكن التحقيق ضمن الإطار الزمني المتوقع في البداية، والواقع أن العراق قد أخفق في تحقيق المأمول· وعلى الرغم من عضوية العراق في منظمة أوبك، فإن المنظمة لا تلزمه حالياً بنظامها الخاص بالحصص، وتقديراً من المنظمة لظروف العراق الخاصة فقد أبقته خارج نظام الحصص منذ أن استأنف صادرات النفط وفقاً لبرنامج ''النفط مقابل الغذاء'' الذي دخل حيز التطبيق في كانون الأول/ديسمبر ،1996 وهذه المعاملة الخاصة مستمرة، وقد تستمر في المستقبل المنظور· إن العامل الحاسم الذي يعوق زيادة العراق إنتاجه من النفط هو وضعه الأمني المؤلم· ومع عودة الأوضاع تدريجياً إلى حالتها الطبيعية وتوافر الأمان للمستثمرين والمؤسسات الائتمانية والمقاولين من كافة الأنواع، فإن احتمالات وصول العراق إلى قدرة إنتاجية دائمة بمعدل 6 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2010 ستصبح حقيقة واقعة· وسوف تؤدي هذه الزيادة المحتملة في الإنتاج العراقي في المستقبل المنظور إلى بروز سؤالين منطقيين، هما: هل باستطاعة السوق النفطية العالمية استيعاب الإمدادات النفطية العراقية الجديدة والضخمة نوعاً ما؟ وفي حال الزيادة المتوقعة في إنتاج النفط العراقي، هل ستستمر أوبك في منح العراق معاملة خاصة وتركه ينتج بحرية دون التقيد بنظام الحصص، أم أنها ستشمله بنظام الحصص، وبالتالي ستقيد إنتاجه؟ وهناك أيضاً قضية تتعلق بما يجب فعله بثروة العراق النفطية الكامنة الهائلة، فقد تم طرح عدة سيناريوهات؛ منها الخصخصة الممكنة لصناعة النفط العراقية· وفي الوقت الذي تعتبر فيه خصخصة ''عمليات ما بعد الإنتاج'' أمراً عملياً، فإن ذلك لا ينطبق على عمليات إنتاج النفط وما قبله، ولاسيما التطوير والإنتاج؛ لأن الريع كله يوجد في ذلك الجانب من هذه الصناعة· في حال الخصخصة، ماذا سيفعل العراق بتوارد الثروة النفطية الضخمة المفاجئ؟ لاشك في أن الدولة ستكون بحاجة إلى عشرات مليارات الدولارات من أجل إعادة البناء والتنمية، فهل المفروض بالتمويل اللازم لهذه الأنشطة، سواء من الدول المانحة أو من عوائد النفط، أن يأتي تدريجياً بحسب الحاجة، لأن قدرة العراق على امتصاص رأس مال الاستثمار محدودة؟ الاستثمار في نفط الشرق الأوسط يتطلب توسيع البنية التحتية للنفط والغاز لزيادة الطاقة الإنتاجية وبناء خطوط أنابيب ومحطات طرفية، مستويات عالية من الاستثمارات الإقليمية· لكن الآليات الفعالة التي يتم بواسطتها القيام بالاستثمار الناجح وتحقيق نتائج الأعمال ليست واضحة دائماً· وفي هذا السياق يستعرض أحد فصول الكتاب دور كل من شركات النفط الدولية وشركات النفط الوطنية، ويقترح خيارات جديدة لبناء شراكات متبادلة المنفعة، وتعبر شركات النفط الوطنية والدولية عن الاهتمام بالعمل معاً، أما في السر فكلتا الفئتين تجد صعوبة في العثور على أرضية مشتركة، وتعبر عن خيبة الأمل بشأن توقعات الفئة الأخرى· ولن تسمح معظم الدول ذات الاحتياطيات الكبرى في الشرق الأوسط لشركات النفط الدولية بامتلاك حصة في احتياطياتها· أضف إلى ذلك أنها تسعى