الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتحال صفة مدرس

6 مارس 2010 22:26
لم يكن مدرس اللغة العربية مجرد مدرس ناجح، في إيصال مادته للطُلاب، بل كان قدوة يحتذى بها، في شخصيته الآسرة، هو أديب وروائي وشاعر وموسيقي وفنّان... وفوق كل هذا يحمل ضميراً حَيّاً، لا يسمح لنفسه أن يضيع أي دقيقة من الحصة المدرسية، دون أن تكون بلا فائدة.. ومن حُسن حظي أنني درست على يد هؤلاء المدرسين «النبلاء» الذين نسجوا في قلوب طلابهم أجمل روايات عشق العربية، بأساليب التدريس الناجحة التي اتبعوها، فرسخت اللغة في القلوب قبل العقول، وثبتت في المخيلة بذكريات جميلة لا تنسى.. أروع المدرسين كانوا من مدرسي اللغة العربية، سحروا، وأبدعوا، وحلقوا، وزرعوا أجمل الزهور في نفوس طلابهم.. هم الفرسان، المناضلون، المثل الأعلى، هم الآباء، والموجهون، لا يملك الطالب إلا أن يحبهم ويحترمهم ويتمنى أن يكون يوماً مثلهم.. لم يكن حبي للعربية شديداً، في المرحلة الابتدائية، إنما كان أكثر من حبي للرياضيات وحساباتها ولوغاريتماتها، ولكن معلمي المرحلة الإعدادية سرقوني وجرفوني باتجاه العربية، وحملوني على بساط الريح.. أرتع في بساتينها وجنانها، لم تعد كتابة وظيفة اللغة العربية همّاً يثقل كاهلي.. بل أصبحت حصة العربية واحة وفسحة للمتعة والاستمتاع بفنون العربية .. وما أجملها من ذكريات تلك.. .. حب هؤلاء المعلمين للعربية، جعل منهم حملة رسالة، لا مجرد ملقنين، ومحفظين، أحبوا لغتهم، فاتبعوا أجمل وأروع الأساليب في إيصالها. لكل منا في ذاكرته، ذكريات مختزنة عن المدرسين بشكل عام، ومدرسي العربية بشكل خاص، لمن أحبوا «الضاد»، وأجمل الذكريات أنني تعلمت التدريس وأنا طالب في الأول الثانوي من معلم أطال الله في عمره، فقد كان يكلف الطلاب بتدريس درس معين موجهاً بأسلوبه الخاص، زارعاً الثقة في النفس، وكم من طلبة أبدعوا في التدريس وهم طلاب. وأكثر من ذلك أننا في السنة الرابعة من الجامعة أحب أحد الطلاب من الزملاء أن يتقمص شخصية الدكتور مدرس مادة الأدب الجاهلي للسنة الأولى، وهي من أصعب المواد، ليس في مادتها، بل في مدرسها الصارم جداً، والمتعصب للعربية، وللشعر الجاهلي لأبعد الحدود، وكان يحاسب الطلبة على الأخطاء الإملائية والنحوية وكانت لديه بالسالب(-20 أو-10) وعلى سبيل إضحاك طلبة السنة الأولى الذين لم يتعرفوا بعد على أساتذة المواد باعتبارهم مازالوا في بداية العام الدراسي، دخل (الطالب المدرس) إلى المدرج، وكان متأنقاً ويحمل حقيبة، كما الأساتذة، فوقف الطلاب في المدرج احتراماً له، فأعجبته المسألة، فبدأ بالمحاضرة واختار موضوعاً مهماً، جداً: «بداية الكتابة في العصر الجاهلي»، وألقى (الطالب المعلم) ما في جعبته بكل اقتدار وفتح مجال المناقشة والحوار.. ولم ينكشف أمره حتى بقدوم أستاذ المادة الحقيقي، لينسحب، بحيلة من زملائه المساندين له، الذين تضامنوا معه، على سبيل الدعابة، مع الطلاب الجدد للحظات، ولم يكن زملاؤه يتخيلون أن زميلهم ستعجبه الحكاية ويلقي محاضرة لمدة خمس وأربعين دقيقة.. وبكل اقتدار وقد علم بهذه القصة رئيس قسم اللغة العربية، وأبدى إعجابه بشجاعة الطالب وقدرته، وبالفعل.. هذا الطالب أصبح فيما بعد أستاذاً محاضراً في جامعة دمشق، ومن الناجحين جداً في عملهم، بل ومن أشهر المحققين، وحقق حلمه بعد رحلة كفاح طويل. إسماعيل ديب Esmaiel.Hasan@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©