الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلى التبت··· عبر الهواتف المحمولة

إلى التبت··· عبر الهواتف المحمولة
19 مارس 2008 22:34
لا تخلو الإنترنت من الصور الفوتوغرافية وأشرطة الفيديو القصيرة التي التقطت بواسطة الهواتف المحمولة في التبت، ورغم عدم وضوحها أحياناً لالتقاطها من قبل الهواة، إلا أنها تُظهر ما يكفي من الغازات المسيلة للدموع، ومن حرق للمباني والمحلات، في حين يبرز رجال الدين البوذيون بلباسهم الفضفاض وشرطة مكافحة الشغب وما يصاحب ذلك من فوضى، لكن لا يمكن للمرء وهو ينظر إلى تلك الصور والأشرطة إلا أن يتذكر أحداثا مماثلة وقعت في ''رانجون'' قبل ستة أشهر· وفيما كانت السنة الماضية مخصصة لبورما وما جرى فيها من قمع، يبدو أن القمع هذا العام هو من نصيب إقليم التبت، وليس مستبعداً أن تُظهر الصور المنقولة على الإنترنت في العام المقبل مدينة صينية أخرى وهي تتعرض للحرق والتمرد مثل ''كزينجيانج'' التي تقطنها أقلية ''الأوغور''، بل أكثر من ذلك قد نشاهد الشرطة الصينية وهي تلاحق اللاجئين على الحدود الصينية والكورية الشمالية، والواقع أن تحول الهواتف النقالة إلى أهم الوسائل وأكثرها ذيوعاً لنقل الأخبار في بعض دول شرق آسيا ليس غريباً؛ فالمناطق التي التقطت فيها الصور بالهواتف المحمولة سواء في التبت أو ''كزينجيانج'' أو كوريا الشمالية، كلها تشترك في سيطرة وسائل الإعلام الرسمية، سواء بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة والتي دونها انتقاد النظام الصيني، أو حتى الاقتراب منه· وبالرغم من أننا لا ننظر إلى الصين على هذا النحو، إلا أنها بالفعل إمبراطورية شاسعة ومتقادمة تسيطر فيها الجماعة العرقية ''الهان'' على باقي ''الأمم المحتجزة'' من خلال التضليل السياسي، وقمع الشرطة السرية، وإنزال الجيش لحفظ الأمن وضمان استقرار الأوضاع التي باتت شبيهة إلى حد كبير بالإمبراطورية النمساوية-المجرية التي سيطرت في الماضي على أوروبا الوسطى· وفي هذا السياق أعتقد أن الصين تشترك في العديد من النقاط مع الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ؛ فعلى غرار الإمبراطورية السوفييتية السابقة مثلا، تضم الصين إمبراطورية ''الداخل'' والتي من بينها التبت و''كزينجيانج''، كما تضم إمبراطورية ''الخارج'' والمتمثلة أساساً في وكلائها ببورما وكوريا الشمالية، وعلى غرار فرنسا وبريطانيا يتعين على الإمبراطورية الصينية التعامل باستمرار مع الأمم ذات اللغة والدين والعادات المختلفة تماماً عن القوة الإمبراطورية والتي لا يمكن، نتيجة لذلك، التنبؤ بسلوكها، ومثلما هو الأمر بالنسبة للتجارب الإمبراطورية السابقة استثمرت الطبقة الإمبراطورية في الصين الكثير من الجهد والمال لإخضاع المحيط للمركز وضمان ولائه المطلق، وللتأكد من ذلك، لننظر إلى السيرة الذاتية للرئيس الصيني الحالي ''هو جينتاو''، الذي كان في السابق رئيسا للحزب الشيوعي في التبت، إذ في الوقت الذي اندلعت فيه المظاهرات الكبرى في إقليم التبت بين عامي 1988 و،1989 كان ''جينتاو'' مسؤولا رئيسياً عن القمع الوحشي الذي مورس ضد رجال الدين، كما كان مسؤولا عن السياسية التي أطلق عليها ''الدالاي لاما'' لاحقا اسم ''المذبحة الثقافية''، والمقصود بها استقدام الآلاف من عرقية ''الهام'' الصينية إلى مدن التبت، لإضعاف القومية المحلية وتغيير ديموجرافية المنطقة· يبدو أن إخضاع التبت وإلحاقها بالإمبراطورية الصينية قسراً، إن لزم الأمر ينطوي على أهمية كبرى بالنسبة للصين لأغراض دعائية تسعى من ورائها إلى الترويج لنجاح التجربة الصينية، فالتبت بالنسبة للصين هي ما كانت عليه الجزائر بالنسبة لفرنسا، والهند بالنسبة لبريطانيا الإمبراطورية، وما كانت تشكله بولندا بالنسبة لروسيا القيصرية، وهو ما يعني أن التبت هو الإقليم الأكثر إثارة للمشاكل والأكثر استعصاء على الإخضاع بسبب اختلافه عن المركز، ويمكن ملاحظة هذا الإصرار الصيني على التعامل مع التبت كجزء لا يتجزأ من إمبراطوريتها في الأسابيع القليلة التالية، حيث ستحاول بكين تفسير ما جرى في الإقليم على أنه مجرد مظهر من مظاهر الشغب· ويُذكر أن المظاهرات الحاشدة والعنيفة التي شهدها الإقليم كانت في البداية ذات طابع ديني بعدما احتج رجال الدين على القوانين التي تفرضها عليهم السلطات الصينية، ومن بينها فك ارتباطهم بزعيمهم الروحي ''الدالاي لاما''، لكن سرعان ما تطورت المسيرات السلمية لرجال الدين إلى أعمال عنف واسعة استهدفت رموز التواجد الصيني في الإقليم مثل الهجوم على عرقية ''الهام''، واستهداف الشركات الصينية وفرع مدينة ''لاسا'' للبنك المركزي الصيني· وخلافا للرواية الرسمية الصينية التي ستسعى إلى التقليل من شأن المظاهرات، واتهام عناصر أجنبية بالوقوف وراء أعمال العنف، أو القول بأنها تستهدف إفشال الألعاب الأولمبية، فإن ما جرى في التبت كان حدثاً سياسياً مهماً يُدلل على ذلك إصرار التبتيين على انتمائهم إلى الإقليم وليس إلى الصين، وإذا كانت الحرب في الجزائر أدت إلى سقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا، كما أضعفت حركات المعارضة في المحيط السوفييتي قبضته الحديدية، فإني أراهن اليوم أن سياسة ''هو جينتاو'' تثير الكثير من القلق في أوساط النخبة الصينية الحاكمة، وهو قلق يتعين على الطبقة السياسية في الصين أن تشعر به بالفعل، لأن القرنين الماضيين يحفلان بالعبر والقصص عن أفول نجم إمبراطوريات كبرى بسبب معارضة رعاياها، أو انتفاض وكلائها، أو بسبب طغيان الشعور القومي لدى الشعوب التي تسيطر عليها· كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©