الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خيارات السياسة الهندية إزاء إيران

خيارات السياسة الهندية إزاء إيران
12 أغسطس 2007 02:01
بتوقيعها على اتفاقية هامة للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في البرامج النووية المدنية، فإن الهند خطت خطوة واسعة على طريق الانتقال من هامش النظام العالمي إلى مركزه· ليس هناك الكثير من الدول التي يمكن لها أن تتباهى -كما تتباهى الهند- بعلاقتها الوطيدة مع القوى العظمى الوحيدة في العالم، وبتحقيقها لنسبة نمو تصل 8% سنوياً، وبديمقراطية تحظى بالثناء لنجاحها في جمع مليار إنسان تقريباً ينتمون إلى مختلف الطبقات والألوان والملل· في الحقيقة إن ما يبدو أحياناً هو أن كل إنسان تقريباً يشعر بالسعادة بسبب صعود الهند كقوة عالمية· فالمثاليون يجدون في ذلك الصعود دليلاً على أن الديمقراطية يمكن أن تنجح في الدول الفقيرة كما تنجح في الدول الغنية· وبالنسبة للواقعيين فذلك الصعود لدولة عملاقة تنتشر فيها اللغة الإنجليزية انتشاراً واسعاً، ويوجد بها نظام السوق الحرة، ويسودها حكم القانون··· يعد شيئاً يبعث على الطمأنينة خصوصاً في قارة تضم الصين التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وباكستان وأفغانستان اللتين تسود فيهما القلاقل والاضطرابات· وفي الوقت الذي يهيئ العالم نفسه للقبول بالنفوذ الجديد للهند، نجد أن الهند ذاتها تصارع من أجل التأقلم على مسؤولياتها الجديدة· وليس أدل على ذلك الصراع من علاقتها مع إيران· فإذا ما اختارت الهند أن تغض الطرف على اندفاعة إيران الواضحة للحصول على سلاح نووي، فذلك سيوفر لمنتقدي الهند وكارهيها في الولايات المتحدة الدليل الذي يمكنهم من إثبات أن الهند تنظر إلى المشكلات الدولية من منظور إقليمي ضيق· ويمكن لنا أن نقول: إن الهند تجد نفسها أمام خيارين واضحين: إما الاستجابة الفاترة للتهديد الإيراني، وهو ما سيعطي فكرة للكافة بأنها غارقة أكثر مما ينبغي في سياسات وتكتيكات العالم الثالث، وأنها غافلة أكثر مما ينبغي أيضاً عن أخطار الانتشار النووي والإرهاب العالمي، بدرجة تجعل الغرب يتردد طويلاً قبل الاعتماد عليها كشريك موثوق به· الخيار الثاني هو اتخاذ موقف واضح ومحدد من هذه المسألة، وهو ما سيُظهِرُ للجميع أنها دولة لديها الاستعداد لتحمل المسؤولية التي تتفق مع حجمها الضخم، وعدد سكانها الكبير، وطموحاتها، ووزنها الاقتصادي· حتى الآن لا تزال الهند فيما يخص الموضوع النووي، تتأرجح بين التعاون والمواجهة· ففي إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية صوتت الهند مرتين خلال العامين المنصرمين على تحويل موضوع إيران إلى مجلس الأمن الدولي· ومن ناحية أخرى وجدنا وزيري نفط هنديين متعاقبين يتجاهلان مخاوف الأمم المتحدة بشأن طموحات إيران النووية، ويثنيان بشكل مبالغ فيه على مشروع مد خط أنابيب الغاز بين الهند وإيران، وهو المشروع الذي سيؤدي إلى إحباط الجهود الرامية لعزل النظام الإيراني· ولفهم طبيعة السياسة الهندية تجاه إيران، فقد يتطلب الأمر حل خيوط نسيج معقد من المصالح والعواطف والسياسات والتقاليد الدبلوماسية· فهناك هنود كثر يرون أن احتياطيات إيران النفطية والغازية الضخمة تعتبر شيئاً جوهرياً ولازماً لإرواء عطش بلادهم للطاقة· فضلاً عن ذلك، تشترك الهند وإيران في مصلحة واحدة، وهي ترويض ''طالبان'' في أفغانستان، والنسخة السنية التي يمثلها· في النهاية، نجد أن إيران توفر للهند مدخلاً لأفغانستان وآسيا الوسطى، وهو مدخل حرصت باكستان المعادية للهند دوماً على حرمانها منه· تأتي بعد ذلك العواطف الثقافية التي قد لا تكون ملموسة وواضحة، رغم أنها تتداخل مع اعتبارات سياسية محلية، ومنها مثلاً أن اللغتين الهندية والفارسية تنتميان إلى فرع واحد من فروع عائلة اللغات الهندو-أوروبية، وأن اللغة الفارسية قد ظلت لغة بلاط الإمبراطورية المغولية التي حكمت الهند حقبة طويلة من الزمن· فضلاً عن ذلك نجد أن الهند تضم ثاني أكبر تجمع في العالم للسكان الشيعة حيث يبلغ عدد الشيعة الهنود زهاء 30 مليون نسمة من إجمالي سكانها· وهؤلاء الشيعة يرتبطون بعلاقات وثيقة مع إيران، كما أن ميلهم للتصويت ككتلة واحدة في الانتخابات يجعل منهم كتلة مؤثرة لا يمكن لنيودلهي تجاهلها· يذكر أيضاً أن الجماعات الإسلامية الهندية المختلفة التي دخلت في حلف فضفاض فيما بينها، قد تصدرت مظاهرات الاحتجاج التي اندلعت في الهند إبان زيارة بوش لها، ونجحت في إحباط محاولة لتكريمه من خلال توجيه الدعوة له لمخاطبة البرلمان الهندي· ورغم كافة الأحاديث حول العلاقات التاريخية القديمة بين الهند وإيران، فإننا نجد أن ملالي إيران يختلفون اختلافاً تاماً مع تقاليد التعددية التي تعتز بها الهند، كما لا يعرف عنهم التفاعل مع الثقافة الهندية، علاوة على أن التجارة بين البلدين لا تتجاوز 6 مليارات دولار سنوياً تتكون معظمها من واردات هندية من النفط الإيراني· أما العلاقات بين الشعبين فهي محدودة للغاية· وإذا ما نظرت الهند إلى إيران بشكل محايد فسوف تراها كدولة تساهم طموحاتها النووية في إضافة مزيد من عدم الاستقرار والتقلب لمنطقة متقلبة في الأصل، وكدولة تتبع نهجاً في التعامل مع الموضوع النووي يختلف اختلافاً بيناً عن نهجها· فالهند رفضت التوقيع على معاهدة الانتشار النووية من حيث المبدأ، لكنها كانت حريصة للغاية على التقيد بالأعراف الدولية لعدم الانتشار النووي· أما إيران فرغم أنها قد وقعت على تلك الاتفاقية، إلا أنها قامت سراً بالتنصل منها بعد ذلك· في النهاية نقول: إنه يتعين على الهند أن تعمل على الموازنة بين مصالحها كقوة صاعدة ودولة مسؤولة في النظام العالمي، وبين علاقاتها الثنائية مع دولة كانت تعتمد على الخطابيات والبلاغيات أكثر من اعتمادها على الحقائق· إن العالم بأسره يقف مراقباً ليرى ما ذا ستفعل الهند وأي طريق ستختار· زميل بجمعية آسيا في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©