إلى التحكم في إدارة مواردها وزيادة الإيرادات الحكومية، ويمكن التوصل بسهولة أكبر إلى اتفاق حول العوائد، ولكن نماذج الاستثمار الحالية ليست مرنة بما فيه الكفاية لمعالجة المخاوف الأخرى· وقد سمح منح شركات النفط الدولية حق ''حجز الاحتياطيات'' للجزائر وليبيا باجتذاب الاستثمارات التي تحتاج إليها هاتان الدولتان، وحافظ على مستوى عال من الالتزام لدى المستثمرين في إمارة أبوظبي· وستعتمد نماذج الأعمال الجديدة الناجحة على التحديد الدقيق لأغراض كل طرف واحتياجاته وموارده· ومن غير المرجح أن تمنح شركات النفط الوطنية عقود ''تسليم مفتاح''؛ لأنها تريد أن تتحكم بأعمال التطوير وتشارك فيها، ومعنى ذلك أن على شركات النفط الدولية إما أن تعمل لصالح شركة نفط وطنية أو تعمل معها، ويمكنها أن تصبح شريكة بتطوير نماذج جديدة للأعمال· وسوف تقود الشراكات الناجحة شركات النفط الوطنية إلى كسب كفاءات جديدة، والدخول على نحو متزايد في منافسات مع شركات نفط دولية· ويمكن أن تتفاوت الخيارات الجديدة الممكنة لضم جهود شركات النفط الوطنية والدولية، بين جعل شركات النفط الدولية مزودين مكملين للجهة المنتجة، وإيجاد تحالفات دولية استراتيجية تشمل سلسلة الإمداد بكاملها· وبصرف النظر عن نماذج الأعمال المستقبلية التي تستخدمها شركات النفط الوطنية والدولية العاملة في دول الخليج، فإن من المؤكد أن الحاجة ستدعو إلى استثمارات ضخمة لتعويض القدرة على إنتاج الطاقة وبناء هذه القدرة والاحتفاظ بها· وقد توصل تقرير وكالة الطاقة الدولية المعنون استشراف استثمارات الطاقة العالمية إلى أن الاحتياجات الاستثمارية العالمية للبنية التحتية لإمدادات الطاقة خلال الفترة 2001-2030 تصل إلى 16 تريليون دولار، أو 550 مليار دولار سنوياً· وتدعو الحاجة إلى هذه الاستثمارات لاستبدال مرافق الإمدادات الحالية والمستقبلية التي إما أنها ستستنفد أو أنها ستغدو قديمة الطراز خلال الفترة التي تشملها التوقعات، كذلك فإن هذه الأموال ضرورية لزيادة الإمدادات لكي تفي بالزيادة المتوقعة في الطلب على الطاقة الأولية· صندوق نفطي للعوائد يقترح بعض الخبراء سيناريو جديدا للنفط العراقي يتمثل في إيجاد صندوق نفطي يوازن بين العوائد المتذبذبة الناتجة عن تقلبات أسعار النفط، وبذلك يستقر الدخل الحكومي· وعلى الرغم من جودة هذا الاقتراح فإنه لا يعالج جميع مشكلات العراق، لأن الحكومات المتعاقبة يمكنها التلاعب بمثل تلك الصناديق· وثمة سيناريو آخر مثير للاهتمام يتلخص في التوزيع المباشر لإيرادات نفط البلاد بين السكان· وهذا له أثر فوري يتمثل في زيادة دخل الفرد، غير أنه يمكن أن يسبب حالة تضخم، ولاسيما إذا تم إنفاق هذا الدخل على الاستهلاك· حالياً تعتبر القاعدة الإنتاجية في العراق أضعف وأقل كفاية من أن تفي بالزيادة المصاحبة في الطلب· ويمكن أن تكون هناك سيناريوهات عملية أخرى لأجل الاستغلال الفاعل لعائدات النفط في العراق، لكن الأمر المهم هو أن جميع هذه السيناريوهات لا يستغني بعضها عن البعض الآخر· ومن الممكن تبني