الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خبير الآثار منير طه: روحي انعجنت بالمتحف

خبير الآثار منير طه: روحي انعجنت بالمتحف
9 ابريل 2009 03:09
كل شيء فيه يقول إنه آثاري؛ كأنما خرج من حقبة من حقب التاريخ ليطل على القرن الحادي والعشرين ثم يمضي إلى شأنه· مسترسلاً في فوضاه المنظمة ينبئك عما يسكن روحه من ألق الحضارات· مطلاً على عصور موغلة في القدم عقد معها صداقة لا تنفصم عراها، سادراً في قراءة من مضوا وتركوا لنا بقاياهم عالية في الروح، ومتماهياً مع أجداده العظام يأتي··· بوجهه الرافديني جداً، ليدخلك إلى عوالم العصور الغابرة، العصور التي فتحت جنّـاتها له ذات زيارة إلى المتحف العراقي وأخذته في أغوارها، فلم يعد الفتى ولم تعد روحه التي ''انعجنت بمضامين المتحف'' كما يقول· كان صغيراً حين ذهب إلى المتحف العراقي، من يومها صار يجيب على السؤال التقليدي: ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟، بإجابة واحدة فقط: عالم آثار· ولما أنهى دراسته الثانوية ذهب إلى الجامعة ليضع أمام أربعة تخصصات أتيحت له كلمة واحدة: آثار، فكان أن قررت الجامعة أن تدخله إلى تخصص الآثار· والآن، بعد 46 سنة في هذا الحقل يعترف بأن الآثار فتحت له أبواب التاريخ وأبواب المدن أيضاً، إذ زار بسببها أكثر من أربعين مدينة في العالم، وحضر عشرات المؤتمرات، وقرأ، وكتب، وخبر بيديه كيف يتواصل مع الماضين ويخرجهم من سباتهم ليعرفهم إلى مواطني القرن العشرين والحادي والعشرين، وليغترف منهم الحكمة التي وهبوها له عن طيب خاطر· حكمة المدافن هكذا بدأت علاقة خبير الآثار الدكتور منير طه مدير عام المركز الإقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية بالدول العربية باليونسكو، وهيئة متاحف قطر بالدوحة ورئيس هيئات التنقيب في العراق والإمارات والبحرين وقطر وتونس وليبيا مع الآثار والحفائر، لكن علاقته تبدو أكثر خصوصية وحميمية مع المدافن التي نقب في الكثير منها، أما لماذا المدافن؟ فهذه واحدة من الحكم التي علمته إياها سنوات التنقيب وتقصي الأثر: إذا أردت أن تحصل على نتائج مهمة عليك أن تذهب إلى معبد أو مدفن، أما المستوطن فغالباً ما يكون فارغاً· ولقد عمل بهذه الحكمة وكانت غنائمه كثيرة ووافرة، لأن القدماء كانوا يضعون مع أمواتهم أحسن ما لديهم لاعتقادهم أنهم سيستخدمونها في حياتهم الأخرى· رحل منير طه في بلاد الأرض مجبراً لا طائعاً، إذ لم تكن منافيه كلها سعياً وراء المعرفة، بعضها كان لأن الوطن صار نائياً وغير متاح، لكن الحكمة الثانية التي تعلمها من الآثار أفادته، إنها الصبر والصلابة التي يسميها القوة الداخلية، تلك التي تجعلك مؤمناً بذاتك قادراً على ترجمتها إلى عطاء في أحلك الظروف والأوقات، وربما ساهمت الكتابة وهي اللقية الأجمل التي حصل عليها من الآثار في التخفيف من أثر هذا التغرب الدائم عن الوطن، فكان للكتابة لون العراق ورائحته وعذوبته، وكانت السر الأعظم الذي ضخَّ في روحه عدم الخوف، تلك الحكمة الرابعة التي تعلمها من الحفر في المدافن والحياة بين الرفات وعلى حواف الحضارات· الثقافة والحضارة ؟ تأمل اللقى والآثار علمك الصلابة والرومانسية والصبر والكتابة، لكن ماذا عن مشاعرك تجاهها، كيف تنظر إليها؟ ؟؟ باحترام بالغ، وأفرح حين أعثر على لقية ما لأن العالم سيرى جزءاً من ثقافة وليس حضارة من سبقونا، لأن الثقافة شيء والحضارة شيء آخر، وغالباً ما يجري الخلط بينهما على نحو مؤسف· فالمضامين الثقافية أشمل وأعم من المضامين الحضارية· الحضارة لها علاقة مباشرة بمصطلح التحضر وهناك من يربط مصطلح الحضارة بمصطلح التمدن للدلالة على انخراط الفرد بحياة المدنية، وهي تمثل كل ما يكتسبه المجتمع في سعيه إلى التطور والمتمثل بجميع آليات ومستلزمات العملية التطورية التي تسعى الدولة للحصول عليها (سيارات، طيارات، كمبيوترات، وحتى الريبوتات) وكل المجتمعات والدول تتساوى في ذلك· بينما الثقافة هي كل أصيل وغير مستورد ونابع من رحم الأمة، فالآلات الحجرية التي استعملها الإنسان لسد رمقه أو للدفاع عن نفسه، والآنية الفخارية، والبسط أو الحصير، والملابس، والأغاني والأهازيج والألعاب والأكلات الشعبية، كلها من النتاج الثقافي للمجتمع· وإذا كنا نتحدث عن كرسي أو سيارة أو طيارة استوردناها فنحن نتحدث عن حضارة، لكن ''المجبوس'' الذي نأكله، والحصير الذي ننام عليه، والحكاية الشعبية التي نحكيها لأطفالنا، والقصيدة الشعبية التي نتداولها هي ثقافة· وعندما كان الإنسان الإماراتي القديم يأخذ قطعة من الحجر ويكسرها ليختار قطعة يقوم بتشذيبها وتهذيبها لاستخدامها والاستفادة منها فإنه كان ينتج ثقافة، أما القطعة الأخرى فهي عبارة عن جيولوجيا· ولهذا، يخطئ من يقول إن ما يجري بين الشرق والغرب هو صراع حضاري لأنه صراع ثقافي· الشعوب تُستَهدَف في ثقافتها وليس في حضارتها، وعندما دخل الأميركيون العراق لم يأتوا بحثاً عن طيارات العراق ولا سياراته بل لضرب جذوره وثقافته· وهذا ما يفعله الإسرائيليون أيضاً، الذين يعلنون ليل نهار أن ''الفلافل والحمص والثوب الفلسطيني والدبكة الشعبية الفلسطينية'' جزء من ثقافتهم· من ينقب ولماذا؟ ؟ نظراً لهذه الأهمية التي تتميز بها الثقافة والتي يعثر البحث الآثاري على شواهدها المادية، وباعتباره ذاكرة الأمة وتاريخها، هل تعتقد أن البحث الآثاري يلقى ما يستحقه من الاهتمام دراسة وبحثاً وتحليلاً وتصنيفاً؟ ؟؟ بصراحة، ومن خلال خبرتي بالحقل التي تبلغ 46 سنة توزعت بين العراق والإمارات والبحرين وتونس وليبيا وقطر، أرى أن الدراسات في السابق كانت أفضل، وكان تنظيم فرق البحث والتنقيب أحسن، وكانت نوعية الفرق على المستوى العلمي أفضل مما هي عليه الآن· ولأسباب إعلامية، ربما، لم يعد هناك تدقيق كبير في نوعية بعض الفرق التي تقوم بالتنقيب من حيث الأهلية العلمية والقابلية الحقلية لتأريخ ما يتم العثور