الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِقْط اللِّوَى···مِرآةُ الغريبة···

سِقْط اللِّوَى···مِرآةُ الغريبة···
9 ابريل 2009 03:15
المرآة أزليّة في الحضارة العربيّة، حيث نجد لها استعمالاتٍ في بعض الشعر الجاهليّ إذ يطلق عليها امرؤ القيس السَّجَنْجَل في معلّقته وهو يشبّه بصفائها ترائبَ حبيبتِه، كما كانت تسمَّى العِناسَ، والزَّلَفَة· وكانت هذيل تطلق عليها الوَذِيلة، وجمعُها وَذائل، وهي في الأصل السبيكة من الفضّة، وهي الْماويّة أيضاً، كأنّها منسوبة إلى الماء· وهي الْمَذِيّةُ، إذا كانت شديدة النَّصاعة· وهي أيضاً الْمِنظارُ· وهي، كما تعرَّف في بعض المعاجم الأجنبيّة، عبارة عن شيء يمثُل بأشكال متنوّعة يتكوّن من سطْحٍ ناعم شَفَّاف عكّاسٍ للصّور الماثلة فيها، وكانت المِرآةُ، أوّلَ الأمر، تُصْنَع من المعدِن اللّمّاع قبل الارتفاقِ بتسخير الزُّجاج لعكس الصور والمناظر· ولَئن كانت المرآة تفضَح كلّ ما يمرّ بها فتعكسه عكساً أميناً كما هو، دون حياءٍ أو خوف أو تحرّج، فإنّها في الوقت نفسِه كتومٌ، بحيث تختزن أسرار الصور التي تعكسها، فلا تُظهرها إلى آخرين أبداً· وتطلق العرب على ما تعكسه المرآة ''الخيال''· والمرآةُ إذا ركِبها الوسَخ فذلك هو الصَّدأُ، وهو الذي كان يجَلَّى ويُصقَلُ ويلمَّع كالسيف· والجمع العالي للمِرآة مَرَاءٍ، مثل مَراعٍ، وجَوَارٍ· وكان يُعتقَد أنّ جمع ''المرايا'' عامّيّ، ولكنّ الجوهريّ ذكره على أنّه جمع كثرة، ومَراءٍ جمع قلّة، فالاستعمال العربيّ المعاصر الذي لا يستعمِل إلاّ المرايا، إذن، استعمالٌ صحيح· وترتبط المرآة في الثقافة الأوربيّة بصفحة الماء التي كان اتّخذها نرجسُ، كما هو مسطور في الميثولوجيا الإغريقيّة، بمثابة المِرآة يتَمَرْأَى فيها، فلم يزل يعشَق وجهه الجميل إلى أن أفناه ذلك العشقُ فمات برسيسه وهو بجوار تلك المرآة الْمَاوِيَّةِ التي نبَتَ، في الموضع الذي ماتت فيه هذه الشخصيّةُ الأسطوريّة، نبْتةُ النرجس المشموم· وعلى أنّ الذي أردنا أن نَفرُكَ به الذاكرة، بهذه المقالة، هو عادة عربيّة قديمة ذكرَها الشاعر ذو الرُّمّة في بيته الشهير لدى اللغويّين، وهو الذي يصف فيه خدَّ ناقتِه بالصفاء والنّقاء واللِّين، ويقول فيه: لها أُذُنٌ حَشْرٌ وذِفْرَى أسيلةٌ ووجْهٌ كمِرآةِ الغريبةِ أسْجَحُ وفهو إنما يُقصَدُ بعبارة: ''مِرآة الغريبة''، كما ذكَر ذلك المبرّد وابن برّي، وهو ما يمثّل وجهاً من الثقافة الأنتروبولوجيّة، أنّ المرأة العربيّة حين كانت لا تتزوّج في قبيلتها، كانت لا تجد في نساء الحيّ الذي تتزوّج فيه مَن يُعنَى بها فينصَحُ لها بصدقٍ إلى ما يحتاج إليه صلاح جمالِها، ويبيّن لها ما قد تُضطَرُّ إلى إصلاحه وتجميله وتأنيقه وتنصيعه وتنضيره من حُرِّ وجهها· فكيف كانتِ السبيلُ إلى معرفة ما قد يكون مَنْكُوراً مستقبَحاً مِن ملامح خدّها، وقد عدِمت الثقةَ في نساء حيّ بعلها؟ إنه لم يكن لها من سبيلٍ إلى ذلك غيرُ المرآةِ تتّخذها صديقاً لها، فكانت تعوّل عليهَا تعويلاً دائماً، لأنّها هي وحدَها التي تصدُقُها فلا تَكذِبُها، وتنصَح لها فلا تخدَعُها؛ ولذلك كانت تلمِّعها تلميعاً، وتجْلُوها جِلاَءً حتى تعكس سحنة وجهها كما هو
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©