السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تتنوع الأشكال وتتعدد التفاصيل والهوية واحدة

تتنوع الأشكال وتتعدد التفاصيل والهوية واحدة
13 أغسطس 2007 02:45
يحرص الناس في معظم أنحاء العالم على ارتداء زي بلادهم الوطني، بحيث يمكن لأي منا أن يتعرف إلى جنسية الشخص الذي يقف أمامه بمجرد النظر إليه، إذا كان هذا الأخير يرتدي زيَّه الوطني· وفي الخليج العربي، يلقى الزي الوطني أو الشعبي عناية واهتماماً كبيرين، حيث يجري إبراز ه في المناسبات الوطنية والاحتفالات، ويتم ارتداؤه في المحافل العالمية كالمعارض الدولية واحتفالات السفارات باليوم الوطني والبطولات الرياضية الخارجية وغيرها، وعلى صعيد الإعلام والفنون والثقافة تعكس المسلسلات والمسرحيات هذا الزي، إضافة إلى سعي جمعيات وأندية التراث على تأكيده كزي شعبي يحافظ على تراث المنطقة وهوية أهلها· لكن مثل هذا الاهتمام لا يعني ان هذا الزي تحول إلى زي مناسباتي، وتوارى عن الحياة اليومية كما حدث في الأزياء الشعبية لكثير من الدول العربية، بل على العكس تماماً نجده حاضراً في الحياة اليومية، ترتديه الغالبية العظمى من الناس في كل دولة خليجية وتظهر به في كل مكان، وهذه واحدة من أهم الميزات التي يلاحظها كل من يبحث أو يهتم بالأزياء الشعبية في الخليج على الرغم من وجود بعض الفوارق بينها· قبيل الوقوف على هذه الفوارق الطفيفة، ثمة أسئلة تنتظر الإجابة: هل الزي الشعبي لأهل الخليج قديماً هو ذاته ما نراه عليه الآن؟ أم ثمة تغييرات طرأت عليه؟ وممّ تتألف ثياب الرجال والنساء؟ يشعر الإماراتي بالفخر والاعتزاز بكل ما يتعلق بموروثه الشعبي ويسعى للحفاظ عليه، لذا لا نجد تغييرات كثيرة طرأت على ثيابه، لأنه يرى أن الأزياء الشعبية تتميز بأصالة نادرة كما تتميز بالتلقائية والبساطة، وتعكس هويته وانتماءه اللذين يحرص عليهما· التاريخ ينبض هنا يمكننا من خلال القطع التي يرتديها الرجل أو المرأة في الإمارات استنباط جذور هذا الزي الضاربة في عمق التاريخ، فهو زي متعارف عليه منذ العصر الإسلامي، حيث كان الرجال والنساء فيه يرتدون الثوب والعباءة وكل منهما (الرجل والمرأة) يغطي الرأس· نقرأ في كتاب الأزياء الشعبية في دولة الإمارات الصادر عن نادي التراث في أبوظبي: يتألف زي الرجل من الكندورة ثوب طويل، لونه غالباً أبيض في الصيف، وذات ألوان داكنة في الشتاء، تنسدل من مقدمته عند الرقبة طربوشة طويلة، ويضع الرجل على رأسه غترة وهي غطاء الرأس، وأسفلها قحفية الطاقية التي تساعد على تثبيت الغترة ومن فوقها العقال الأسود الدائرة المصنوعة من الصوف، وفي بعض المناطق يلف الرجال الغترة على رؤوسهم طبقات متتالية (العمامة-الحمدانية)· كما يرتدي الرجل أسفل ثوبه وزاراً أي إزار يلفه حول نصفه السفلي بدلاً عن السروال الطويل، وأما البشت العباءة، فبه يكتمل لباس الرجل، خاصة أنه يمثل أرقى أنواع الأزياء العربية كونه يُصنع من الحرير ويُطرز بخيوط فاخرة، وأنواعه بشت شامي، بشت حساوي، بشت الشارجة، بشت سويعية، بشت دونكي، بشت وركي، بشت نجفي، بشت دفة جوخ · حلوة يا نون النسوة يضيف الكتاب فيما يخص أزياء المرأة الإماراتية: أولها الثوب الطويل الكندورة المشجرة أو المزراية أو المخورة· و الثوب الفضفاض و هو مستطيل الشكل يخاط من الجانبين بحيث تترك فتحتان طويلتان لليدين، وفتحة واسعة للرقبة، و يلبس فوق الكندورة· من أهم الأقمشة التي يصنعان منها دح الماية، الأمواج، بو طيرة، بو رنجين، بو لونين، بو قليم، ثوب شربت، شعر صباح، بو شيك، بو تيلة، دمعة فريد، شمس و ظله، وغيرها· وهناك السروال الذ ي يتخذ شكل البنطال، ويُلبس أسفل الثوب، يصنع من القماش القطني بو النف، بو كريبة ويتم تطريز أسفله بخيوط التلي والفضة · أما السويعية فهي العباءة السوداء المزينة بخيوط