عليه، حيث يكتفى بنشر خبر عن العثور على كذا وكذا من دون أن تأخذ هذه المكتشفات طريقها إلى النشر بصورة علمية ومفصلة· لهذا وغيره يمكن القول إننا لسنا في المستويات العلمية التي ينبغي أن يكون عليها البحث الآثاري، وأغلب الذين ينقبون ليست لديهم الكفاءة العلمية ولا الحقلية للتنقيب· وأتمنى أن يكون هناك اهتمام أكبر لمعرفة وزن أي فريق يأتي من الناحية العلمية ومدى أهليته للتنقيب ومن أي جامعة وغيرها من التفاصيل المهمة· عندما بدأنا التنقيب في الإمارات عام 1972 على سبيل المثال كنا نعرف معنى التنقيب ولماذا ننقب؟ كنا نبحث عن ثقافة المنطقة ونسعى لمعرفة هل كانت هناك اتصالات تجارية وثقافية بينها وبين البلدان الأخرى في العصور الغابرة (بلاد الرافدين في الشمال ووادي السند في الشرق، افريقيا في الغرب، ومصر في الشمال الغربي)، كان هذا هدفنا وموضوعنا أما الآن فبعض الفرق يأتي وكأنه ذاهب في سياحة لمدة 3 أشهر من دون الاكتراث هل وجد شيئاً أم لم يجد، لهذا يعتمدون على التنقيبات البطيئة، صحيح أن التنقيب العلمي يحتاج إلى وقت لكن في حال كان الموقع كبيراً ينبغي زيادة أعضاء الفريق ليتسنى الحصول على نتائج في أقرب وقت· صلات قديمة ؟ بمناسبة الحديث عن ثقافة المنطقة والصلات التجارية مع البلدان الآخرى، أعلنت هيئة البيئة مؤخراً عن اكتشاف أثري جديد في غرب أبوظبي يتمثل في ختم اسطواني تم العثور عليه بالقرب من مدينة زايد في المنطقة الغربية أثناء الأعمال الميدانية التي يقوم بها فريق مسح التربة في الإمارة، ويعود تاريخه إلى أوائل العصر البرونزي، هل يمكن اعتباره دليلاً على مثل هذه الصلات؟ ؟؟ بالطبع، فهو يحمل تأثيراً واضحاً من بلاد الرافدين، وهو من نفس الأختام التي كانت سائدة في بلاد الرافدين في الفترة من 3200 إلى 2900 قبل الميلاد· وكان الختم في تلك الفترة يستخدم عوضاً عن التوقيع اليوم، حيث يعلقه الشخص في رقبته، ويقوم بختم العقود التجارية التي تكتب على الطين ثم تشوى في النار، وهذه أول مرة يظهر بها ختم بهذا الأسلوب· في السابق وجدنا أختاما لكنها لم تكن اسطوانية، ولا بهذه الدقة، ولم تحمل مثل هذه النقوش التي تعود إلى المرحلة السومرية المبكرة جداً· أما عن وجود الصلات التجارية بين الخليج وبلاد الرافدين فهي موجودة مائة في المائة ومنذ عصور ما قبل التاريخ· وترد في النصوص السومرية دلمون (وهي تمتد من جزيرة فيلكة إلى جنوب قطر لكن مركزها هو البحرين)، وماجان (وهي دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان)، ومن الواضح أن السومريين كانت لديهم حضارة زراعية وما يترتب عليها من منتجات حيوانية كالصوف والجلود في حين كان الجنوب (دلمون وماجان) فقيراً في هذا المجال، لكنه غني أو لديه وفرة في الحجر والنحاس والبرونز، فكانوا يبادلون هذا بذاك· وكان التجار نوعين: إما تاجر من دلمون يتاجر من جنوب قطر وإلى الشمال، أو تاجر أكبر كان يأتي إلى ماجان ويفتش عن النحاس والحجر والبرونز ويصدرها عبر دلمون إلى الشمال حيث بلاد الرافدين· ومن الدلائل الأكيدة على هذا التواصل القديم العثور على (فخار العُبيد) الذي يعود إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد في عموم منطقة الخليج العربي، ما يعني أن هناك صلات تجارية بين المنطقتين منذ الألف الخامس قبل الميلاد· تربية الآثاري ؟ قراءة الأثر أو اللقى أو البقايا مهارة تحتاج إلى خبرة ودراية بالإضافة إلى معرفة متخصصة في أكثر من علم، كيف نستطيع في العالم العربي تربية الآثاري الجيد القادر على إنجاز قراءة دقيقة على المستوى التاريخي، وربطها بالتحقيب التاريخي والتسلسل الزمني وسد الفجوات التي قد تكون موجودة؟ ؟؟ التربية الآثارية تتم في الحقل، هناك تبدأ وهناك تتبلور كل المهارات التي يحتاجها الباحث أو العالم المتخصص في الآثار، أما الكتب والقراءة والدروس الأكاديمية فلا تنفع بدون الحقل، لأن الآثاري حين يمسك الأثر بين أصابعه ويتحسسه بيديه يستطيع أن يقدر عمره الزمني، وهذه خبرة يكتسبها بالممارسة المستمرة· وأي آثاري إذا لم يعرف تفسيراً لما وجده في الحقل يسعى إلى تأريخه من خلال من سبقوه فينسبه إلى نفس الفترة التاريخية، وحين لا يجد يلجأ إلى الكتب والمراجع العلمية لمعرفة أين ظهر أثر مثله أو يشابهه أو يقترب منه في الزخرفة والصناعة والتكنيك وغيرها· إذن بعد الشهادة الأكاديمية لا بد من الحقل، والآثاري يحتاج على الأقل إلى 10 سنوات ليستطيع التفاعل مع الطبقة أو الموقع التي يتعامل معهما والآثار التي يجدها وكيف يصنفها، لأن هناك الكثير من الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها مثل: من أين جاء هذا الأثر؟ ما هي مادته؟ الزخرفة كيف حدثت؟ ما هي استعمالاته وأسئلة أخرى كثيرة توضح له إلى أي حقبة ينتمي وتاريخه وما ينتج عن ذلك من تحليلات تتعلق بالحياة الثقافية والاجتماعية لتلك الفترة· ؟ هل يمكن للقى الأثرية أن تعطينا صورة عن ملامح الحياة في حقبة زمنية ما، توزع البشر الجغرافي، العادات والتقاليد، الثقافة والعقائد السائدة، بمعنى هل يمكننا أن نعيد تركيب صورة المجتمع الاجتماعية والثقافية عبر اللقى الأثرية؟ ؟؟ هذا سؤال دقيق ومهم، ولكي يجيب عليه الآثاري عليه أن يعرف هذه القطعة التي عثر عليها من أين جاءت وكيف تم استيرادها، بمعنى أن يعرف مصدرها ثم يسعى وراء السبب الذي أوجدها أي الوظيفة التي كانت تؤديها، هل كانت تستخدم للاغراض اليومية خاصة الفخاريات أو لأغراض أخرى· عندما كنت أنقب في القصيص مثلاً، وجدت بقايا قواقع وفيها أصباغ ملونة، بحثت عن تفسير لها وظللت أفكر وأبحث حتى اهتديت إلى أنها اقرب ما تكون الى أدوات تجميل، وجاء من بعدي من أكد هذه المعلومة· عثرت أيضاً على طاسات لها مصب طويل ينتهي بشكل دقيق (رفيع) في نهايته، وحِرت في أمره إذ لم أكن أعرف المنطقة حينها، وبعد بحث ودراسة وصلت إلى نتيجة لم أكن مقتنعاً بها تماماً