الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السيرك مفتقرا للأنسنة

10 ابريل 2009 02:35
أن تحسب الحركة بأجزاء من الثانية، ثم تترجم تلك الحسابات إلى حركات بلهوانية متقنة فهي عبقرية بلا شك. أجساد العارضين تتقافز وتدور في الهواء ولا أحد منهم يرتطم بالآخر كل شيء يسير وفق خطة فيزيائية مدروسة قدرت الأبعاد والارتفاعات وأحسن استثمار الوقت بمزيج صوتي ضوئي يضفي الإبهار على لوحة العرض.. إنها بإيجاز فلسفة السيرك. والواقع أن في السيرك، الذي قدر لي مشاهدة أحد عروضه في دبي، جزيئة مثيرة للجدل وهي غياب الأنسنة واندثار الخصوصية الشكلية والجندرية، فالشاب كما الفتاة كلاهما يرتدي زيا يخفي تضاريسهما الجسدية، فيما يلغي المكياج والأصباغ الفوارق في الملامح فيظهر المشهد «السيركي» غنيا بالحركة مفتقرا إلى الاختلاف. والأغرب تراجع الملمح الشخصي في مشهديات السيرك ففي ارتداء أعضائه أزياء تطمس تضاريسهم الجسدية، تذوب الفوارق بين ملامحهم تحت سطوة الأصباغ والأقنعة ما يجعل المشاهد غير مدرك أن هؤلاء القوم أناس مثله تميزوا عنه بالتمارين المكثفة ليتقنوا حركات تبدو «خارقة». بل يجبره على الاعتقاد بأنهم مخلوقات «مختلفة» لا تشبه بني البشر، كائنات مجردة من المخاوف والهواجس. هم قادرون على القيام بانحناءات توحي بأنهم لا يملكون عظاما. يتمتعون بليونة مدهشة تجعلهم يلتفون حول أنفسهم كالثعابين. يقفزون في الهواء مخترقين قوانين الجاذبية دون أن يطرف لهم جفن. يتداخلون بلوحات وحداتها اللونية بشرية. واللافت، أن الأداء أيضا يكون واحدا فلا منافسة ولا اختلاف الجميع يؤدي الحركات ذاتها وبالكفاءة عينها. الكل سيان في عالم السيرك. لا أعلم لما لم تضج جمعيات حقوق الإنسان للمطالبة بحقوق هؤلاء «السيركيين» الذين يفقدون أثناء العروض آدميتهم ليتحولوا إلى كائنات «مدهشة» تحوز على إعجاب الحضور وتصفيقهم. أعتقد أن السيرك تجسيد للعمل الجماعي بأقصى درجات تألقه. هناك تحت الخيمة الملونة تستدرج الدهشة، وتستنطق مهارات الجسد، وتتجلى عبقرية التوقيت لتوجد سيركاً ناجحا، وعروضا جاذبة ولكنها باردة وخالية من حميمية الأنسنة. ليلى خليفة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©