الزري الذهبية عند أطرافها، ترتديها المرأة حين خروجها من البيت، وتغطي رأسها بمنديل الشيلة الحريرية السوداء، في حين البرقع هو نوع من القماش ذهبي اللون تغطي به المرأة أهم معالم وجهها، ويزين البرقع بمشاخص أبو النجوم ويثبت على الوجه بالكلاليب· بذلك تتسم قطع الأزياء بتطريزات من قصب الفضة والذهب والألوان الزاهية الجميلة التي تجعل منها ثياباً حلوة تتزين بها النسوة· شاهدٌ غائب حاضر إذا كانت الشعوب تكنز طي كتبها ومؤلفاتها تاريخها وتراثها، فإن الذاكرة والضمير أيضاً يكتنزان العديد من المعلومات، هذا ما يمكن أن نعرّف به الراوي والباحث الشعبي راشد الشوق -رحمه الله- الذي أشار في ندوة له ضمن فعاليات مهرجان التراث الذي أقيم أواخر التسعينات في المجمع الثقافي بأبوظبي، إلى أن فكرة طربوشة الكندورة مستقاة من خوص النخل الذي كان الأجداد يمشطونه فيتفرق إلى خيوط طويلة ناعمة، يضعونها على أكتافهم كلما مشطوا خصـلة من الخوص والسعف، وهكذا عبر الطرافة بدأ يسري تقليد ضم الطربوش إلى رقبة الكندورة· و أشار -رحمه الله- إلى أن الناس كانوا يشترون ملابسهم من محلات صغيرة بسيطة، بعد أن تُنهي النساء خياطتها لعدم توافر محال وأسواق كبرى كما الآن، وكانت أهم أنواع أقمشة الثياب الرجالية تصنع من (الشربت واللاس والكورة والقطن والبفتة وبو تفاحة والصوف) وغيرها، ومعظمها ذات لون أبيض، تستورد من الهند وإيران، ثم باتت تستورد من العراق والشام· كان الزمان وكان أما الباحث والشاعر عبد العزيز المسلم، مدير إدارة التراث والشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، فقد أخبرنا عن تفاصيل مهمة كان قد أشار إليها في كتابه الأزياء والزينة في الإمارات قائلاً: تتشابه الأزياء النسائية والرجالية في دول الخليج، وكانت جميعها أشبه بزي أهل الإمارات، لكن تطور المجتمعات بعد عصر النفط، والانفتاح على ثقافات وحضارات الآخرين سواء الهند أو إيران أو بريطانيا، دفع ببعض أهالي الخليج إلى تغيير بعض تفاصيل ثيابهم، فدخلت الياقة التي تشبه ياقة القمصان الأوروبية والأخرى العالية، إلى الثوب السعودي والقطري والكويتي، وبالمثل باتت هناك أزرار من البلاستيك والصدف والمعدن عوضاً عن الأزرار المفتولة من القماش وتُسمى عندنا عقمة بينما العروة تسمى غرمة ، وبدل الأكمام الواسعة عند المعصمين بات هناك قبضات للمعاصم لها أزرار وعروات· كما تختلف البراقع في الإمارات عنها في باقي دول الخليج، حيث نجدها هناك نقاباً أسود اللون، وهو اختلاف يذكرنا باختلاف آخر في لون واسلوب اعتمار الغترة، فغالباً لونها في الإمارات أبيض، بينما في السعودية والكويت (شماغ أحمر) فوقه العقال الأسود الذي كان يصلنا من الكوفة، وكان علية القوم فقط يرتدون العقال، أما أهل البحر فكانوا يعملون في الغوص ويلفونها بشكل دائري وتُسمى كليمبه بينما أهل البر يربطونها بطريقة العصامة · ويضيف المسلّم: كان الناس يصبغون الأثواب بالحناء و بماء قشر اللوز والرمان، كي تأخذ لوناً مغايراً· وعلى الرغم من عشرات الألوان والتصاميم المتاحة الآن لجيل الشباب إلا أنهم لا يزالون يحافظون على موروثهم من الأزياء الشعبية، بينما نجد أن التصاميم الحديثة دخلت على أثواب وعباءات المرأة وأحدثت بها تغييراً ملحوظاً· من التراث إلى الحداثة تُعنى دولة الإمارات بكل ما يتصل بالموروث الشعبي، بغرض إحيائه والمحافظة عليه، وقد التفت إلى هذا التراث فنانون ومبدعون ومصممون ابتكروا من تفاصيل التراث والأزياء الشعبية القديمة، نماذج عصرية لكنها مستلهمة من الموروث الشعبي· من هذا المنطلق أنشأت الدكتورة ريم المتولي، مشغلاً خاصاً بالأثواب التراثية الإماراتية، تقول: لا شك في أن ثمة فوارق في الأزياء النسائية الشعبية في دول الخليج، لكنها فوارق طفيفة لا تكاد تلاحظ، لأنها جميعاً