السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عناصر الكون في شبهة الطين

عناصر الكون في شبهة الطين
9 ابريل 2009 03:19
ضمن إصدارات اتحاد كتاب المغرب، صدر مؤخرا بدعم من دائرة الثقافة والإعلام في إمارة عجمان الديوان الجديد للشاعر المغربي الذهبي مشروحي· جاء هذا الديوان الأنيق في 135 صفحة من الحجم المتوسط· ويتشكل الديوان من عدد من القصائد التي تتداخل فيها رؤى الذات برؤى العالم، ومن خلال عنوان الديوان ''شبهة الطين'' نجدنا أمام مفارقة وحيرة دلالية، فخطاب هذا الشاعر من خلال قصائده في هذا العمل يدور في فلك ''الأصل'' الذي يأخذنا بطبيعة الحال إلى عوالم: التراب والأرض، والطين، والماء· وما يقترب من هذه العوالم كمادة خام يهرب إليها الشاعر أو تأخذه أخذا· يقول الشاعر في نصه الشعري ''نشيد الأعالي'': ''الأرْضُ بيْضةُ الطَّائرِ الأوَّل· كانتْ تحْرُسها الوحوشُ الإلهِيَّة قبْل تَناثُر الذِّئابِ البشريَّة في الكونِ· الأرْضُ نهْضةُ الزَّوابِع منْ فنْجانِ قهْوة قبْلَ نهْضةِ الذِّئابِ للعواءِ في برِيَّة تصُولُ على طرفِ الأصابِع المَحْسوكَة بيْن طواحينِ الهواءِ يوْم ماتِ ملِكُ الظِّباءِ· الأرْضُ تُفاحَة اللَّذةِ الأوْلى في قلْب مرْفوع على أسْنانِ مُشْط سماوِيّ تُهدْهِدُه اللَّذةُ الغافِيَّةُ تحْت أوْراقِ التُّوتِ الخارِجَة عنِ الطَّاعَة· الأرْضُ مُعلَّبات تَناثرَتْ قُرْب يَنْبوع شاحِب تبْكي مع الرِّيحِ أكْياسَ البلاسْتيكِ الهائِمةِ في البرِيَّة على وجْهِها·الأرْضُ ينْبوعُ دِفء هناكَ تضْربُ جُذورَ الأشْجارِ موْعِدَها قُرْب ساقِية مَدَّت سيقانَها بيْن أجْسادِ العاشِقينَ لحْظةَ غُروب·الأرْضُ حُلْم بعَوْدةِ الرِّجالِ من المَذابِح، من المَعاقِل، بعَوْدةِ خُيوطِ الشَّمْس من الأرْضِ إلى الأرْضِ دونَ حُرَّاس ·الأرْضُ طَلاء أصْفر لهَذا الغُروبِ وهو يُوَدِّعُنا بِبُرودَة أعْصاب· الأرْضُ طامَّةُ العُيوبِ· عَجْز إلى حُدود المُسْتحيلِ وثَوْرة إلى حُدودِ المُمْكنِ على تماثِيل تَسْقُط في النِّسْيان مع إطْلالَة كلِّ فجْر كان من قَبْلُ ليْلا طويلا، طويلا وانْجَلى في ثَوان· الأرْضُ كنيسَة تُطْعِم وتأْوي الحارِقينَ من جَنوب الجنُوب· حيْثُ الزَّمانُ حِجارَة تمْنعُ الآلِهةَ من الحُضورِ لإنْشادِ التَّراتيلِ المُقدَّسةِ على الأحْياءِ لا على القُبورِ·الأرْضُ قوافلُ الحَطَب· تعْبُر بجمْرها اللاَّهِبِ أوْديَّة، أقْبيَّة· تقْطعُ سُفوحَ الرُّعْب· تَجْري نحْو بحْر فارِغ يتَأمَّلُه وجْه جامِد·الأرْضُ اسْتِراحةُ بائِع مُتجوِّل في ظِلِّ عرَبة بلا عجَلات· تأْتي صَوْبَها الاتِّجاهاتُ· وهيَّ رابِضَة في عيْنِ الرِّيح ·الأرْضُ عَناكِب ضخْمَة· ترْمي شِباكَها في قَعْر السَّماء كيْ تصْطاد الشُّموس في قلوب الفارِّين من فِخاخ نصبها الموْتى لمُمارسة هِواياتهم المفضَّلة في قهر اللاجدوى من الهروب· الأرضُ أحْلام وكوابيسُ تتبادل الاتِّهام في رأْس جبل لن يولد ثانيَّة إذا تهدَّم· الأرض أسرارُ أمَّة ضاعتْ في حقيبَة دبلوماسية سُرقت من مَطار سري لا تُحيل إلى شيء ما عدا قداسة السِّر· الأرضُ جُسور تمتدُّ نحو المسْتقبل لا يعبُرها أحد لأنَّها لم تدشَّن بعد كي تُصبح في مُتناول أقْدام حطَّمتها القُيود· الأرض نِفايات آدميَّة ترْكَب الموْج بحْثا عن خلاص عندما تنْفجر المقْبرة التِّي حَفرها اللاإنسانُ للإنسانِ''· عوالم هذا الشاعر بدائية ربما هي رغبة منه للاّنعتاق من عوالم المدينة والحضارة التي هي ''مزيفة'' وقاتلة للإنسانية، ونلاحظ أن هذا النص الشعري الطويل ينطلق من كلمة واحدة وهي ''الأرض'' ونراه لا يفارق هذه الكلمة حتى آخر نفس من نصه الشعري، فنراه يعود إلى ''أرضه'' بقوله: ''الأرض دجاجة تَبيض· أفعى تحْتضن· خمس رصاصات لصدر مجرم أعْزل كان لا يرحم ضحاياه تحت الطَّلب·الأرض تِيس معمم''· عمل الشاعر على كتابة نصّه بفنّية عالية يلعب فيها على ثنائية تآلف بين النصّ الشعري المطبوع بالحبر الأسود على فضاء فسيح من الصفحة البيضاء· كما يعمل الشاعر في ديوانه هذا على تقسيم نصّه إلى فقرات متفاوتة بما يسمح به الحفاظ على المعنى وجمالية القصيدة· كما نلاحظ نبرة الشاعر الغنائية في قصائد الديوان، وحين نقرأ أشعاره هنا نتصور أنفسنا كأننا نستمتع ب ''كورال'' يوناني عريق· وإذا كانت اللغة أهم ركيزة من ركائز أي إبداع أدبي، فالشاعر الذهبي مشروحي يفرد لهذا الكائن ''اللغة'' قصيدة بكاملها، وربما بهذا النصّ الجميل يعترف الشاعر بأهمية اللغة التي يصنع منها نصوصه· يقول في نصه ''شبهة الطين'' الذي أهداه إلى الشاعر عبدالله زريقة: ''الإعْلاء رسالة الأسْفل إلى الأسْفل· في الرِّسالة يد تمْتدُّ إلى سلَّة نجوم تنْفجر على رأْس السَّماء مخلِّفة وراءها فجْوة وحبرا أسْود ولعنة يرسُم بها الشَّاعر خيْط أفُق غائِم''· وقد عمل الشاعر طيلة نصوصه في هذا الديوان على توجيه انتقاد حاد لواقعه كذات شاعرة أولا ثم إلى واقع الأمة العربية، كما عبّر الشاعر وبلغة راقية شفافة جدا تلامس بواطن الأمور على ما يجترّه الإنسان العربي من جراح وآلام وانكسار الذات وتشظيها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©