الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحافة الأميركية وخطر الانكماش

12 أغسطس 2007 02:02
هذه هي صحيفة نيويورك تايمز، الرمادية العجوز، ذات السجل الصحفي الحافل، التي أحببنا جميعاً ''أن نكرهها''، قد بدأت بتقليص مساحتها عرضاً بنحو بوصة ونصف البوصة هذا الأسبوع· وقد طال التقليص نفسه صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز''· وإن كنت قد عبرت عن استنكاري ودهشتي لهذا التغيير، فإن ردة فعلي إزاء ما حدث، لهي أخف كثيراً من دهشة واستنكار أهالي نيويورك الذين يرون في شكل جريدتهم العريقة أحد مقدساتهم غير القابلة للمساس بها· وهذا ما لم أكن أفهمه مطلقاً من قبل· وفي الحقيقة فإن قراءة هذه الصحيفة الكبيرة الفضفاضة المسودة الحبر في عربات قطار الأنفاق، تتطلب أحد أمرين: إما مهارة فائقة في طي الصفحات والتحايل على انبعاجها، أو نزعة عدوانية شريرة في لكز الركاب الآخرين وزحزحتهم عمداً والتوسع على حسابهم· وبما أن هذه هي الحقيقة، فما الخطأ إذن في تقليص مساحة صفحاتها وجعلها إصدارة أشبه بالمجلة على سبيل المثال؟ تحرياً للدقة، فإن هذا لا يعني أن ''نيويورك تايمز'' هي الصحيفة الأميركية الوحيدة التي تم تقليص مساحتها الورقية· فقد شهدت ''وول ستريت جورنال'' تقليصاً كبيراً لمساحتها العام الماضي، على إثر خفض عرضها بثلاث بوصات في ليلة واحدة، بينما واصلت صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' ''الرجيم'' التدريجي الذي ظلت تخضع له منذ فترة، مع وعد بخضوعها للمزيد منه مستقبلاً· غير أن هذا التقليص لا يقتصر على المساحة وحدها، وإنما يطال المحتوى الإخباري للصحف أيضاً· واليوم فقد أصبح في مقدور قراء صحيفة ''نيويورك تايمز''، إدراك وملاحظة أن محتواها الخبري قد تقلص بنحو 10 في المائة تبعاً لتقلص مساحتها· وقد نتج هذا التقليص عن الخفض الملحوظ الذي أجرته جميع الصحف الأميركية على ميزانيات التحرير الإخباري· فما معنى هذا سوى تقليص عدد المراسلين والمخبرين الصحفيين، أي أن تحتفظ كل صحيفة بعدد أقل من أولئك الصحفيين الفضوليين الذين يجوبون الأمكنة والعالم كله، بحثاً عن الجديد من الأحداث والأخبار، بتوجيه الأسئلة المستمرة للناس من حولهم· ولعل هذا هو ما يدفعني إلى الاعتقاد بأن تقليص المساحات الذي خضع له عدد من صحفنا مؤخراً، لم يكن مجرد إجراء جراحي تجميلي خارجي فحسب، وإنما هو بتر كامل لأوصال وأعضاء أساسية في هذه الصحف· والحقيقة التي لا مراء فيها أن حاجة الديمقراطية للمحررين والمخبرين الصحفيين، إنما هي حاجة الشجرة للماء والهواء· وعلى رغم أن صحافتنا لم تحافظ كما ينبغي على ثياب أمجادها في الآونة الأخيرة من تاريخنا المعاصر -خذ مثالاً لمخازيها الأخيرة تغطيات المحررة جوديث ميلر في صحيفة ''نيويورك تايمز'' نفسها، وما أحدثته من تضليل للرأي العام حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة قبيل الحرب- إلا أن ما يجب قوله: إنه وفي مقابل كل صحفية من شاكلة جوديث ميلر، هناك أمثلة ناصعة لصحفيين كثر في مختلف صحفنا، ليس آخرهم ولا أولهم: ''كنيث آر· فايز'' و''أوشا لي ماكفارلينج''، من ''نيويورك تايمز'' نفسها، وكذلك المصور الصحفي ''ريك لوميز''، الذي حاز على جائزة ''بوليتزر'' الرفيعة لعام ،2007 مكافأة له عن تغطياته لبيئات محيطاتنا وبحارنا المضطربة· ولك أيضاً أن تجد لهؤلاء خير مثال في ''بارتون جيلمان''، صحفي ''واشنطن بوست''، الذي كشف لنا مؤخراً عن كيفية حصول نائب الرئيس ديك تشيني على سلطات استثنائية غير مسبوقة لمنصبه في ظل الإدارة الحالية· وما هذا سوى النمط التقليدي للصحافة التي أتحدث عنها· غير أننا بتنا اليوم في عصر العولمة والإرهاب والحروب، مما يجعلنا في حاجة لا غنى عنها للمراسلة الصحفية الجيدة في شتى أنحاء العالم· ولهذا فإن الضرر الأكبر من تقليص الميزانيات الإخبارية وكذلك المساحات الإخبارية، إنما يقع على المراسلات الصحفية الخارجية على نحو خاص· وليس أدل على صحة هذا من اضطرار صحف كبيرة عملاقة، طالما ظلت تفخر بسعة تغطياتها الإخبارية الخارجية، وبالتالي سعة شبكة مراسليها الخارجيين، إلى إغلاق مكاتبها الخارجية· وفي مقدمة هذه الصحف وأكبرها ''بوسطن جلوب'' و''بالتيمور صن''· ولم تعد تحتفظ بالمكاتب الخارجية هذه، سوى صحفنا العملاقة حقاً: ''نيويورك تايمز''، ''واشنطن بوست''، إضافة إلى صحيفة ''وول ستريت''· غير أن تقليص الميزانيات الإخبارية الذي طالها أيضاً، بات يهددها هي الأخرى باللجوء لإجراء تقليص في مكاتبها الخارجية· كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©