وقتها لكنها ربما تحمل شيئاً من الحقيقة، وقدرت أن تكون وعاء للحليب يعطونه للطفل لكي يأخذ منه قدر ما يلبي حاجته، وبعد مرور سنوات كثيرة تعمقت معرفتي بالمنطقة ووجدت أن هناك ما يشبهها لدى البدو في الإمارات وأنهم يستخدمونها فعلاً لهذا الغرض· هذا يعني أن الآثاري مطالب بمعرفة ثقافة المنطقة وأدواتها المختلفة، لأنها ستفيده في بحوثه، فصنارة صيد السمك، وهذا شيء عجيب، لم تتطور منذ 3 آلاف سنة قبل الميلاد وإلى الآن وهذا ما أثبتته التنقيبات الأثرية التي أجريت في الإمارات· أساطير التوراة ؟ ظل البحث الآركيولوجي على مدى عقدين أو يزيد أسيراً لروايات التوراة عن المنطقة، ولم يكن لدى الباحثين شك في ما روته التوراة بل حاولوا بكافة السبل إيجاد الدليل العلمي عليه في باطن الأرض وحفريات المواقع واللقى، هل تخلَّص هذا البحث من الرواية التوراتية أم ما زالت المصدر الوحيد لفهم وتحليل اللقى وغيرها؟ ؟؟ هذا سؤال يأخذنا إلى مكان آخر في البحث الآركيولوجي، وبالتحديد إلى أهدافه الأولى ومراحله المبكرة· لقد حاولت فئة من علماء الآثار والباحثين في تاريخ المنطقة جاهدين أن يقنعوا أنفسهم بأن تاريخ المنطقة القديم (خاصة فسلطين والعراق وبلاد الشام) موجود في التوراة، ولهذا ظلت هي الملهمة لهم في عملية البحث، وتفسير ما يمكن أن يعثروا عليه أثناء الحفر الأركيولوجي، وقد صرفوا أموالاً كثيرة ليؤكدوا مثل هذه النتائج، لكن عندما ذهبوا إلى بلاد الرافدين ونقبوا في عدة مواقع (الوركاء، أريدو، آشور، بابل وغيرها) اكتشفوا أساطير هذه الأقوام وعرفوا أن ما هو مكتوب في التوراة نسخة عن هذه الأساطير السومرية والأكدية· بالطبع كانت الصدمة كبيرة وسعوا بشتى الوسائل لإثبات أن هذه الأساطير هي المأخوذة عن التوراة· ثم أثبتت الحفريات والبحوث واللقى أن حضارات سومر وأكد وآشور وجدت قبل 3 آلاف سنة من كتابة التوراة فتغيرت الأمور كثيراً، هذا لا يمنع أن هناك من يفكر على النحو السابق لكن غالبية البحوث تحررت من هذه النظرة وخضعت لقول العلم· الآن يسيطر الأميركيون على مدينة أور التي تذكر التوراة أنها موطن النبي إبراهيم الخليل ''عليه السلام'' ويقول بعضهم نحن هنا من أجل مدينة ابراهيم، وهو ما يحدث في بابل أيضاً التي حاصروها ونقبوا فيها وأخرجوا ما خرج منها إلى خارج الحدود ويبررون وجودهم بأنهم جاؤوا يفتشون عن الأماكن المقدسة التي جاء بها العهد القديم، وربما يقولون بينهم وبين أنفسهم: حررناها، لكن كل هذا لا ينطلي على آي آثاري متمكن وعارف بالحقل ويستطيع أن يرد عليهم بالمعلومات المنطقية والموثوقة· ؟ إذا كانت الوثيقة الورقية قابلة للتأويل أو التفسير لخدمة غرض ما من الأغراض فهل يمكن تزوير النصوص القديمة التي كانت تكتب على الأحجار أو على هيئة رقم طينية؟ ؟؟ لا··· مطلقاً، اللقى الحجرية المنقوشة بالكتابات لا تقبل التزوير أبداً لأن الطريقة التي كتبت فيها لا تنطبق عليها الشروط الحالية سواء لجهة اسلوب النص أو المضمون وهذا ينطبق ايضاً على الرقم الطينية، كما أن الآثاري الجيد يستطيع أن يميز بين القطعة الأصلية والمزورة بسهولة· أنا بخبرتي المتواضعة استطيع أن أؤكد بمجرد اللمس أو المشاهدة وبنسبة 80% ما إذا كانت القطعة مزورة أم أصلية، فما بالك بمن هو أكثر خبرة وله عمر أطول في الحقل· وفي ما يخص آثار العراق والخليج أستطيع بمجرد اللمس (اللمس هنا ضروري جداً) ان أجزم بأن القطعة التي في يدي مزورة أو أصلية· ؟ وماذا عن الاحتمالية التي يتحدث بها البعض عن تحديد عمر المكتشفات بالكاربون؟ ؟؟ قياس الكاربون شيء آخر· الكاربون 14 فقط للمواد العضوية مثل الجلد، الخشب، العاج، المواد المتفحمة والعظام لتحديد أعمارها ولهذا يلجأ المزورون إلى التزوير على الجلد فيختارون قطعة جلد قديمة ويكتبون عليها ويتناسون أن تحليل الحبر كفيل بكشف التزوير وإظهار عمر القطعة الحقيقي· الخوف والفرح رافقا خبر سماعي افتتاح المتحف العراقي مرة ثانية حين قابلت الخبير الآثاري د·منير طه كانت الصحف تتناقل خبر افتتاح المتحف العراقي مرة أخرى أمام الجمهور بعد أن كان (نهبه) وأقفل منذ غزو العراق· سألته عن المتحف ومشاعره تجاه عودته إلى الحياة لا سيما أنه كان مديراً للمتحف من 1988-1998 فقال: شعرت بمزيج من الخوف والفرح؛ وكان الخوف نابعاً من مدى توفر الأمن الكافي لحمايته حتى لا يسرق مرة ثانية، أما الفرح فلأن هذه العودة قدمت الدليل على أن آثار المتحف العراقي التي خبأناها في مخازن خاصة وتم إخراجها الآن بعد أن انتهت الضجة او الزوبعة سوف ترى الشمس وتعرض في مكانها الذي ينبغي أن تعرض فيه مرة أخرى· فما كان معروضاً في المتحف عام 1990 خبئ في أماكن لا يمكن أن يصل إليها أحد إلا الذين يعرفونها· فلما جاء سارقو الآثار والذين يبحثون عن الكنوز أصيبوا بخيبة كبيرة لأن الآثار كانت مخبأة والكنوز كانت محفوظة في البنك المركزي· وكما هو معلوم يوجد في كل متحف مخزن للآثار يحتفظ به بالآثار غير المعروضة او المكتشفة حديثاً بواسطة التنقيبات أو التي عرضت ثم استبدلت وعرضت مكانها آثار آخرى، أو المزورة والمصادرة· أما التي كانت محفوظة في المخزن وعددها 15 ألف قطعة فسرقت، وأما في المتحف ذاته فكانت فيه قطع كبيرة جداً فلم يستطيعوا تحريكها، في حين كانت هناك قطع صغيرة وتماثيل ورؤوس تماثيل (منها تمثال لرأس أسد ورأس لبؤة بالحجم الطبيعي مصنوعان من الفخار قاموا بتكسيرهما) سرقوا منها قرابة 40 قطعة لم ترفع من المتحف وتحفظ في المخازن· وأعتقد ان ما استرجع منها حوالي 5 او 6 قطع، ومن مجموع الـ 15 ألفا أعيدت حوالي 7 آلاف قطعة لكن المشكلة هل هي أصلية أم مقلدة، ذلك أن الأجهزة الأمنية تقوم بحجز هذه القطع ومصادرتها من الأسواق لأنها من العراق، وهي - الأجهزة - بشكل عام لا تستطيع التمييز بين الأصلي والمزور لأن هذا أمر يحتاج إلى آثاريين متخصصين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©