الأيروتروبوليس.. مراكز تجارية عملاقة لأداء الأعمال

لم تعد المطارات مجرّد منشآت لعبور المسافرين، بل أصبحت مراكز تجارية بالغة الحساسية والأهمية· وعندما تتحدث أوساط صناعة الاستثمار المالي في العالم عن مطارات المستقبل، فإنها تفضل أن تضع لها وصفاً جديداً تماماً، فهي مراكز ضخمة لإقامة كبار رجال الأعمال، وتضم أعداداً كبيرة من مباني المكاتب التجارية ومنشآت التسوّق والترفيه ومراكز عقد المؤتمرات العالمية، وهي أماكن مثالية لإدارات الشركات الكبرى· وفضل جون كاساردا، المحاضر في الشؤون الاقتصادية بجامعة نورث كارولاينا، أن يطلق على مطارات المستقبل اسم (أيروتروبوليس) aerotropolis أو (المدن الجوية)، وهو تعبير واضح عن التحول الكبير الذي طرأ على وظائف المطارات· ويقول كاساردا إن (المدينة الجوية) سوف تتحول إلى مقر دائم لسكن كبار التجار ورجال الأعمال والمستثمرين في القطاعات السياحية العالمية فضلاً عن طبقات النخبة· ويقارن تقرير نشرته مجلة (بيزنس ويك) مؤخراً بين مطار (دالاس فورت وورث) بولاية تكساس الأميركية، وبين جزيرة مانهاتن الشهيرة المجاورة لمدينة نيويورك، حيث لا يكاد هذا المطار الجديد يقل أهمية من النواحي الاقتصادية عن عاصمة المال والأعمال· ويعبر مطار دالاس كل عام أكثر من 60 مليون مسافر، مما يجعله واحداً من أكثر المطارات العالمية نشاطاً· وبلغ مجمل عوائده للسنة الماضية 619 مليون دولار، إلا أن أكثر من 65 بالمئة من هذا الدخل يأتي من مصادر لا علاقة لها بشركات الخطوط الجوية أو بصناعة الطيران كلها، وتتنوّع هذه المصادر الربحية بين تأجير الأراضي والمساحات التجارية، والاستثمار في التطوير العمراني، ومداخيل الفنادق والمطاعم وملاعب الجولف· وتبحث إدارة المطار الآن في فرص جديدة وطرق مبتكرة لاستغلال المساحة الهائلة التي يستحوذ عليها· وبدأ التأثير السحري للقوة الاقتصادية لمطار دالاس اختراق حدوده الخارجية ليترك أثره البالغ على الأحياء والمراكز التجارية المجاورة له· وأصبحت تلك المعالم التي تم بناؤها قبل 30 عاماً عندما اتخذ قرار بناء المطار القديم، من المناطق الأسرع نمواً في ولاية تكساس كلها بعد انتهاء بناء المطار الجديد· وهي تحتضن الآن الإدارات المركزية لـ 24 من أكثر الشركات الأميركية نشاطاً· ومع الطفرة التطورية الضخمة التي شهدها مطار دالاس فورت وورث، تضاعفت أسعار العقارات التجارية المقامة ضمن نطاقه عدة مرات حتى أصبح سعر مكتب تجاري صغير يقدّر بملايين الدولارات· وتقول الخبيرة السياحية سيندي روبيرت: ''لا شك أبداً أن هذا الرخاء الذي تنعم به المنطقة كلها يعود لمطار فورث وورث ذاته''· ويعود جزء كبير من الفضل في إعادة إنعاش ولاية تكساس للتخطيط الذكي للمطار الجديد من حيث تصميم وتوزيع مختلف معالمه التجارية والسياحية· وتكاد طريقة أداء الأعمال واختيار النشاطات التجارية في المطارات الكبرى الحديثة، تختلف عن تلك التي نراها في بقية مواقع العمل الأخرى· وغالباً ما يصنّف موظفو المطارات الحديثة في فئة (عمال المعرفة)، ومنهم المستشارون الماليون، وخبراء تكنولوجيا المعلومات، والمحاسبون، وخبراء الإدارة والتسيير· وحتمت معطيات العولمة وتطور وسائل الاتصالات والنقل الجوي، على هؤلاء الموظفين الناشطين، أن يسافروا مرات أكثر ولمسافات أبعد، واقتضى ذلك بالضرورة أن يكونوا مع الشركات التي يعملون لأجلها، أكثر قرباً وارتباطاً بالمطارات· ولا شك أن هذا التطور الجديد سوف يغيّر الوظائف التقليدية للمطارات حتى تصبح من أكثر المراكز التجارية في العالم أهمية ونشاطاً وانطواء على العوائد المادية·