تنبثق من بيئة واحدة، ويمكن دمجها في ثوب واحد يليق بالخليجيات، لذا يأتي تصنيع أزياء نسائية تعتمد في خطوطها الرئيسة على تفاصيل الأزياء الشعبية المحلية، بهدف إيجاد ثياب عصرية تنسجم مع متطلبات العصر الحديث، وتنطلق من التراث وكل ما يتصل به من أقمشة ونماذج وزخرفات وخطوط وألوان، حرصاً على تكريس الزي الشعبي أمام الأزياء الأخرى المتوافرة · ثياب الرجال يرتدي سكان دول الخليج العربي زياً متشابهاً إلى حد كبير، فثياب الرجال واحدة تتألف من ذات القطع، وكذلك ثياب النساء· لكن تبرز اختلافات وتفاصيل بسيطة في زي كل بلد، يمكن من خلالها معرفة البلد الذي ينتمي إليه من يرتديها، يخبرنا عنها بائع في محلات خنجي، يقول: يرتدي الرجل في دول الخليج نفس القطع: كندورة وغترة وعقال وبشت · لكن ثمة قطعاً أخرى نجدها لدى الكويتي كثوب الزبون الفاخر المصنوع من الحرير المطرز بخيوط من الذهب، بفتحة عنق ضيقة وأكمام طويلة، وهو مفتوح من الأمام وتلف أجزاؤه الأمامية حول الجسد· وكذلك سديري وهو سترة من دون أكمام تلبس فوق الكندورة التي يسميها الكويتيون الدشداشة · بينما يسميها السعوديون الثوب · في حين يلبس العُماني ثوباً يتميز بياقته المطرزة والطربوشة (نفس طربوشة الكندورة لكنها أقصر) وهناك أثواب تُلبس مع القلنسوة والعصامة عمامة حمدانية والخنجر الفضي المنقوش· بينما يرتدي الرجل في كل من قطر والبحرين، ثوباً أبيض ذا ياقة أوروبية، مع بشت مطرز بخيوط ذهبية، مع عقال تتدلى منه خيوط على الظهر· وهناك ثوب الدقلة وهو يشبه الزبون ويصنع من الصوف الكشميري· أما ثياب رجال الخليج في الشتاء فهي: فروة معطف من الصوف مبطن بفروة خراف، و باركوت و بالطو جوخ و سترة سميكة قاط · ثياب النساء زودتنا سفارة مملكة البحرين بأبوظبي، بكتاب قيّم، يضم معلومات عن الأزياء الشعبية في البحرين والخليج العربي، جاء فيه: ثوب النشل يأتي في مقدمة الأزياء النسائية الشعبية فناً واتقاناً وأصالة، حيث تحرص المرأة البحرينية على ارتدائه في مختلف المناسبات كالأعياد وحفلات الأعراس والمناسبات الكبرى· وهناك ثوب النغذة وثوب المفحح · أما الدراعة وهي ثوب طويل بأكمام طويلة من القطن أو الحرير الهندي المنقوش أو المطرز بخيوط ذهبية، فتعتبر الزي الرسمي للنساء في قطر والسعودية بالإضافة إلى البحرين· وأما البخنق فهو رداء الفتيات الصغيرات، ينسدل كغطاء للرأس ليغطي النصف الأعلى من البدن· في خزانة المرأة العمانية، نجد العديد من الثياب الجميلة، حيث التطريز حول رقبة الثوب واليد بـ التلي الذي تتميز به مسقط، وتعد العمانيات صاحبات أكثر زي متعدد، فهناك زي ظفار والزي الصوري وزي ولاية نزوى، وولاية بدية· والعمانيات كما الإماراتيات يرتدين السروال المطرز، لكنه في عمان يكون بألوان متعددة· ويعتبر الثوب النجدي من أشهر ثياب المرأة السعودية، يتميز بقصته الواسعة وحياكته الرقيقة من الخيوط الذهبية والملونة عند معصم الكم وأطراف الشيلة· وبالطبع فإن العباءة هي أهم قطعة في أزياء الخليجية (باتت بتصاميم عديدة جميلة تحاكي الموضة الحديثة)· لابسات البراقع ولا تقلّ البراقع أهمية عن العباءة، فهناك البرقع الشبيه بالبرقع الإماراتي، وهناك النقاب لدى المرأة السعودية والقطرية، حيث لم تعد نساء البحرين وعمان والكويت ترتدينه كما في السابق، كما نجد البوشية و الملفع و الشيلة الغطاء الأسود الخفيف ترتديه الخليجيات على الرأس· إذن، فرضت بيئة الخليج في البر والبحر، ألوانها وتفاصيلها، مثلما فرضت فروقات طفيفة في التفاصيل كنتيجة للتواصل الاجتماعي بين الشعوب وانصهار ثقافاتهم من دون أن تؤثر على جوهر الأزياء وملامحها الأصلية· لذا، إن كانت ملامح الوجه غالباً تكشف هوية الإنسان، فإن زيه الوطني يؤكدها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©