مجموعة من هذه السيناريوهات معاً بحيث تتلاءم وظروف البلاد الفريدة· في حالة العراق الغني بالنفط سوف تكون الأولوية القصوى لإقامة اقتصاد متنوع يعتمد على الضرائب، مع قلة الاعتماد على النفط، غير أنه مادامت هناك عوائد نفطية، فيجب استغلالها على نحو رشيد بما يعود بالفائدة على الدولة والشعب معاً· التجربة النرويجية في التنويع الاقتصادي يعتبر التنويع الاقتصادي أولوية معروفة بالنسبة إلى منتجي النفط الخليجيين، وتعد تجربة النرويج في التنويع الممول بواسطة النفط مفيدة لدول الخليج العربية برغم الاختلاف في خلفيات تلك الدول؛ فإلى أي مدى نجحت السياسات التي تتعلق بالمحتوى المحلي، ونقل المعرفة، والتوظيف الصناعي، في الحد من الاعتماد على صناعة النفط؟ وإلى أي مدى جعلت النرويج تعاني نوبة ما يعرف ''بالداء الهولندي'' المقنَّع في هيئة لعنة موارد تزيدها المؤسسات حدة؟ وجعلت سياسة المحتوى المحلي أجزاء من الصناعة النفطية النرويجية تعتمد على السوق المحلية· وقد أدت سياسة نقل المعرفة إلى تركيز الجهود البحثية في الدولة على الأمور المتعلقة بالنفط· ومن الجدير بالذكر أنه مع التخلي عن هذه السياسات القائمة على التدخل الاقتصادي الجزئي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ساد إدراك عام بأنها أسهمت في ارتفاع التكاليف في الصناعة النفطية، كما هو الأمر في أجزاء أخرى من الاقتصاد· وكانت السياسة النرويجية، منذ منتصف التسعينيات، تتجه إلى تجميع العوائد النفطية في صندوق استثماري، وكان الهدف من ذلك تجنب ضغوط التضخم الداخلي الضارة الناتجة عن إنفاق الريع الاقتصادي· وحتى الآن اتسمت سياسة الإدارة الاقتصادية الكلية بالنجاح إلى درجة معقولة، لكن الخطر يكمن في أن الفوائض الضخمة عن ميزان الحسابات الجارية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الصرف، مما يرفع مستوى التكاليف المحلية ويحد من الميزة التنافسية للصناعات الأخرى، حيث تتجسد لعنة الموارد في الهبات المالية· وتجعل إيرادات الموارد الضخمة الحكومة أكثر استغناء عن قاعدة دخل منتجة ومعفاة من الضرائب المفروضة على المجتمع المدني، وهذا يؤدي عادة إلى تماسك السلطة، وغالباً ما يعزز الديكتاتورية في الدول النامية· إن عوائد النفط تشكل الأساس لعدة دول أوتوقراطية ريعية في الشرق الأوسط، حيث تعتبر الثروة النفطية غالباً بديلاً للديمقراطية، وأحياناً تكون عائقاً أمام تطوير المؤسسات· أما في الدول الصناعية ذات الديمقراطيات الراسخة، مثل هولندا أو النرويج، فإن عوائد النفط الضخمة تسهم إلى حد ما في فصل الإنفاق عن الإنتاجية، وتوسيع مجال حرية التصرف في السياسة الاقتصادية، وجعل النظام السياسي أرضية للصراع بين مجموعات المصالح، وتشجيع التحكم والسعي للحصول على الريع من خلال إجراءات انتقائية· وتعتبر النرويج مثالاً على ذلك· فهي حتى الآن تجنبت أسوأ حالات الانغماس في لعنة الموارد، لكن عوائد النفط الضخمة تحمل معها بالفعل مخاطر جمّة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©