الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القاعدة في العراق وأفغانستان··· والطرف الثالث

القاعدة في العراق وأفغانستان··· والطرف الثالث
19 مارس 2008 22:33
تدفعني مهمتي الحالية المتمثلة في تدريب المستشارين العسكريين الأميركيين -الذين يعملون اليوم جنباً إلى جنب مع القوات العراقية والأفغانية- إلى استحضار تلك الأوقات التي قضيتها في العام 2004 أقاتل في محافظة الأنبار العراقية والتي شهدت مقتل ''سليمان'' -المقدم في الجيش العراقي، فقد كان ''سليمان'' من أفضل قادتي العسكريين الذين حملوا السلاح ضد المتمردين في الأنبار، حيث كان مقاتلا شرساً وضابطاً سابقاً في الحرس الجمهوري، وعلى غراري كان ''سليمان'' أحد الضباط الذين شاركوا في عملية عاصفة الصحراء وإن كان في الجبهة المقابلة· و''سليمان'' -لم أعرف أبداً اسمه العائلي- كان قائداً لكتيبة الدفاع المدني التي تحولت اليوم إلى الجيش العراقي بمقرها غرب الفلوجة، لكن مشكلته برزت في أبريل من العام 2004 عندما تدلت جثث متفحمة لاثنين من متعاقدي شركة ''بلاكووتر'' من على أحد الجسور قبالة مقر الكتيبة، وسرعان ما سقطت الفلوجة تحت سيطرة المتمردين السنة الذين استاءوا من ''سليمان'' لرفضه الاستجابة لمطالبهم بتقديم السلاح والمال، فقاموا باختطاف أحد رجاله واستدعوه إلى مسجد بوسط الفلوجة لاستعادته، ولم يتردد ''سليمان'' لحظة واحدة في المخاطرة بحياته لاستعادة أحد رجاله، حيث تم احتجازه وضرب حتى الموت، ليتم تصوير شريط بعملية التعذيب والقتل، وبيع في شوارع الفلوجة كدرس لكل من يتعاون مع القوات الأميركية لبناء عراق أفضل· ولئن كان وجود حلفاء مثل ''سليمان'' قد لا يضمن النصر، إلا أن الانتصار بدون مشاركة العراقيين يكاد يكون مستحيلاً، ولعل الدرس المهم المستخلص من المأساة هو أن القوات الأجنبية لا تستطيع أبداً الانتصار في حرب العصابات بمفردها، فقد أنفقت وقتا في الأنبار لتدريب القوات العراقية وتكوينها بقدر ما أنفقته في تخطيط العمليات القتالية ضد المتمردين وتنفيذها، وأعتقد أن هذه المقاربة غير المباشرة التي تعتمد على القوات المحلية هي المفتاح لكسب الحرب الطويلة ضد ''القاعدة'' وتغيير الشرق الأوسط نحو الأفضل، واليوم تغير العراق كثيرا منذ مقتل ''سليمان'' في 2004 وأحرز العراقيون تقدماً كبيراً على الصعيد الأمني لتتحول الأنبار إلى أكثر المحافظات العراقية أمناً، إذ من المتوقع أن تسلم إلى القوات العراقية خلال الشهر الجاري، وبالتأكيد سيسجل التاريخ العسكري النجاح الذي حققته خطة العام 2007 وزيادة عدد القوات الأميركية التي ركزت على إرسال قوات إضافية إلى العراق واستخدامها ضمن الاستراتيجية الكلاسيكية لمحاربة التمرد من خلال الاصطفاف إلى جانب الأهالي وتوفير الأمن للسكان، لكن مع ذلك من السابق لأوانه إعلان النصر التام، كما أنه سيكون خطأ استراتيجياً التركيز على العراق وإغفال بؤر التوتر الأخرى التي تنخرط فيها الولايات المتحدة· فمع أن القاعدة قتلت العديد من رجالي في العام ،2004 إلا أنها لم تعد تشكل أي خطورة اليوم بعدما تراجع تهديدها بسبب تدخل مجموعات سنية متمثلة في مجالس الصحوة والانخراط في مقاتلتها بحزم وفعالية، وقد كان تشكيل تلك المجالس السنية أهم حدث شهده العام 2007 وساهم في دحر ''القاعدة'' وتراجع نفوذها، لكن في مقابل النجاح الذي أُحرز في العراق خلال العام الماضي كانت الكلفة باهظة، حيث وصل الجيش إلى حافة الانهيار بعدما أرسلت ''البنتاجون'' خمسة ألوية إضافية ومُددت فترات الخدمة العسكرية للجنود من 12 إلى 15 شهراً؛ والنتيجة أنه لم يعد للجيش ولمشاة البرية أية قوات احتياط لمواجهة الأزمات في أماكن أخرى، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه ''طالبان'' تعزز قوتها في أفغانستان والمناطق الحدودية مع باكستان، ناهيك عن تنامي تجارة الأفيون واستخدامها لتمويل أنشطة المتمردين، وفي ظل صعوبة سحب القوات الأميركية من العراق خشية تدهور الأوضاع الأمنية وتهديد حالة الاستقرار الهش، فضلا عن رجوع ''القاعدة'' واتخاذها من العراق ملاذها الآمن، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن نصر مؤزر· وكخطوة أولى لا بد من مواصلة تقديم الدعم لأفغانستان الذي تبدى مؤخراً في قرار وزير الدفاع ''روبرت جيتس'' بإرسال ثلاثة آلاف جندي إضافي من مشاة البحرية إلى أفغانستان بدءا من الشهر المقبل، ومع أن الأمر يتطلب مائة ألف جندي لتعزيز قوات حلف شمال الأطلسي، ولإحراز النجاح الذي بلغه ''ديفيد بيترايوس'' في العراق، إلا أن ذلك يشكل خطوة إيجابية مع تعذر توفير هذا القدر من الجنود، وفي ظل هذا الوضع، يبقى الحل الوحيد على المدى القصير هو توسيع القوات العراقية والأفغانية للحفاظ على المدن والبلدات التي تسيطر عليها القوات الأميركية، فقد بينت التجارب أن القوات المحلية التي يدربها المستشارون العسكريون تحقق نجاحاً كبيراً في حروب العصابات ومواجهة التمرد، وقد كنت في هذا الإطار أحد الذين دعوا الجيش الأميركي إلى استحداث وحدة مستقلة من المستشارين العسكريين يتم اللجوء إليها أثناء الحروب· ومع ذلك لا أتوقع أن يتمكن المستشارون العسكريون، مهما نُظمت مهامهم وتوسع نطاقهم، من دحر التمرد بمفردهم ما لم يترافق ذلك مع رواية مضادة للأفكار والتصورات التي يستلهم منها المتمردون قوتهم· هذه الرواية المضادة لا بد، لكي تحقق هدفها، من دعمها بالتنمية الاقتصادية وبالتزام الحكومة العراقية في بغداد بتوفير الخدمات الأساسية للسكان مثل الماء والكهرباء، لكن بالأخص توفير الأمن والاستقرار· قائد الكتيبة الأولى السابق في العراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©